يثير اقتحام البليونير الروسي الاسرائيلي اركادي غايدماك الحياة العامة في اسرائيل بقوة، مع انبهار نسبة لا بأس بها من الاسرائيليين بأفعاله، اكثر من سؤال حول وجهة الدولة العبرية فضلا عن المزاج الاسرائيلي العام، المعروف بتذبذبه. فالاسرائيليون سئموا، من ناحية، رجالات السياسة لاخفاقاتهم في مختلف المجالات ولضلوع عدد منهم في قضايا فساد وأخلاق، لكن نسبة اخرى منهم لا بأس بها على استعداد في الآن ذاته للسير وراء بليونير باتت قصة ثرائه، بطرق غير سليمة، معروفة لديهم لكنهم يرون فيه أهلا لتبوء مناصب رفيعة، فتتوازى شعبيته مع تلك المتدنية لرئيس الحكومة ايهود اولمرت 7 في المئة وتتعدى بكثير شعبية زعيم أعرق الأحزاب في اسرائيل"العمل"وزير الدفاع عمير بيرتس. كل ذلك والرجل لم يعلن بعد انه سيخوض الانتخابات ولم يفصح عن أجندته السياسية او الاجتماعية. واحتل غايدماك صدارة العناوين هذا الأسبوع في أعقاب تسفيره على حسابه الخاص لسبعة الاف من سكان بلدة سديروت التي تتعرض لقذائف"القسام"، للنقاهة في فنادق ومنتجعات مدينة ايلات البعيدة، ما أثار حنق أركان الحكومة الذين اعتبروا ان هذه المبادرة تصب النار على غضب سكان سديروت على الحكومة بحجة عجزها عن توفير الأمن والأمان لهم، وامتداحهم بالمقابل البليونير على لفتته. ولم يخف اولمرت وبيرتس رأيهما السلبي في غايدماك فيما لم يتأخر الأخير في الاعراب عن رأيه المستهتر بهما وبسائر الوزراء وبكفاءاتهم. ثم جاءت الاستطلاعات، في دولة قد تكون الأولى على لائحة الدول التي تعيش على وقع الاستطلاعات، لتفيد بأن غايدماك سينال من الأحزاب الكبرى كافة في حال قرر خوض الانتخابات البرلمانية، ما قد يزيد الساحة الحزبية، المرتبكة أصلاً، ارتباكاً وبلبلة. ويبقى السؤال الأهم: هل يكون غايدماك ظاهرة عابرة أم يشكل وأمثاله من اصحاب رؤوس الأموال بديلا حقيقيا للقيادة الحزبية المتمترسة وراء ايديولوجيات وبرامج لم يعد اسرائيليون كثر يؤمنون بها؟. يرى مراقبون ان المليونير الاسرائيلي - الروسي، الذي يحمل ثلاث جنسيات أخرى بالاضافة الى الاسرائيلية، نجح، من دون ان ينطق وهو الذي لا يجيد حتى اللغة العبرية، في خطب ود شرائح واسعة في اسرائيل خصوصا تلك التي تشعر بأنها منبوذة او ان قضاياها مهملة من جانب السلطة الحاكمة او تلك التي فقدت ثقتها بالسياسيين وخاب املها من اقطاب الدولة ومن وعودهم التي تبقى، غداة كل انتخابات حبرا على ورق، فوفر لها غايدماك متنفسا ومنحها أملا في ان هناك من يلتفت اليها رغم قناعتها ان مرد هذه الالتفاتة مصلحة غايدماك الشخصية اساسا، او سعيه لينال الشرعية في دولة هاجر اليها منذ ثلاثة عقود ونيف لكنه لم يقم فيها اكثر من نصف عقد لشعوره بأنه ليس مقبولا عند ناسها. ويعزو معلقون ارتفاع شعبية غايدماك في الشارع الاسرائيلي، رغم ان مؤيديه مدركون حقيقة انه مطلوب للعدالة في فرنسا وانه جمع اساس ثروته من اغراق انغولا بالسلاح، الى رغبة هؤلاء"المعجبين به"في الثأر من القيادة الحالية للدولة العبرية التي أثبتت انها تفتقر الى كفاءات القيادة، أي الى رغبتهم في التعبير عن احتجاجهم لما آلت اليه الأوضاع في الدولة، وهو تعبير انعكس في اختيار شخص لا رصيد سياسيا له بديلا للقيادة الفاشلة. اما غايدماك فأصاب في تشخيص هذا الوجع وركب على موجة الاحتجاج واقتنى الدواء بماله الخاص وهو قادر على شراء الأصوات في حال قرر دخول المعترك السياسي. ويكتب أحد المعلقين ان غايدماك، الذي بدأ حياته مديرا لسيرك في بلجيكا يرى الآن ان الارضية مهيأة امامه للبروز فيما الساحة السياسية تبدو سيركا من السهل عليه ان يديره. ويقول مدير مركز"ادفا"لأبحاث المجتمع الاسرائيلي والعدالة الاجتماعية الدكتور يوسي كوهين ان قوة غايدماك ناجمة اساسا عن الضعف الاجتماعي، ويضيف ان اسرائيل تشهد عودة الى ايام لا ينبغي ان تكون في دولة ديموقراطية عصرية"مليونير يشتري الحكم، لكن ليس بشكل غير قانوني. انه يقفز فوق المستوى السياسي من دون ان يعرف أحد برامجه في شؤون التربية والتعليم او في الشؤون المجتمعية. انه يركب على موجة احتقار الاسرائيليين للجهاز السياسي، انه ليس"ليكود"ولا"العمل"انه سانتا كلاوز". وتدعم مواطنة عادية من سديروت هذا الكلام بشكل غير مباشر وترد، ساخرة على سؤال كيف قبلت بحسنة من بليونير مشكوك في سلوكه بالقول:"وماذا عن رئيس الحكومة ورئيس الدولة ووزير القضاء السابق؟ هل هم أنظف منه؟"، في اشارة الى تورطهم في قضايا جنائية. ويخلص معلقون الى الاستنتاج ان ظاهرة غايدماك وأمثاله قد تتسع في حال واصلت الحكومة إهمال القطاعات الفقيرة او المناطق النائية وتواصَلَ بالتالي انعدام ثقة الاسرائيليين بقيادتهم السياسية، وفي هذه الحال سيكون سهلا على غايدماك اقتحام الفراغ القيادي الحاصل، وسيقبل به الاسرائيليون منقذا غير عابئين بأبعاد سيطرة اصحاب المال على السلطة.