قبل أشهر قليلة كان بوسع أي فلسطيني أن يفاخر بحركة"حماس"، أو أن يستعير من مخزونه السياسي والفكري ما تمثله هذه الحركة من جمود وانعزال فيتلظى قهراً، أو أن يتمنى نبذ الاختلاف والجنوح نحو السلم الداخلي، أو أن يدير ظهره قائلاً:"لا يبقى في الوادي إلا حجارته"، ولكن مع تتالي"بركات"حكومة هنية تجندت ذاكرتنا الفردية والجمعية لتفقه السر الذي يجعل"حماس"تتمترس خلف الشقاق غير آبهة بمصالح شعبها، وتحول خطابها إلى خطاب استقواء على شعبنا الأعزل، وقواه الوطنية التي لا تتقاطع مع توجهها الشمولي. وكأن الحكومة قميص ألبسهم إياها صندوق الاقتراع. واستغرب ومعي الكثيرون إصرار"حماس"على الدخول ما بين لحمنا وعظمنا مباعدة بينهما البعد ما بين المشرقين، فلا اللحم صارعظماً فيستند اليه، ولا العظم ترك طرياً يقوى على الحركة من دون كسر، ومع فقرنا الماورائي الذي يُضاف اليه كل صنوف الفقر والرمادة مع طاووسية الحكومة كان لا بد من الغوص في بطون التراث لاستشراف تلك القدرة التي ربما تكمن في الاسم وطاقات حروفه، فدلفت أفتش في متون اللغة عن سر هذا الاسم وتجلياته، فبالكاد أويت إلى"المبهج في تفسير أسماء شعراء الحماسة"ابن جنى، حتى وجدت بعضا من ضالتي، فها هو ابن جنى يفسر الاسم"حماس"وهو اسم شاعر يقول: ألا ليت شعري عن حماس إذا التقت عليه مع السلطان ألب القبائل وعهدي به بين السماطين أنه سينجو بحق أو سينجو بباطل وإلا فإن الظبي مما تصيبه إذا عادس الظلماء بعضُ الحبائل برئت إلى الرحمن من كل صاحب أصاحبه إلا حماس بن ثامل وتستمر تداعيات الاسم ليكشف ابن جنى أن حماس ربما تكون من تحامس القوم تحامساً أي تشادوا واقتتلوا، وكأن ابن جنى تجوس عيناه عشرات المحطات الفضائية ويطالع مئات الصحف فاحصاً وباحثاً ومحللاً، ليصف حركة"حماس"وسعيها الدائب نحو الاقتتال والاحتراب الداخليين تنفيذاً لأجندة ضيقة لن تجر إلا الويلات والثبور. وما تؤكده الوقائع على الأرض من عجز"حماس"عن تشكيل جبهة وطنية تقود النضال الوطني الفلسطيني يكشف انعزاليتها فكرياً وسياسياً ويوضح أن مسيرتها تتجه بعيداً نحو فكر"الإخوان المسلمين"الذين شكلوا درعاً واقية للأنظمة التي انسجمت مع موقف الولاياتالمتحدة ضد حركة النهضة العربية ومن كل توجه وطني ديموقراطي، وان تمايزت مواقفها راهناً عن مواقف هذه الأنظمة. ولم يختلف موقف قواميس التراث كثيراً عن موقف ابن جنى لنجدها جميعاً من"العين"حتى"لسان العرب"تراوح في معنى الاسم ما بين استعار الشر، أو الاقتتال، ويلاحق الاسم أيضاً معنى الجدب ومعنى التشدد في الدين والمغالاة فيه، وكذلك الضلال والهلكة، حَمِسَ الشر وتحَمّسَ: اشتد، والحماسةُ: المنع والمحاربة والشدة في الغضب، ونجدة حمساءُ، شديدة"المحكم وپالمحيط الأعظم، وپ"وَقَعَ في هِنْدِ الأحامِسِ"أي في الدّاهِيَةِ والتَهلَكَةِ، والحَمِيْسُ: التَّنَّوْرُ يَحْمُسُ حَمَساً، والأحْمَسُ: المَكانُ الغَلِيْظُ الشَّديدُ، والحمس:الجرس والحُمْسَةُ: الحُرْمَةُ، المحيط في اللغة. وأمَّا الأحامِسُ من الأرضين فإن شمراً حكى عن ابن شميل أنه قال: الأحامس: الأرض التي ليس بها كلأٌ ولا مرتع ولا مطرٌ ولا شيء تهذيب اللغة. حَمِسَ الشَّرُّ: اشتدَّ، وكذلك حَمِشَ. واحْتَمَسَ الدِّيكانِ واحْتَمَشا واحْتَمَسَ القِرْنانِ :اقتتلا، كلاهما عن يعقوب، وحَمِسَ بالشيء: عَلِق به. والحَماسَة: المَنْعُ والمُحارَبَة،ُ تَحَمَّسَ الرجلُ إذا تَعاصَى، وفي حديث علي، كرم اللَّه وجهه: حَمِسَ الوَغى واسْتَحَرّ الموتُ أَي اشتدَّ الحرُّ. والحَمِيسُ: التَّنُّورٌ، لسان العرب. ان الفقه اللغوي محور أساسي من المحاور التي تحتاجها الحركة في تأصيل فكرها كون اللغة العربية محوراً مركزياً في الفكر الديني، فانني فقط ادعو الشعب الفلسطيني لاقتناء"تاج العروس في جواهر القاموس"أو على الأقل"لسان العرب"قبل التفكير بالتوجه لانتخابات جديدة. محمد دلة كاتب فلسطيني - بريد الكتروني