"الكليكا" مصطلح ليس بالعربي المبين ولا أثر له في القاموس الفرنسي، بل هو مزيج من العربية والفرنسية ومشتق من الكلمة الفرنسية"La clique"وتمّ تحريفه بما يلائم سهولة نطقه بالعامية الجزائرية، مثل كثير من المطلحات التي يستخدمها الشباب للتخاطب في ما بينهم. مصطلح"لاكليكا"يكاد يكون الأكثر رواجاً للدلالة على"شلة"الأصدقاء الذين يتقاسمون أفكاراً معينة أو قناعات أو مجرد علاقة مودة وتفاهم في ما بينهم. وعادة ما يكون للشباب شلتهم، وللإناث فرقهن، أما الشلة المختلطة فتنتشر في مدن الشمال، وغالبا ما ينطفئ نجمها بعد زواج أفرادها. ويندر أن يفصح شاب جزائري عن انتمائه الى شلة ذات ميول سياسية أو ايديولوجية، لكن في المقابل يكاد لا يخلو حديث عن مشاكل الشلة الاجتماعية أو الدراسية، مروراً بعلاقات الحب، ووصولاً إلى مشاكل البطالة الخانقة، وما يربط أفرادها من أحلام الهجرة. وكثيراً ما تتحول الشلة إلى أفضل متنفس لهؤلاء الشباب للترويح عن أنفسهم وإفشاء الأسرار لبعضهم بعضا في الظروف القاهرة والمحن، فهي ملاذهم الأول، لأنها قد توفر لهم ما لا يجدونه في البيت، من أصدقاء يؤتمنون على الأسرار، وتروي لهم المشاكل العاطفية، والكثير من القضايا الحساسة التي لا يجرؤ الكثير من الشباب أن يقاسموها أولياءهم إما عن خوف أو حياء. وتقول جازية 24 عاماً خريجة معهد الإعلام والاتصالات:"كانت لي شلة رائعة من الصديقات منذ زمن المراهقة الاولى، وعندما وصلنا إلى الإكمالية انفتحنا على الذكور، ما أضاف نكهة ومتعة. ولم تكن تربط بيننا سوى المحبة، لكننا كنا نُعرف بأننا جماعة المشاغبين، فكنا الأوائل في الفوضى والدراسة أيضا". أما إيمان 26عاماً فتقول:"شلة أصدقائي ما زالت قائمة على رغم أن عددها تقلص، فقد كنا أربع فتيات تجمع بيننا رياضة"الجيدو"، وكان ينظر إلينا أحياناً كثيرة بعين الريبة، لأننا نمارس رياضة قتالية، بينما يجد بعض الشباب متعة في مضايقتنا بالقول إننا"أشباه رجال"بسبب قوتنا". وتضيف ضاحكة:"شيئاً فشيئاً انفتحنا إلى رياضيي الجيدو من الذكور، وأصبحنا نشكل فريقاً واحداً، نتقاسم كل شيء، وأصبحنا أكثر قرباً بفضل السفريات التي كانت تقودنا للمشاركة في دورات رياضية في مناطق بعيدة. وكثيراً ما ننام تحت خيمة واحدة أثناء المعسكرات التدريبية أيضاً". بيد أن كثيراً من الشباب يجمعون على أن الاختلاط داخل الشلة مرفوض بحسب آمال الطالبة الثانوية التي تقول:"في مجتمعنا المحافظ، لم يعد ينظر بعين الريبة الى الاختلاط في المدارس، باستثناء بعض المناطق المحافظة في المدن الداخلية، لكن الأمر يختلف تماماً حينما تتحول تلك الصداقة إلى شلة مختلطة لا يفترق أعضاؤها ويسمحون لأنفسهم بالخروج إلى النزهة أو شاطئ البحر مثلاً، لأن المجتمع قد ينظر إليهم على أنهم منحرفون، ولن يصدق كثيرون أن تلك الشلة لا تربط أعضاءها علاقات جنسية". في المقابل تقول وداد:" فعلاً توجد مثل تلك الآراء التي أراها متخلفةپ أنا مثلاً كانت لي شلة أصدقاء من ذكور وإناث نذهب معاً إلى شاطئ البحر وقاعات الرقص ليلاً وننظم رحلات مشتركة، لكن لم يحدث أبداً أن تورطنا في علاقات جنسية غير مشروعة، لأننا قبل كل شيء راشدون، والصداقة في نظري أعمق من علاقات الحب وأطول زمنياً". وتضيف قائلة بكثير من الفخر:"بالعكس، كان أولياؤنا يعلمون كل شيء عنا، بل وكنا نتبادل الزيارات إلى البيوت، ومع مرور الوقت، كنا نحن أعضاء الشلة سبباً في نشوء علاقات تعارف وصداقة بين أسرنا أيضاً". وتقاسم إيمان التي تمارس رياضة الجيدو القناعة ذاتها، فتقول:"لا أرى عائقاً للاختلاط داخل الشلة الواحدة، فأنا الآن مخطوبة، وخطيبي يعلم كل شيء عن صديقاتي وأصدقائي ونشأت بينهم علاقة مودة، بل تكاد شلتنا تشترط على من يأتي لخطبة إحدانا أن يحترم الشلة ويتقرب من أعضائها". لكن مهدي يقول:"جميل أن يكون لأي منا شلة من الأصدقاء، لكن عادة الشلة تكون مربوطة بزمن الصبا، وبالأخص في زمن المراهقة، لأن الشباب في تلك المرحلة يكونون أحوج إلى أصدقاء يتقاسمون معهم طموحاتهم ومشاريعهم، ويحتاجون الى من يفضفضون لهم". وتابع قائلاً:"الشلة في زمن المراهقة أشبه ما تكون بحلف ينشئه الأصدقاء ليثبتوا وجودهم ويشعروا بالأمان، لكن سرعان ما تفترق الشلة بمجرد أن تفرق الجامعة بين الأصدقاء أو يفشل بعضهم في تجاوز مرحلة الثانوية، فينصرفون إلى عالم آخر، ويبقى يجمع بينهم تبادل التهاني في المناسبات والأعياد". أما فريال فتبدو أكثر تفاؤلاً بطول عمر الشلة وتقول:"غير صحيح أن شلة الأصدقاء تفترق مع سن الزواج! ربما يكون ذلك بالنسبة الى الذكور، أما الإناث فهن أكثر وفاء لبعضهن بعضاً، كما أن الفتاة بعد الزواج لا تجد أكثر من صديقات الصبا ليلعبن دور المستشارة في شؤون الزواج والتعامل مع الرجل ومتاعبه". وتضيف ضاحكة:"بل إن الشلة مفيدة جداً للحصول على نصائح مفيدة لمن هن أسبق تجربة في الزواج، لتفيد بقية الشلة بوصفة رائعة للحب والحياة الزوجية السعيدة أيضاً". وبعيداً من مشاكل الشباب والهموم التي قد تكون سبباً في تكتل الأصدقاء، يختار صنف آخر من الشباب أصدقاء تجمع بينهم ميول خاصة ليكونوا شلة خاصة بهم، ولا سيما هواة الموسيقى والغناء، فهؤلاء يعرفون أيضاً بتسريحات شعرهم المتشابهة ولباسهم الذي يترجم ميلهم الى تقليد الشاب الأوروبي على الأخص. عشاق أغاني الهيب هوب، والراب، والمسرح، والرقص، يفضلون التكتل داخل شلة معينة لأنهم لا يجدون ذواتهم إلا داخل الشلة وقد يبدون غرباء داخل المجتمع بنمط تفكيرهم وسلوكهم اليومي أيضاً، على رأي حسام الذي يقول:"أصدقائي كلهم من هواة الهيب هوب، ويندر أن يخالطنا أحد من غير الكليكا لأننا نعتقد أنه يصعب على الشباب الآخرين أن يفهموا مزاجنا وطباعنا على رغم أننا لا نعادي أحداً".