يضيف الاسرائيليون الى اسباب الكراهية لهم او الانتقام منهم اسباباً جديدة في كل يوم تقريباً بقتلهم اعداداً متزايدة من الفلسطينيين كأن جنودهم في سباق مع الزمن او على رهان عددي. وتنم الافعال الاجرامية الاسرائيلية عن ان مرتكبيها لا يرجون مودة او ينشدون قبولاً في محيطهم العربي او يهابون ضربات رادعة باستثناء تلك التي سددها مقاتلو"حزب الله"قبل اسابيع. وكانت مجزرة الاربعاء اضافة رهيبة جديدة مستهترة الى سجل القتل الهمجي لم تستدرج من الحكومات العربية سوى بيانات تنديد باهتة بمقتل 28 فلسطينياً غالبيتهم الساحقة من المدنيين الابرياء بقذائف الجيش الاسرائيلي وصواريخه ورصاصه. وتدعو تلك البيانات العربية الرسمية الى التساؤل عن جدواها او فائدة اي اجتماعات عربية رسمية طارئة او متمهلة من مستوى وزراء الخارجية فما فوق، في وقف المجازر اليومية ضد الفلسطينيين او اقناع الاسرائيليين بالتفاوض على سلام عادل يضع حداً لسفك الدماء. انها بيانات تشي بالعجز او التقاعس. وجاءت المجزرة الرهيبة في مرحلة تتجه فيها الحكومة الاسرائيلية أكثر فأكثر الى اقصى اليمين المتطرف، وبينما لا يزال الخلاف مستحكماً بين حركتي"فتح"و"حماس"بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية وفي اليوم الذي تبين فيه ان الرئيس الاميركي جورج بوش صار"بطة عرجاء"بسبب نتائج انتخابات الكونغرس النصفية التي نزع فيها الناخبون الغالبية في مجلس النواب من الجمهوريين واعطوها للديموقراطيين الذين حصلوا ايضا على غالبية المقاعد في مجلس الشيوخ. فما معنى هذه الظواهر والتطورات بالنسبة الى الصراع العربي - الاسرائيلي؟ في اسرائيل بات من رموز المرحلة الحالية احد غلاة الساسة الاسرائيليين المطالبين بارتكاب التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، وهو رئيس حزب"اسرائيل بيتنا"افيغدور ليبرمان الذي اوكل اليه رئيس الحكومة الاسرائيلية منصبي نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الاستراتيجية. وقد لا يأخذ بعض الناس ما يفكر فيه ليبرمان على محمل الجد على رغم انه ليس فقط جاداً في ما يقول وانما قادر ايضاً على التأثير في سياسات الحكومة وقرارها كون حزبه هو الذي يضمن استمرارها في الحكم بضمانه غالبية مأمونة لها في الكنيست. وقد اظهر استطلاع اسرائيلي نشرت نتائجه الاربعاء ان غالبية الاسرائيليين تؤيد توزير ليبرمان رغم اعتقادها بأن ذلك سيؤثر سلباً في العلاقات بين اليهود والعرب داخل اسرائيل. وفي الاراضي الفلسطينية، المحتلة والمحاصرة، عجزت حركتا"فتح"و"حماس"حتى الآن عن تحقيق تفاهم على تشكيل حكومة وحدة وطنية تعطي الفلسطينيين صوتاً موحداً في المحافل الدولية يمثل مواقفهم على اساس برنامج عمل واضح لمثل تلك الحكومة. وما زال هذا الخلاف في صفوف الفلسطينيين يعطي حكومة اولمرت سبباً للتهرب من المفاوضات والتذرع بعدم تلبية شروط الرباعية الدولية. ورغم تهديدات اسرائيل بعملية عسكرية واسعة لوقف ما تسميه تهريب السلاح الى قطاع غزة، فإن أقصى ما استطاعت الفصائل الفلسطينية عمله كان اطلاق قذائف محلية الصنع تسمى جزافا صواريخ لا تلحق ضرراً باسرائيل وتعطيها عذراً لارتكاب المزيد من اعمال القتل والتدمير. وبات الفلسطينيون الآن عاجزين عن شن مقاومة فعالة للاحتلال وغير قادرين على خوض مفاوضات سياسية مع الحكومة الاسرائيلية. اميركياً، لم يعمل الرئيس بوش باصرار في عز سنواته الرئاسية على تحقيق رؤيته لحل للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي قائم على اساس دولتين، فلسطين واسرائيل جنباً الى جنب في سلام وأمن، مع انه لو اصر على ذلك لاستطاع. والآن فقد بوش الكثير من سلطته وهيبته، ومن غير المرجح ان يكون للغالبية الديموقراطية في الكونغرس تأثير ايجابي يساعد في انهاء الصراع في اي وقت قريب. انها مرحلة صعبة عنوانها المجازر وعدم اليقين وهي تتطلب من الفلسطينيين الاعتماد على انفسهم وتوحيد صفوفهم الى اقصى درجة ممكنة، وهذا امر يمكنهم تحقيقه في وقت لا يستطيعون فيه اعتبار اي دعم مادي او سياسي من اي جهة عربية او اجنبية امراً مضموناً.