على رغم كل محاولات الرئيس الأميركي باراك أوباما تحريك عجلة السلام وحلحلة العقد الكثيرة التي تضعها اسرائيل فإن كل الدلائل تشير الى أن الوحش الصهيوني الهائج سيعرقل مساعيه ويعمل على ايصاله الى طريق مسدود. فالنيات الحسنة لا تحقق انجازات على الأرض والإرادة المترددة لا تفتح سبل النجاح، والرغبة الصادقة لا تكفي وحدها لحسم الأمور في وجه حكومة صهيونية ليكودية يمينية متطرفة رُكبت خصيصاً لمواجهة الضغوط الأميركية المرتقبة والهروب من استحقاقات السلام التي كانت منتظرة نتيجة سقوط التيار المحافظ المتصهين في الولاياتالمتحدة وأفول عهد جورج بوش وغياب رجاله الذين كانوا يحرِّضون على كل ما هو عربي وإسلامي ويؤيدون كل ما هو صهيوني وإسرائيلي. نتيجة لهذه الوقائع يمكن انتاج تحليل منطقي لسير الأحداث يخلص الى الحديث عن حتمية المواجهة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل وبالتحديد بين إدارة الرئيس أوباما وحكومة عتاة التطرف بقيادة بنيامين نتانياهو مدعوماً بالتطرف المتشبع بالأحقاد والكراهية والعنصرية أنيغدور ليبرمان وزير الخارجية. هذا من حيث التحليل ولكن عندما نصل الى التجارب والدروس المستخلصة من تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي وسجل العلاقات الأميركية - الإسرائيلية لا بد من طرح سؤال منطقي هو: هل نحن نقترب من وقوع المواجهة الحتمية؟ أم إن المناورات الإسرائيلية ستنجو منها مرى أخرى أسوة بما جرى في السابق؟ أم إن الإدارة الأميركية ستتراجع تدريجياً وتتخلى عن خططها لتحقيق السلام ووعودها بحل الأزمة من جذورها بالتزامن بين المسارات الإسرائيلية مع سورية ولبنان وفلسطين؟ أم إن طرفاً عربياً سيقدم هدية مجانية لإسرائيل ومسمومة للعرب بالقيام بعمل ما يعطي اسرائيل فرصة الهرب ويمدُّها بطوق النجاة ويمنحها الحجج والذرائع لرفض الضغوط، كما يسهِّل على الإدارة الأميركية مهمة العودة عن وعودها والتراجع عن تعهداتها وتوجيه اللوم للعرب جميعاً كما جرى عندما طالبت اسرائيل العرب بالتطبيع معها لقاء تجميد الاستيطان الاستعماري وأيَّدتها الإدارة الأميركية في طلبها وعندما لم تلق تجاوباً اتهمت القادة العرب بأنهم «يفتقرون الى الشجاعة»... ونحن نسأل أي شجاعة هذه والكل يعرف حقيقة النيات الخبيثة الإسرائيلية والأهداف التي يرمي اليها العدو من خلال إطلاق هذه الدعوة قبل تقديم أي تعهد أو ضمانة، أو حتى مجرد اعلان بقبول قرارات الشرعية الدولية والرغبة بالتفاوض على أساس مرجعية مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام؟ الأرجح أن أوباما سيصاب بالإحباط عندما يتلقى تقرير موفدة السناتور جورج ميتشيل عن نتائج جولته الأخيرة في المنطقة والشروط الجديدة التي تضعها اسرائيل وسط تساؤلات عن جدوى مهمته وجولاته وعن مدى جدية ما يطرح من اقتراحات لعقد مؤتمر دولي شامل للسلام على مستوى القيادات. وأوباما اليوم محرج ومطوق ومحشور بلعبة الوقت التي يجيد الإسرائيليون استغلالها لتمييع أي مبادرة للسلام وقطع الطريق على أي محاولة لتحريك المفاوضات في شكل جدي وبضغط أميركي. وسباق الزمن هذا لن يكون لمصلحة الرئيس الأميركي الذي يتمتع بالصدقية ويوحي بالثقة لأن ضغط اللوبي الصهيوني بدأ يشتد عليه كما أن الإعلام بدأ يشارك في حملة تشويه الصورة والإدعاء بأن شعبيته بدأت تتدنى تدريجياً وأن حلوله للأزمة المالية لم تحقق المرتجى وأن الاقتصاد الأميركي لن يتعافى قريباً كما أن حاخام اسرائيل اتهم بوش بمعاداة التوراة بسبب دعوته لتجميد المستوطنات. لهذا يبدو أوباما أمام مأزق اتخاذ القرار الحاسم بمواجهة اسرائيل والضغط عليها ولهذا قرأنا أخيراً تصريحات تقول إن الوقت لم يحن بعد لفرض اجراءات عقابية فيما ترددت أنباء عن فرض قيود على مليار دولار من ضمانات القروض (من أصل 9 مليارات) كجزء من الحرب النفسية علماً أن إدارات سابقة جمدت 10 مليارات من ضمانات القروض لإسرائيل، وقاطعت حكومة نتانياهو السابقة ديبلوماسياً ثم تراجعت عن مواقفها وعادت الأمور الى مجاريها «الحبية» السابقة كأن شيئاً لم يكن، ومن يتابع «خريطة طريق» المناورات الإسرائيلية يدرك جيداً أن السيناريوات المعدة بإحكام تهدف لمحاصرة أوباما قبل أن يحاصر حكومة الليكود وتجريده من أوراقه بتمييع المطالب وتقزيم الحلول كسباً للوقت أولاً ثم إحراج العرب لتحميلهم مسؤولية الفشل وانتقال أزمات ساخنة تلهي الإدارة الأميركية وتحمل العرب على التصعيد وتدفعهم لليأس من السلام... ومن وعود أوباما. ويمكن الإشارة الى سلسلة مواقف وتحركات قامت بها اسرائيل على سبيل المثال لا الحصر وهي: 1 - الدعوة لاستفتاء شعبي على الانسحاب من مرتفعات الجولان السورية لقطع الطريق على التفاوض في شأنها لأن النتيجة معروفة سلفاً (بالرفض) والرد السوري أكيد بالإصرار على التحرير الشامل حتى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967. 2 - رفض تجميد الاستيطان في الضفة الغربيةالمحتلة، ورفض وقف توسيع المستعمرات القائمة ثم ربط الموضوع بمطالبة العرب تسديد الثمن الباهظ سلفاً ومن دون مقابل عبر التطبيع مع اسرائيل. 3 - ذر الرماد في العيون الأميركية بالإعلان عن خطة لإزالة 23 بؤرة استيطانية غير شرعية ثم التحرير من مغبة المضي في التنفيذ لأنه سيثير معارضة صهيونية واسعة ومشاكل للإيحاء بأن اسرائيل أوفت بما عليها من التزامات على رغم المخاطر وتحويل الأنظار عن حقيقة لا جدال فيها وهي أن جميع المستعمرات الاستيطانية غير شرعية ومخالفة لجميع القرارات الدولية. 4 - وقف عمليات لم الشمل بين الفلسطينيين والبدء بتهويد القرى والمدن العربية وتغيير عناوينها وأسمائها الى أسماء عبرية تمهيداً لما يزعم أنه «يهودية دولة اسرائيل» وحصر المواطنية فيها باليهود مما يعني التخطيط للترحيل (الترانسفير) لأكثر من مليون ونصف مليون عربي فلسطيني من أصحاب الحق والأرض والشرعية. 5 - إمعاناً في التضليل ومناورة تحويل الأنظار عن القضية الأساس وهي تحقيق السلام الشامل أقدم نتانياهو على تصعيد جديد بالإعلان عن المضي في بناء مساكن للمستعمرين الصهاينة في حي الشيخ جراح في القدس الشريف لنصب فخ لإدارة أوباما، كما ذكرت الصحف الإسرائيلية، ولضمان حشد الدعم الكامل من اليمين المتطرف ومن اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة وغالبية أعضاء الكونغرس باستخدام الكلمة السحرية وهي «القدس»! 6 - الدعوة لشراء اليهود العقارات في الأردن عبر وسطاء أوروبيين يهود في ايحاء لتحريك وتجديد المؤامرة القديمة الرامية الى تحقيق مؤامرة «الوطن البديل» للشعب الفلسطيني. 7 - تأزيم الوضع على حدود لبنان الجنوبية وحشد القوات وارتكاب المزيد من الخروق للقرار 1701 وإحراج القوات الدولية (يونيفيل) وتقديم شكوى لمجلس الأمن ضد لبنان لاستفزاز الطرف اللبناني وجر حزب الله الى حرب جديدة تدفن كل جهود السلام. 8 - حشد البوارج والغواصات في بحر العرب بعد عبور البحر الأحمر وتصعيد المواجهة مع ايران والترويج لمعلومات بأن الضربة العسكرية الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية قادمة وقريبة وأن المهلة الممنوحة لها لانتظار نتائج الحوار الدولي حول الملف النووي الإيراني ستنتهي قبل نهاية العام الحالي وأن اسرائيل لن تقبل أبداً حصول إيران على السلاح النووي مهما كان الثمن حتى ولو أدى الى دمار في المدن الإسرائيلية. وهناك أحاديث عن سيناريوات رهيبة في هذا المجال تجمع على قرب وقوع المواجهة العسكرية ولكن ببدايات مختلفة - ففريق يجزم أن اسرائيل ستبدأ بالضربة عبر لبنان أولاً لشل قدرة حزب الله على الرد على الهجوم على المنشآت الإيرانية، بينما يعتقد فريق آخر أن ايران ستلجأ الى تسخين الموقف في جنوب لبنان وغزة والعمل على إشعال حرب تؤدي الى دمار باستخدام حزب الله صواريخ جديدة قادرة على الوصول الى أعماق اسرائيل مما سيؤدي حتماً الى شل قدراتها وتأزيم أوضاعها الداخلية وبالتالي تجميد أي ضربة عسكرية اسرائيلية للمنشآت الإيرانية وكسب الوقت لإنجاز برنامجها وفرض الأمر الواقع على العالم كله إضافة الى صرف الأنظار من الأزمة الداخلية المتفاقمة. وفي الحالتين يمكن الاستنتاج بأن مهمة أوباما قد أحبطت بينما تحقق اسرائيل أهدافها وتمضي في عملية التهويد وإخضاع الشعب الفلسطيني، وهذا سيؤدي الى تصعيد التوتر وتشجيع التطرف والإرهاب وإحراج واشنطن لإخراجها من المعادلة خاصة في مسألة القدس التي تعتبر الخط الأحمر الذي سيُحدث تجاوزه سلسلة زلازل لن تطاول اسرائيل ودول المنطقة فحسب بل ستصل حممها الى كل دول العالم دون استثناء. ومع كل هذا يجب ألاَّ نقطع الأمل بالحل، فإدارة أوباما لم تعلن بعد نفض أيديها من السلام، وروسيا تسعى لعقد مؤتمر سلام في موسكو قبل نهاية العام، وأوروبا تؤيد بشدة أي جهد سلمي، واسرائيل لم تنجح في صرف الأنظار عن الهدف الأساسي وهو السلام الشامل والعادل القائم على الانسحاب الى حدود 67 وحق العودة وتحرير القدس الشريف وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المتواصلة الأطراف كحق من حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة والمعترف بها دولياً. وعلينا أن ننتظر زيارة وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إسرائيل وما سيسفر عنها من نتائج أكثر من الاعتماد على مهمة المبعوث ميتشيل الكتوم والصبور والمصر على مواصلة مهمته وتليين الموقف الإسرائيلي، كما نترقب مواقف أوباما ومدى جديته في الدعوة لمؤتمر سلام على مستوى القمة قبل أن يلتهمه الوقت ويشتد الضغط الصهيوني عليه ويقترب من مهلة العمل على تجديد ولايته مما يستدعي مواصلة التعاطي معه عربياً بإيجابية وحزم وتشجيعه على المضي في سعيه الذي سيحقق له المجد ويضمن المصالح الحيوية للولايات المتحدة وعدم منح اسرائيل أي ذريعة للإفلات من الاستحقاقات والتحلي بضبط النفس والحكمة وإحباط أي خطة صهيونية لاستفزاز العرب وجرهم الى مواجهة هدفها تكريس الاحتلال. وبعد كل هذا الانتظار يمكن الإجابة على السؤال المطروح حول المواجهة الأميركية - الإسرائيلية... هل تقع... أم ستتلاشى وتندثر كسابقاتها. * كاتب عربي