يعتبر نجاح كوريا الشمالية في أول تجربة تفجير نووي متغيراً شديد الأهمية بالنسبة لأزمة البرنامج النووي الإيراني بين الولاياتالمتحدةوإيران، وبالتحديد للسيناريوهات المحتملة لهذه الأزمة، وبتحديد أكثر لحسم مدى إمكان لجوء واشنطن، وربما إسرائيل، الى الخيار العسكري لحل هذه الأزمة. لقد استقبلت الولاياتالمتحدة نبأ التفجير النووي الكوري الشمالي ب"عصبية شديدة". وإذا كان الرئيس الأميركي جورج بوش أعلن أن إدارته ستعطي الأولوية للجهود الديبلوماسية من أجل تسوية الأزمة النووية مع كل من كوريا الشماليةوإيران، فإنه شدد في الوقت نفسه على الاحتفاظ بكل الخيارات، وقال:"سنعمل مع شركائنا في آسيا ومجلس الأمن كى نضمن تحمل بيونغ يانغ التداعيات الخطرة لتجربتها النووية"، مؤكداً أن أميركا ستعزز، رداً على الاستفزاز الكوري الشمالي، تعاونها مع شركائها من أجل تطوير أنظمة الأسلحة الباليستية الدفاعية، ومنع بيونغ يانغ من تصدير التكنولوجيا النووية وتلك الخاصة بالصواريخ. واستبعد إجراء"محادثات ثنائية"مع كوريا الشمالية أو إيران حول برنامجيهما النوويين، معتبراً أنها المحادثات الثنائية"غير مفيدة". إعادة قراءة هذا التصريح تكشف أن الرئيس الاميركي ذكر إيران ثلاث مرات وهو يتحدث عن كوريا الشمالية وتفجيرها النووي، ما يعني إدراك جورج بوش أن ثمة علاقة بين إيران وهذا التطور الجديد الكوري الشمالي، فقد ربط في البداية بين إيرانوكوريا الشمالية وهو يتحدث عن أولوية الحلول الديبلوماسية، وربط بينهما ثانية وهو يرفض فكرة المحادثات الثنائية، أما المرة الثالثة والأهم، فقد جاءت بطريقة غير مباشرة وهو يتحدث عن السياسات التى ستلجأ إليها واشنطن بالتعاون مع أصدقائها في آسيا ومجلس الأمن رداً على"الاستفزاز الكوري الشمالي"، وبالتحديد من أجل منع كوريا الشمالية من تصدير التكنولوجيا النووية وتكنولوجيا الصواريخ الباليستية. فالولاياتالمتحدة تتعامل الآن مع كوريا الشمالية وعيونها مركزة على إيران تحسباً لحدوث خطرين أو أحدهما: خطر الاقتداء الإيراني بالتجربة الكورية الشمالية، وخطر التعاون الإيراني - الكوري الشمالي وتشكيل محور يضم سورية. فالتجربة الكورية الشمالية تبدو ملهمة لإيران، ويخشى الأميركيون والإسرائيليون من أن تسير إيران على النهج الكوري الشمالي وتفاجئ المجتمع الدولي بنجاحها في إجراء أول تجربة نووية ناجحة، خصوصاً أن هناك أوجه شبه كثيرة بين تجربتي بيونغ يانغ وطهران، وعلى الأخص الموقف الأميركي الرافض لامتلاك كوريا الشمالية المعرفة التكنولوجية النووية. كانت كوريا الشمالية، مثل إيران، من الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. حدث ذلك عام 1985، لكنها لم توقع على الشق الخاص بإخضاع منشآتها النووية لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا في عام 1992، ومع حلول كانون الاول ديسمبر 1993 أي بعد عام من توقيع هذا الاتفاق أعلنت انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي، وكذلك من اتفاق التفتيش مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. واستندت في ذلك إلى سياسة"المعايير المزدوجة"من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث ان الوكالة لم تلتزم، حسب كوريا الشمالية، بالتفتيش على المنشآت النووية الإسرائيلية وكذلك المنشآت النووية لجنوب أفريقيا، إضافة إلى خضوعها للسيطرة الأميركية من خلال فرض تفتيش خاص على المنشآت النووية لكوريا الشمالية، بينما لم تخضع القدرات النووية الأميركية والأسلحة الموجودة على أرض كوريا الجنوبية للتفتيش، وما يعنيه ذلك من تهديد لأمنها وسيادتها. ومنذ تلك الفترة امتدت سنوات الأزمة بين الولاياتالمتحدةوكوريا الشمالية بمشاركة الدول الكبرى في مجلس الأمن ولكن بدرجات مختلفة من جانب روسياوالصين، وهي السنوات التى شهدت ضغوطاً وتهديدات ومناورات متبادلة واتفاقات جزئية وفقاً لسياسة"الحوافز والتهديدات"، ولكن كل هذا انتهى بنجاح كوريا الشمالية في تجربة التفجير النووي والدخول عنوة إلى النادي النووي بشكل غير رسمي، أي الانتساب القسري للدول المالكة للأسلحة النووية. من يطالع هذه التجربة ويعيد قراءة تطورات الأزمة بين الولاياتالمتحدةوإيران حول البرنامج النووي الإيراني في مقدوره أن يستنتج أن إيران ستجد نفسها مضطرة إلى تكرار التجربة الكورية في ظل الضغوط الراهنة التي تتعرض لها وسياسة"المعايير المزدوجة"خصوصاً أن تجربة كوريا الشمالية ابتداءً من الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي إلى إعلان نجاح تجربة التفجير كشفت هشاشة الضغوط الدولية وعجزها عن تحطيم الحلم الكوري في امتلاك السلاح النووي. إلى أي حد يمكن أن تقدم إيران على خطوة الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي؟ وإلى أي حد تستطيع ايران أن تغير من استراتيجيتها وتتخذ قرار إنتاج السلاح النووي، أي تحويل البرنامج السلمي إلى برنامج عسكري؟ وإلى أي حد يمكن أن تطور الولاياتالمتحدة من سياسة الضغوط والعقوبات التي يمكن أن تردع إيران وتحول دون تكرار التجربة الكورية؟ وهل يمكن أن يكون الخيار العسكري مع ايران هو الحل؟ أسئلة كثيرة يرجحها رد الفعل الإيراني على نجاح تجربة التفجير النووي الكورية، كما يرجحها أيضاً رد الفعل الإسرائيلي على نجاح هذه التجربة. لقد جاء رد الفعل الإيراني على نجاح تجربة التفجير النووي الكورية استثناءً أو خروجاً عن الإجماع الدولي، إذ لم تصدر عن طهران إدانة لهذه التجربة، واكتفى المتحدث باسم الحكومة الإيرانية غلام حسين الهام بإعلان معارضة بلاده لأي استخدام لأسلحة الدمار الشامل خصوصاً الأسلحة النووية، لكنه امتنع عن انتقاد كوريا الشمالية، والأهم هو قوله إنه يتعين البحث عن جذور الأسباب وراء هذه التجربة في سياسة وسلوك ونهج حكام الولاياتالمتحدة. كما تعاطفت الصحافة الإيرانية مع بيونغ يانغ وتعمدت صحيفة"رسالت"الرسالة أن تمس الوتر الحساس للأزمة النووية الإيرانية حيث كتبت في افتتاحيتها:"عندما تجعل السياسات التوسعية لأميركا العالم مكاناً خطراً، فلا بد من توقع أن تسعى دول إلى مثل هذه الأسلحة كرادع". وظهر الموقف الإيراني وكأنه يريد تحميل الولاياتالمتحدة مسؤولية اندفاع كوريا الشمالية نحو إنتاج السلاح النووي. فالسياسة الأميركية الاستعلائية وتعمدها فرض سياسة الكيل بمكيالين، وممارسة ضغوط قاسية ضد كوريا الشمالية هي التي دفعت بيونغ يانغ إلى هذا الاتجاه، وفي هذا إشارة إلى ما يمكن أن تؤول إليه سياسة التهديد بفرض عقوبات دولية على إيران من نتائج. هذا المعنى أوضحه عضو مجلس الشورى الإيراني النائب جهانجير زاده الذي طالب الدول الغربية بأن تأخذ العبر والدروس من التجربة الكورية، وهي أن جميع الدول ستسلك الطريق الكورية إذا وجدت هناك من يضع العراقيل أمامها. ولم ينس أن يذكر الغرب بأن التجربة الكورية أثبتت للعالم أن التقنية النووية لا يمكن حصرها في إقليم واحد وفي دول معينة، كما أثبتت أن أي دولة بإمكانها أن تستفيد من طاقاتها المحلية إذا وجدت من يغلق الأبواب في وجهها. هذه كلها إشارات وتلميحات إيرانية تكشف مدى الوعي الإيراني بأهمية التجربة الكورية وكيف يمكن الاقتداء بهذه التجربة. الموقف الإسرائيلي جاء على العكس تماماً ويدفع بالأحداث إلى الاتجاه المضاد وبالتحديد الى ضرورة اتخاذ مواقف حاسمة ضد كوريا الشمالية حتى تكون عبرة لكل من يفكر في الاقتداء بها والحيلولة دون تكرار تجربتها، وبالطبع فان تستهدف إيران بهذه الاشارة. واعتبر إيهود أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية أن"التجربة الكورية تشكل تحذيراً للخطر الذي يهدد الاستقرار العالمي بسبب انتشار الأسلحة النووية بأيدي دول غير ديموقراطية وأصولية"، ولم يكتف أولمرت بالتهويل من خطر التجربة الكورية لكنه أعطى لإسرائيل من دون غيرها حق امتلاك السلاح النووي باعتبارها حسب ما يروج في الغرب"دولة ديموقراطية"! أما الدول غير الديموقراطية والأصولية، ويعني الأصولية الإسلامية، وبالتحديد إيران فيجب أن تمنع من هذا الحق الذي يجب أن تحظى به إسرائيل. الكلام المباشر جاء على لسان شمعون بيريز رئيس الحكومة الأسبق، فقد ألمح بيريز إلى امتلاك إسرائيل سلاحاً نووياً عندما قال:"إن إسرائيل تمتلك خياراً نووياً"، مذكراً بأنها"لم تعترف أبداً بامتلاكها السلاح النووي"، وركز على خطر حصول مجموعات إرهابية على أسلحة نووية، في إشارة أخرى إلى إيران باعتبارها"دولة غير مؤتمنة"على هذا السلاح لأنها"غير ديموقراطية وأصولية وحليفة لمنظمات إرهابية". أما الصحافة الإسرائيلية فكانت أكثر وضوحاً على نحو ما كتبت صحيفة"هآرتس"في افتتاحيتها التي قالت فيها إن"وجود سلاح نووي في أيدي كوريا الشمالية يمكن أن يترتب عليه تأثير خطير ونووي على إسرائيل"، معتبرة أن هذا الأمر سيطلق سباق تسلح، حيث أن السلاح النووي يعد محفزاً لإيران ومصر وتركيا للحصول عليه. هذا عن خطر الاقتداء، أما خطر التعاون فهو أفدح، حيث تخشى الولاياتالمتحدة وإسرائيل من أن تتعاون كوريا الشمالية مع إيران في تطوير البرنامج النووي الإيراني، وأن تعقد حلفاً ثلاثياً مع إيران وسورية لتحدي النفوذ الأميركي وتهديد الاستقرار الإقليمي. لقد اهتمت بعض الجهات العسكرية في القيادة الأميركية بدراسة أوجه التعاون القائمة بين كوريا الشمالية وكل من إيران وسورية في محاولة لتحديد مدى احتمال وجود تحالف استراتيجي في ما بينها يمكن أن يضع الولاياتالمتحدة وحلفاءها أمام خطر محور إيراني - سوري - كوري شمالي يضطرها إلى إعادة حساباتها ومخططاتها العسكرية كافة. من بين المعلومات التى توصلوا إليها هي وجود خبراء إيرانيين في كوريا الشمالية وقت إجراء تجربة التفجير النووي الكورية، ومساهمة كوريا في برنامجي الصواريخ الإيرانية والسورية، وتزويد كوريا الشماليةإيران وسورية بتكنولوجيا عسكرية متطورة خصوصاً في مجال الاتصالات والرادارات، وهذه كلها معلومات تؤكد الشكوك في احتمال قيام كوريا الشمالية بنقل تكنولوجيا تصنيع أسلحة غير تقليدية كيماوية أو جرثومية أو نووية الى كل من إيران وسورية. السؤال الذي تبحث واشنطن عن إجابة له هو: ما هي احتمالات توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين كوريا الشمالية وكل من إيران وسورية، بحيث تواجه الولاياتالمتحدة برد فعل عسكري كوري شمالي - سوري إذا قررت شن هجوم عسكري على إيران؟ حتى الآن ليست هناك إجابة لكن مجرد شكوك باتت تدفع الأميركيين إلى إعطاء كل الأولوية لفرض حظر بحري قوي على كوريا الشمالية لمنعها من تزويد أي من إيران أو سورية بتكنولوجيا عسكرية، ومن تلقي أي أموال أو مساعدات نفطية من إيران. مهمات صعبة باتت تواجه الولاياتالمتحدة مع إيران بسبب هذا التطور الكوري الشمالي، في وقت تشك فيه واشنطن في إمكان موافقة كل من الصينوروسيا على فرض عقوبات لها من الجدية ما يكفي لردع إيران ويرغمها على القبول بالشروط الأميركية وبخاصة وقف تخصيب اليورانيوم، لكن إيران هي الأخرى باتت أكثر ثقة في خيارها النووي بعد نجاح التجربة الكورية، ومن ثم فإن النتيجة هي مزيد من إمكانات الصدام رغم كل محاذيره ومخاطره، التي لا تقل بحال من الأحوال عن محاذير استخدام الحل العسكري ضد كوريا الشمالية، خصوصاً أن البيئة الإقليمية في الخليج وفي شمال شرقي آسيا غير مؤهلة لقبول مثل هذا الحل، الأمر الذي يؤكد أن الخيارات الأميركية "مقيدة" و "غير مفتوحة" على عكس ما يتوقع الرئيس الأميركي. * كاتب مصري وباحث في مركز"الأهرام"للدراسات الاستراتيجية