في حرب تموز يوليو بين "حزب الله" وإسرائيل كان يفترض المبادرة الى عملية برية سريعاً، ترمي الى تطويق أجزاء من الجبهة الشمالية بلبنان. ولكن الاستراتيجية الحديثة تؤثر ألا يراكم الجيش الانجازات التكتيكية قبل ترجمتها مربحاً عسكرياً واستراتيجياً. وتقدم الاعتبارات الأخرى توفير الظروف الفضلى تمهيداً لدخول المعركة ثم توسيع العمل العسكري. وعلى هذا، فالقضاء على قيادة"حزب الله"السياسية يسهم في إضعاف قدراته العسكرية. ولكن اخفاق إسرائيل في الأمر، وتوقع وقوع المعركة البرية لا محالة، في ضوء أهداف الحرب، كان يستتبع بعد الهجوم الجوي، شن هجوم بري واسع. وتوسل خطة تمزج نهج سين تزو داعية التطويق الصيني ونهج ليدل هارت داعية نشر خطوط الهجوم الأميركي كان شأنها زرع الاضطراب في صفوف الخصم، والإسهام في انهياره المعنوي. ويدعو أداء الجيش الاسرائيلي في أثناء الحرب الى النظر في التصورات الحديثة، المنتشرة في دورات تدريب الضباط، على حساب النظرية العسكرية التقليدية. ويعتقد بعضهم ان تدريس النظريات الفلسفية المعاصرة يسلح الضباط بأدوات معالجة المشكلات وتغيير الوقائع الميدانية. والحق ان المفكرين العسكريين التقليديين باتوا أسماء لا غير، ترد في الشواهد، وأما كتاباتهم فلا تزار ولا تدرس الدرس الذي تستحقه. تردد بعض القيادة السياسيي قد يكون ثمة قدر من الحقيقة في الشكوى من القيادة السياسية، وغموض غاياتها وأهدافها التي سعت فيها، في الحرب الأخيرة. وتردد القيادة يفهم ويعقل في ضوء التقارير العسكرية التي زعمت أن الشطر الأعظم من أهداف الحرب يدرك بواسطة سلاح الجو، ومشاركة مجموعة قليلة من القوات الصغيرة، من غير ترتيب خسائر ثقيلة. وعند ظهور خطأ التقديرات هذه، انتقل الفحص الى القيام بعملية عسكرية واسعة بينما أوشك إعلان وقف النار. ودعا الى الاسراع في العملية، ورجحها على ما عداها، طلب القيادة السياسية انجازاً ميدانياً يؤثر في قرار مجلس الأمن المتوقع بين يوم وآخر. ولو علم السياسيون، منذ ابتداء الحرب، باحتمال تراكم المصاعب أمام الحملة البرية، وباستحالة حؤول سلاح الجو دون القصف بصواريخ"الكاتيوشا"، لما أرجأوا العملية البرية الواسعة. وكان كلاوزفيتز المنظر العسكري الألماني المعروف نوه بحاجة السياسيين الى إسناد أوامرهم الحربية الى التقديرات العسكرية، وحاجة القيادة العسكرية الى الإلمام بالإطار السياسي الذي تجري المعركة أو الحرب داخله. وعلى هذا فالتنازع بين الاعتبارات السياسية وبين المعالجة العسكرية أمر غير مستحب. وفاقم الاحساس بتضييع الفرصة بعد الحرب ابتداؤها في ظروف مثالية: إجماع داخلي، مساندة دولية واسعة، واغضاء اقليمي. والى هذا شعرنا ان الوقت لا يدهمنا. ويسعنا، اليوم، تناول انجازات الحرب القريبة في ضوء المعايير التالية: الحسم في المعركة، والحسم الاستراتيجي الكبير، والنصر، والنتائج البعيدة المدى. الحسم في المعركة يذهب بعضهم الى ان الحسم في المعركة، أو التفوق العسكري الذي يشل قدرة العدو على القتال ليس ممكناً في حرب عصابات، إذا استثني المستوى التكتيكي. والحق ان الحسم الذي أحرزه الجيش الإسرائيلي في مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية، في 1982، يدحض هذا الزعم. وفي 2006، على رغم انجازات الجيش التكتيكية، لم يحسم المعركة مع"حزب الله". الحسم الاستراتيجي الكبير يتحقق الحسم الاستراتيجي عندما يعجز الخصم عن شن الحرب جراء الهجوم على أهداف مدنية واقتصادية حيوية. ومثل هذا الحسم لم يحصل في حربنا. فالقيود على مهاجمة البنى التحتية في لبنان تأتت من اعتبار الولاياتالمتحدة الحكومة اللبنانية القائمة انجازاً، على صعيد نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط، ينبغي حمايته والمحافظة عليه. النصر يلجم النصر عن الرابط الوثيق بين الأهداف السياسية والعسكرية بين بلوغهما. وعلى خلاف الحسم العسكري، فهو غير موضوعي، ورهن تغيير الأهداف. فينسب الأطراف المتحاربون النصر الى أنفسهم في ختام المعركة الواحدة. وأدت أهداف إسرائيل غير الواقعية تدمير البنية التحتية لپ"حزب الله"في جنوبلبنان وتجريده من سلاحه، وإطلاق الأسرى الى تعظيم التوقعات. وعندما لم تتحقق هذه استشرى الشعور بالفشل. وتحقيق بعض الأهداف الاسرائيلية يقتضي عوامل خارجية مؤاتية، مثل مبادرة الحكومة اللبنانية الى نشر الجيش في جنوبلبنان، وتولي الأممالمتحدة، وبعض الدول، نشر القوة الدولية. النتائج البعيدة لا نزال نفتقر الى الشروط الزمنية التي يقتضيها تقدير الانعكاسات البعيدة للحرب، ويتناول بعضها محاور كثيرة: إسرائيل "حزب الله"وإسرائيل - سورية وإسرائيل - إيران، والجبهة الخلفية، والعقيدة العسكرية الاسرائيلية، إلخ. ويبدو، اليوم، ان ثمة نتيجة ايجابية هي الردع العقابي. فالرد الاسرائيلي القاسي على استفزاز"حزب الله"، وهو المبادر الى إشعال الحرب، وحجم الخسائر في بيروتوالجنوب، خرج عن ضبط النفس الاسرائيلي المعهود، وعظم ثمن استفزاز قد يحصل في مستقبل منظور. عن آفي كوبر باحث في معهد بيغين - السادات للدراسات الاستراتيجية، "برسبيكتيف" الاسرائيلية ، 9/2006