يجد عبود "البلام" البحار البالغ من العمر 70 سنة متعة في الوقوف على شاطئ دجلة. سلوته اليومية تأمّل عبّارات خشبية كان يملك ذات يوم واحدة منها تمضي من قرب الكرخ في بغداد محملة بأشخاص من أعمار مختلفة، وتعود بمثلهم من قرب الرصافة. يستعيد العجوز ذكرياته عن هذه"المهنة الشاقة"في زمنه وهو يحرك زورقه بمجذافين، بينما يجد"بلامة اليوم"، على حد تعبيره، يجلسون خلف محرك آلي يسيّر القارب بدلاً منهم. وعاودت هذه المهنة نشاطها في بغداد بعد انقطاع، ورجعت معها صناعة الزوارق والقوارب النهرية. وسبب هذه العودة ليس فقط تناقص عدد الجسور التي تربط ضفتي النهر بفعل"الإغلاق الدائم"، وإنما"الإغلاق المفاجئ"لما تبقى من جسور سالكة، بسبب الأحوال الأمنية المتردية في بغداد. واعتاد حارث الذي يسكن على مقربة من الكرخ ويعمل قرب الرصافة استخدام وسيلة النقل هذه. يقول:"من طريق النهر وجدت نفسي أصل في وقت أقصر إلى العمل. وفضلاً عن اطمئناني على نفسي، فالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة لم تصل إلى النهر بعد. ويوم تنتشر ظاهرة الزوارق المفخخة سأفكر بطريق آخر أسلكه كل صباح.. وبعد الظهر!". أما عبود البلام، فيتحسر على مهنته القديمة التي يعجز عن معاودتها بفعل عامل السن، وكذلك بسبب"المحركات الجديدة"التي لا يجيد استخدامها والتي"شوّهت متعة العمل"، وإن أقرّ بالحركة الملاحية التي وفّرتها"فهذه الكثافة لم نشهدها في عهدنا"، على حد قوله.