هل تذكرون حالة الإثارة التي عشناها قبل نحو عشر سنوات عندما تم التوقيع على معاهدة حظر الألغام الأرضية في أوتاوا بكندا؟ فما بدأ على شكل حملة صغيرة على المستوى القاعدي أنجز حينها اتفاقية دولية ملزمة قانونياً لتخليص كوكبنا من غول الألغام المضادة للأفراد. والشهر الحالي يتيح لنا فرصة مشابهة للتصدي للآثار المروعة لتجارة الأسلحة. ففي وقت لاحق من هذا الشهر، ستصوت الأممالمتحدة على مشروع قرار لبدء العمل بشأن معاهدة لحظر تجارة الأسلحة، وبعد عشرة أعوام تماماً من الطلب إليها التصويت على مشروع قرار لدعم فرض حظر على الألغام الأرضية. إن دعم الحكومات لمشروع القرار هذا ومطالبتها بأن تحتل حقوق الإنسان موقعا اساسيا من اتفاقية تجارة الأسلحة أمر هو في غاية الأهمية. فقد تمت السيطرة على الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية لعقود من خلال معاهدات دولية. ومع ذلك، ليست ثمة معاهدة شاملة وملزمة قانونياً حتى الآن لتنظيم مبيعات الأسلحة التقليدية، بدءا ببنادق الكلاشنيكوف، وانتهاء بالطائرات المقاتلة. فالألغام الأرضية ليست سوى احد الأسلحة التقليدية القليلة التي تمت السيطرة عليها فعلياً. وهذا على الرغم من أن الأسلحة الصغيرة وحدها تتكفل بقتل ما يقدر بنحو الف شخص في اليوم، معظمهم من المدنيين. ففي العديد من مناطق النزاعات الطاحنة، رأيت بنفسي كيف أن سهولة الحصول على السلاح تؤجج الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. ففي رواندا، أسهمت أسلحة صغيرة من قبيل بندقية الكلاشنيكوف في توسيع نطاق الإبادة الجماعية. وفي سيراليون أثناء الحرب الأهلية، كان من الواضح أن انتشار الأسلحة أدى إلى وباء الاغتصاب وتقطيع الأطراف تحت فوهة البندقية. وفي تيمور الشرقية في 1999، سهلت سهولة حصول الميليشيا على البنادق من قدرتها على ترويع السكان. وعندما جاءت نتائج الاستفتاء في صالح استقلال التيموريين الشرقيين في آب اغسطس من ذلك العام، أسهمت هذه الأسلحة في ما ارتكب من أعمال قتل ضدهم. إن الوقت قد حان لعقد معاهدة لتنظيم تجارة الأسلحة. فالانتشار المنفلت للأسلحة يدمر الأرواح والمجتمعات والفرص في شتى أنحاء العالم. والمشكلة في حالة تفاقم. ففي السنوات الخمس منذ 11 أيلول سبتمبر 2001، تم تزويد الأنظمة ذات السجل السيئ في مضمار حقوق الإنسان بأعداد متزايدة من الأسلحة، وبدعوى ما يسمى"الحرب على الإرهاب". وقد تقدمت بمشروع القرار المتعلق بمعاهدة تجارة الأسلحة حكومات كل من الأرجنتين وأستراليا وكوستاريكا وفنلندا واليابان وكينيا وبريطانيا. وبقيامها بذلك، أقدمت هذه الحكومات على خطوة جريئة ينبغي الترحيب بها. بيد أنه من الضروري تماماً أن يتضمن النص النهائي لمشروع القرار هذا إشارات إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان. وهذه ليست سفسطة قانونية، فحقوق الإنسان يجب أن تكون في صلب معاهدة تجارة الأسلحة، وإلا فإنها لن تمنع بيع الأسلحة إلى منتهكي حقوق الإنسان، وبذا ستفقد المعاهدة قدرتها على الحماية الفعالة لأرواح الناس. ويدعم الحملة من أجل إبرام معاهدة لتجارة الأسلحة عشرون من الحائزين جائزة نوبل للسلام وجماعات دولية مثل"أوكسفام إنترناشونال"ومنظمة العفو الدولية والشبكة الدولية بشأن الأسلحة الصغيرة. والمعاهدة التي تدعو هذه الجماعات إليها ينبغي أن تقوم على مبدأ بسيط: لا أسلحة لمن سيستخدمونها لانتهاك القانون الدولي. ومثل هذه المعاهدة ينبغي أن تفرض حظراً على بيع الحكومات الأسلحة عندما تكون هناك مجازفة واضحة بأن تستخدم لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، أو لتأجيج النزاعات أو لتقويض التنمية. ثمة من يقول إن معاهدة تجارة الأسلحة لن تؤتي ثمارها: فالدول الرئيسية المنتجة للسلاح في العالم لن توقع عليها، أو أنها لن تحدث فرقاً كبيراً على الصعيد العالمي في كل الأحوال. بيد أن تجربة معاهدة الألغام الأرضية تكذِّب هذه الحجج، فدول عدة من القوى العسكرية الكبرى لم تصدق على معاهدة أوتاوا بعد، ومع ذلك فقد أنقذت المعاهدة آلاف الأرواح على مدار سنوات العقد الماضي. ويوازي ذلك أهمية ما أحدثته من تغيير في سلوك كل حكومة من الحكومات. فقلة قليلة من الدول فقط تتاجر حالياً على نحو علني بالألغام الأرضية كما كانت تفعل قبل أن تدخل المعاهدة حيز التنفيذ. وفي جمهورية الكونغو الديموقراطية، أدى النزاع إلى مصرع ما يقدر بنحو ثلاثة ملايين من البشر منذ 1998. وهناك، تقوم الأممالمتحدة بعمليات منتظمة لجمع الأسلحة، حيث تبين لها أن ما جمعته من أسلحة مصنّع في دول تنتشر في طول الكرة الأرضية وعرضها. فقد عثر على كميات من الأسلحة في أيدي الجماعات المتمردة من صنع بلجيكا والصين ومصر وألمانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة. إن التجارة المنفلتة بالأسلحة مشكلة كونية. وكل حكومة تصنَع الأسلحة أو تبيعها أو تتولى نقلها متورطة في الأمر. وقد لا ترى هذه الحكومات حجم الدمار الذي تلحقه مبيعاتها من الأسلحة بالعالم، ولكن يتعين علينا أن لا نغمض عيوننا عن ذلك، فالسكان المدنيون في مناطق النزاع - ولا سيما النساء والأطفال - يصرخون بأعلى صوتهم من أجل حل كوني لهذه المشكلة الكونية. * الرئيسة السابقة لجمهورية ايرلندا والمفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان والرئيسة الفخرية ل "اوكسفام انترناشونال"