كان حقاً طبيعياً لسمير جعجع أن يردّ سلباً على كلام السيد حسن نصر الله، فهذه ممارسة مشروعة في التعبير عن حرية الرأي حيث الاختلاف والتوافق والتحالف والافتراق والمديح والانتقاد أجزاء من صلب اللعبة الديموقراطية. ولكن استحضار الماضي ما قبل الطائف أمر غير مستحبّ ومرفوض لما قد يسبّب ذلك من استحضار أيضاً لحساسيات وحزازيات وعصبيات أردنا جميعاً أن ننساها لا بل أن نسلخها كلياً من ذاكرتنا مع الإبقاء على العبرة الأساسية وربما الوحيدة من تلك الحرب القذرة، وهي أن لبنان لا يقوم إلا على وحدة وطنية بين مختلف شرائح شعبه وطوائفه وان أي حرب أهلية لن تجلب سوى الخراب والدمار والخسارة للجميع من دون استثناء. ما قبل الطائف، هي حقبة مثيرة للجدل يستحسن عدم ذكرها أو التطرّق اليها أو النقاش فيها، ومن الأفضل ألا نأتي على تعظيم رموزها وتكريم شهدائها ضمن مهرجانات أو خطابات سياسية، وأن نكتفي عند الضرورة"القصوى"بإحياء ذكراهم بصمت وهدوء بعيداً تماماً عن المشهد السياسي، فالكتائب والأحرار والقوات اللبنانية وبشير الجميّل وكميل شمعون وغيرهم كانوا أبطالاً ومقاومين لبنانيين وأحراراً بنظر شريحة كبيرة من اللبنانيين، ولكنهم كانوا أيضاً مجرمين وانعزاليين وعملاء بنظر شريحة أخرى كبيرة من الشعب اللبناني، وكذلك الأمر بالنسبة الى الاشتراكيين وپ"المرابطون"والقوميين وكمال جنبلاط وابراهيم قليلات وغيرهم الذين كانوا عروبيين وقوميين ووطنيين في نظر شريحة كبيرة من اللبنانيين، وفي الوقت نفسه كانوا خونة ومرتزقة ومرتهنين في نظر شريحة أخرى من هذا الشعب اللبناني، وبالتالي كانت كل الحروب والمواجهات بين الفرقاء محطّ دفاع عن مواقف ومبادئ وإيديولوجيات وقيم مختلفة لم يخف أحد من الفرقاء تمسكه القوي بها حتى وإن أقرّ لاحقاً بخطأ اللجوء الى الحلّ العسكري كخيار لحسم الخلاف السياسي. يفترض أن يبقى تكريم"شهداء الوطن"لمرحلة ما قبل الطائف تكريماً عاماً لكل من سقط دفاعاً عن لبنان ووحدته وحريته، بغض النظر عن القناعات والرؤيا التي كان يقاتل على أساسها. ولكن يجب أن نبتعد عن التظاهرات الشعبية لتكريم أو لإحياء ذكرى شهداء طرف سياسي محدد سقطوا في بيروتالشرقية أو بيروت الغربية، في صيدا أو في الجبل، في زحلة أو في طرابلس، في الشياح أو في عين الرمانة، لأن كل هؤلاء سقطوا وبشكل أساسي في مواجهة شركائهم في الوطن على رغم تواجد قوى غير لبنانية في ساحة المعركة آنذاك، فمثلاً مهرجانات التكريم العلنية لكل من سقط من القوات اللبنانية أو من الاشتراكيين في الجبل، أو من الكتائب أو من"المرابطون"في بيروت أو من أطراف أخرى، ستكون محط استياء كبير وخيبة أمل لدى ذوي الضحايا والشهداء من هذا الطرف أو ذاك، باستثناء من سقط في الدفاع عن لبنان في وجه العدو الإسرائيلي. لذا فإنه لمن الحكمة والصواب أن نبتعد عن كل ما يمكن أن يستثير ويستفز أحاسيس ونعرات من الماضي، وأن نستحضر فقط كل ما من شأنه أن يعزّز ويقوّي الوحدة الوطنية التي نحن بحاجة لها الآن أكثر من أي وقت مضى. أيمن شحادة - بريد الكتروني