زال حكم الدولة المركزية عن الصومال منذ 1991. واعتاد المجتمع الدولي على شيوع فوضى أمراء الحرب في هذا البلد. وفي حزيران يونيو الماضي، سيطرت المحاكم الإسلامية، وهي تنظيم مسلح، على العاصمة مقديشو ومعظم الاراضي الصومالية. وتخشى دول الجوار الصومالي، وخصوصاً إثيوبيا، من نشوء دولة إسلامية على تخومها. وبعد سقوط نظام الرئيس سياد بري، نشأ نوع من المحاكم الشرعية بالصومال لفرض النظام وعن طريق التزام الشرع الإسلامي. وجمعت المحاكم في صفوفها رجال الأعمال إلى قادة دينيين وزعماء تقليديين، بحسب منظمة"انترناشينول كرايزيس غروب". وساندت بعض الميليشيات المسلحة هذه المحاكم، وسهرت على أمنها. وفي 1998 ظهر نوع جديد من المحاكم بالصومال. وعلى خلاف المحاكم التقليدية، مالت"المحاكم"الجديدة إلى التشدد، وجمعت بين الإسلام الاصولي السياسي ومعاداة أعداء خارجيين، ومن بينهم أثيوبيا وحليفتها الولاياتالمتحدة. وكان حسن عويس، وهو ضابط سابق ترأس حركة الاتحاد الاسلامي العنيفة، سباقاً الى"تحديث"المحاكم الشرعية، والقيام بأعمال إرهابية، وإيواء"أجانب". وتتهم أثيوبيا عويس بالوقوف وراء هجمات إرهابية على أراضيها، في حين تتهمه الولاياتالمتحدة بمساعدة منفذي الهجمات الانتحارية على السفارتين الأميركيتين بتنزانيا وكينيا في 1998. والحق أن معظم المحاكم الشرعية الصومالية تمسكت بالاسلام التقليدي وأحكامه، ولم تتبن الإسلام الاصولي الجهادي. ولكن الحياة السياسية بالصومال لا تقتصر على السياسة والمعتقد الديني. فمعظم المحاكم الشرعية ترتبط بالقبائل، وهي أساس المجتمع الصومالي. ويحكم الولاء قبيلة الولاء محاكم الشرعية"التقليدية"، أو المحاكم الشرعية الاصولية. والصومال، اليوم، منقسم بين تيارين. ويميل الاول الى إثيوبيا وحكومة بيداوة الانتقالية، أي الى قبيلتي أبغال ومجرتين، والثاني الى المحاكم الشرعية الاصولية، أي إلى قبيلة حبر جدير. ويتنازع المعسكران مكاسب سياسية ومصالح اقتصادية. ولا شك في أن التدخل الاجنبي أسهم في ما آلت إليه الامور بالصومال. ففي مطلع العام الجاري،"رعت"الولاياتالمتحدة جماعة من المقاتلين الساعين الى السلام ومحاربة الارهاب. وتوسلت المحاكم الشرعية الاصولية بالرعاية الاميركية الى رص صفوف الصوماليين واصطفافهم حولها لمحاربة التدخل الأجنبي. وسرعان ما سيطرت هذه المحاكم على الصومال بعد بدء القتال في الاشهر الماضية. ولا قرائن على أن الاصولية الجهادية قابلة للحياة بالصومال. فالصوماليون استقبلوا بفتور تشدد الاصوليين واغلاقهم صالات السينما. وأما القبائل المتشددة، فتدعو الى توحد الداخل الصومالي ضد اثيوبيا والقوات الدولية. وعلى رغم نفيها الخبر، أرسلت اثيوبيا جنوداً لحماية الحكومة الانتقالية ببيداوة. ويسعى حسن عويس وأتباعه الى إنشاء"بلاد الصومال الكبرى"، وضم محافظة أوغادين الاثيوبية الى الصومال. ويعرقل تورط إثيوبيا في الصومال إرسال قوات فصل اقليمية الى هذا البلد. عن بيار برييه ، "لوفيغارو" الفرنسية، 6 / 10 / 2006