بسرعة منقطعة النظير انزلقت الاوضاع الفلسطينية نحو الاقتتال الداخلي، وتم تجاوز الخط الاحمر، مما ينذر بتداعيات خطيرة ستلحق افدح الاضرار بالقضية الفلسطينية. والسؤال الذي يطرح نفسه: من المسؤول عن هذا التدهور؟ وكيف يمكن وقفه؟ هل المسؤول هو الرئيس بصفته صاحب السلطة العليا؟ أم الحكومة بصفتها صاحبة معظم السلطة التنفيذية؟ أم كلاهما؟ أم الشعب الذي في معظمه صامت لا يحرك ساكناً؟ هل"فتح"هي المسؤولة لإنها لم تستوعب حتى الآن خسارتها في الانتخابات؟ أم"حماس"لأنها ارادت ان تقود الحكم منفردة، وعبر برنامج المعارضة وبصرف النظر عن الحقائق والنتائج؟ ام ان"فتح"و"حماس"مسؤولتان بسبب حالة الاستقطاب والفصائلية التي فرضتاها على العمل السياسي الفلسطيني في هذه المرحلة، التي يبدو ان التعددية والتنوع والمنافسة ستكون ضحيتها الاولى اذا لم يتم انقاذ الوضع قبل فوات الأوان؟ هل الاحتلال هو المسؤول،؟ والتحالف الاميركي - الاسرائيلي الذي فرض الحصار المالي والعزلة الدولية على الفلسطينيين بحجة ان الحكومة لم توافق على الشروط الدولية؟ أم ان الاحتلال احتلال ولا يمكن توقع شيئا آخر منه؟ هل المسؤول افراد الاجهزة الامنية الذين نزلوا الى الشوارع واغلقوها ومنعوا التحرك، في مخالفة للقانون الذي يحظر على افراد الاجهزة التظاهر، فكيف بالاحتجاج باللباس الرسمي وحمل الاسلحة واطلاقها في الوقت الذي يعاني من يطلق النار من الجوع؟ أم أن المسؤول هو وزير الداخلية الذي لم يفرق بين كونه وزيراً للداخلية، و كونه عضواً قيادياً في"حماس"، واصدر اوامره للقوة التنفيذية بقمع المحتجين واعادة النظام العام مهما كان الثمن؟ ام ان المسؤول هو انسداد آفاق الاتفاق الوطني؟ أم الحرب الاعلامية والتحريض المتبادل الذي استخدمت فيه كل عبارات الشجب والتنديد، بحيث اصبحت كلمات، مثل المتصهينين والمؤامرة والكفار والحثالة والانجاس، هي الكلمات المستخدمة في الحوار الدائر؟ فالكلمة تكون أحياناً ،عندما تأتي جارحة وفي غير مكانها، اخطر من الرصاصة؟ النتيجة من كل ذلك ان الرواتب اصبحت هي القضية وبدلاً من حلها تعقدت اكثر، اما الاحتلال والاستيطان والجدار وتهويد القدس والعدوان العسكري بكل اشكاله فأصبح في الخلف رغم ان حكومة اولمرت اعطت التعليمات لجيش الاحتلال للاستعداد لاقتحام غزة حتى لا تتحول الى جنوبلبنان. ولم تنفع مناشدات الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء اسماعيل هنية بإيقاف النزيف، بل انتقل حريق غزة بسرعة الى الضفة، ف"فتح"تريد ان ترسل رسالة ل"حماس"بأن ما تفعله قوتها التنفيذية في غزة سترد عليه"كتائب الأقصى"في الضفة. لقد ظهر من الاعتداء على مقر رئاسة الوزراء على مرأى ومسمع افراد الشرطة والاجهزة الامنية، وكأن مجلس الوزراء ملك لحكومة"حماس"، وليس ملكاً للشعب ورمزاً للسيادة الفلسطينية. بعد أن عجزت الفصائل، على الشعب ان يتحرك. على الاكثرية الصامتة ان تتحرك وتعيد الامور الى نصابها، وتضغط باتجاه الاخذ بأحد الخيارات الثلاثة التالية وبالترتيب: 1- تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك بها الفصائل والكفاءات الوطنية، على اساس وثيقة الأسرى والمحددات السياسية التي اتفقت عليها"فتح"و"حماس"ثم تراجعت عنها"حماس"ولم تعد فتح متحمسة لها. 2- تشكيل حكومة كفاءات وطنية من المستقلين، لا تشارك فيها الفصائل، ولكن تلتزم بتوفير الحماية لها، وتكون مهمتها خدماتية ادارية، على ان تكون المهمات السياسية من اختصاص منظمة التحرير، التي من المفترض ان يتم تفعيلها واعادة تشكيل المجلس الوطني على أسس ديموقراطية. 3- الدعوة الى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة اذا فشل الاتفاق على اي من الخيارين السابقين، على ان تقوم بالتحضير لها حكومة ترأسها شخصية وطنية مستقلة متفق عليها. لا يوجد خيار او بديل عن الخيارات السابقة، وكلها خيارات يجب الاتفاق عليها، لأن عدم الاتفاق يؤدي الى الصدام، واذا حدث - لا سمح الله - ستعود القضية الفلسطينية عشرات السنين الى الوراء. لا يوجد حسم عسكري للخلافات الداخلية، ولا يوجد منتصر في الحرب الفلسطينية، بسبب وجود عدو مشترك يستهدف الجميع، وبسبب تعادل القوى، وحرص اسرائيل واطراف مختلفة على اذكاء الصراع الداخلي. ف"المنتصر"في الحرب الاهلية اذا كان هناك منتصر سيكون مثخناً بالجراح، وسيكون ذليلاً امام الاحتلال الذي يستطيع ان يفرض عليه شروطه واملاءاته! * محلل سياسي فلسطيني