انتهت ادارة بوش الى مفترق قانوني في مسألة التنصت والمراقبة. فهل توسع صلاحيات وكالة الأمن القومي القانونية في مطاردة الإرهابيين المحتملين؟ أم تتمسك بموقفها، وتسند صلاحيات هذه الوكالة الى اجتهاد فضفاض في مسألة السلطات الرئاسية؟ وعندما تسرب خبر تنصت الوكالة من دون إذن قضائي، تشبث البيت الأبيض بموقفه. وفي وسع محامي الإدارة الأميركية وضباط الاستخبارات تليين الموقف الصارم هذا خفية. فشرط الاحتفاظ ببرنامج المراقبة والتنصت هو الاستناد الى أسس قانونية وسياسية، على ما يدرك هؤلاء. ورحب الرئيس الأميركي بوش بتحقيق الكونغرس في أرجحية السلطة التي تخوله الاشراف على برنامج وكالة الأمن القومي، وقال انه"في مصلحة الديموقراطية". ويتناقض هذا الموقف الجديد مع الموقف الأولي للبيت الأبيض. فيومها طلب البيت الأبيض فتح تحقيق في هوية مسرب المعلومات الى صحيفة"النيويورك تايمز". والتحدي القانوني يقتضي إما تعديل قانون مراقبة الاستخبارات الاجنبية الصادر في 1978، وأنشئت بموجبه محكمة خاصة لها صلاحية إجازة طلبات المراقبة، أو الحصول على أمر قضائي يجيز للمحكمة تسويغ برنامج وكالة الأمن القومي. وظهرت طلائع لجوء الإدارة الى هذا المخرج، والتفويض القانوني الأوضح. وأمضى الجنرال مايكل ف. هايدن ساعات ليطلع المحكمة على تفاصيل البرنامج، بحسب تقرير بثته"فوكس نيوز". وشكك المحامون وضباط الاستخبارات الذين علموا ببرنامج الوكالة الشديد السرية، في قدرة منطقه القانوني الضعيف على حمايته من الانهيار، على رغم يقين الإدارة بأنه يستقي قوته من قانون 2001 الذي أجاز استخدام القوة العسكرية في أفغانستان. وأكد المدعي العام، ألبرتو غونزاليس، في 19 كانون الأول ديسمبر ان البيت الأبيض تشاور و"بعض أعضاء الكونغرس"في تعديل قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية من غير ضجيج، وطلب صلاحية المراقبة،"وقد نبهونا الى صعوبة ذلك، إن لم نقل الى استحالته"، على قول غونزاليس. ويعتبر الخبراء أن العلة في القانون مصدرها سنّه ليتلاءم مع عالم مختلف، وتستعمل فيه تقنيات اتصالات مختلفة، ويفرض خصوماً من نوع آخر. فعدو 1978 كان الاتحاد السوفياتي، الثابت والشرس. ووقتذاك كانت الاتصالات العالمية تجري بواسطة الأقمار الاصطناعية، واستطاعت محطات"ذات آذان كبيرة"في شبكة وكالة الأمن القومي التنصت على موجات الإرسال. ولم تكن الرسائل الالكترونية معروفة، مثلها مثل شبكة أسلاك الألياف البصرية التي تصل العالم بعضه ببعض اليوم. وعدو أميركا، اليوم، هو"القاعدة". وهذه لا يكف عملاؤها عن التنقل، ويحملون الهواتف ويتحادثون بالبريد الالكتروني. وطرأ على البنية التحتية للاتصالات تغير جوهري: فمعظم الاتصالات العالمية يمر بوصلات في الولاياتالمتحدة. وهذا نعمة نزلت على وكالة الأمن القومي، وتساعدها على مراقبة الأعداء المحتملين. ومن جهة أخرى، يصعب، في عالم اليوم، التفريق بين"الأجنبي"وپ"المحلي"، وبين ما هو"في الداخل"، من وجهة النظر التقنية، وما ليس بالضرورة"على أرض"الولاياتالمتحدة. وعلى هذا، يقتضي إدخال برنامج الوكالة تحت القانون، نظر الكونغرس والمحاكم ملياً فيما يعرف، في لغة الإشارات الاستخباراتية، بالپ"ميتا داتا"، أي الإشارات التي تلتقط المعلومات الأساسية في المكالمة، - الساعة والتاريخ، والمتصل والمتصل به - من غير فضح فحوى الحديث. وبحسب تقرير"التايمز"وتقارير أخرى، هذه المعلومات من صلب برنامج الوكالة الجديد. ولجأت الوكالة الى مناهج حسابية معقدة لتحليل أنماط الاتصالات تمكنها من انتخاب الأشخاص الذين يحتمل ارتباطهم ب"القاعدة"، تمهيداً لاستهداف اتصالات الشبكة، بموجب قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية أو غيره. ولطالما كان التجاذب بين الحريات الدستورية والأمن القومي في وقت الحرب من الموضوعات القديمة الجديدة في التاريخ الأميركي. ويقدم البلد اليوم على فتح صفحة جديدة في ذاك الجدل. والتحدي هو ما كان عليه دوماً: استخدام أدوات تعزز الأمن من غير أن تنتقص من الحريات على نحو متعسف. عن ديفيد إيغناسيوس، "واشنطن بوست" الأميركية، 13/1/2006