في حوارات تلفزيونية أجرتها هالة سرحان، وبثتها قناة"روتانا"حول الدراما التلفزيونية المصرية، وما تعيشه من أزمات هذه الأيام، استمعنا إلى آراء حملت الكثير من الجرأة والشجاعة في تشخيص الحالة، ومحاولة رؤية آفاق الحل لاستعادة حيوية تلك الدراما ذات التاريخ العريق والطويل، والتي تجد نفسها اليوم تائهة تبحث عن موضوعات جديدة وذات صلة حقيقية بالمشاهدين وهموم أيامهم وما يعانونه من مشكلات وأزمات حياتية، لا يجوز أن تغيب عن الشاشة الصغيرة. أزمة الدراما التلفزيونية المصرية لا تكمن في نقص الخبرات والكفايات التي تصنعها، سواء كانت هذه الكفاءات تتعلق بالممثلين المحترفين، أم حتى بالمخرجين الذين يتولون تحويل النصوص إلى أعمال مرئية، ولا في ما يتبع ذلك من فنون مكمّلة أخرى، فالساحة الفنية المصرية تعج بالممثلين الموهوبين، وحتى أصحاب الرصيد الكبير عند المشاهدين، لكن الأزمة مع ذلك تظل موجودة، بل هي تتفاقم سنة بعد أخرى حتى باتت باعتراف أهل البيت في حاجة ماسة لمعالجات جدية وجذرية. من يتابع نتاجات الدراما المصرية هذه الأيام، يلحظ أن أزمتها تقع في أكثر من نقطة رئيسة، لعل أهمها استمرار عملية الإنتاج بمفاهيم مغلوطة وعاجزة عن الارتقاء إلى مستوى الإبداع، ففي سياق حوارات هالة سرحان يقف المشاهد على معلومات على درجة عالية من الخطورة، خصوصاً لجهة سيطرة الإعلانات وتحكمها في نوعية ما يتم إنتاجه ومضمونه، وفي سياق ينصب أساساً على تفاصيل العمل الدرامي على قامة هذا النجم أو ذاك، من دون الاحتكام الى الضرورات الدرامية ومنطقها. فأن تستعين الدراما التلفزيونية بنجوم من السينما المصرية، أمر مشروع وعادي، أما أن تعلن نجمة سينمائية أنها ستقابل في ساعة معينة، كتاب الدراما ليعرضوا عليها اقتراحاتهم عن مسلسلها المقبل، فذلك يعني بالضرورة تحويل الدراما التلفزيونية برمتها إلى مجرد ذريعة لتسويق صورة النجم دون التوقف عند أي مسائل أخرى. ثمة في تلك الحوارات من تحدث بجرأة وصراحة عن ضعف المخيلة في غالبية الأعمال المنتجة، وهذه في تقديرنا لا تنفصل إطلاقاً عن الكيفيات التجارية ذات مفاهيم الربح التجاري السريع، فمعظم الأعمال المصرية بات في السنوات الأخيرة يجرى في بيئة درامية شبه موحّدة، ويتحدث من تلك البيئة بالذات، عن مشكلات أصحاب الشركات التجارية، وفي سياق صراع بين الخير والشر صار تقليدياً ولا يلامس جوهر ما يجرى على الأرض من تشابكات وتعقيدات اجتماعية لا يمكن تبسيطها في صورة درامية باتت ساذجة ولا تقنع أحداً على الإطلاق، خصوصاً وأن المشاهد العادي لا يرى على الشاشة الصغيرة حياته أو حياة جيرانه بقدر ما يرى صور ومشاهد"القرية السياحية"الفاخرة، والمنزل الفخم الذي هو دائماً من تلك المنازل ذات الدرج الداخلي الذي يؤكد انتساب أصحابه إلى فئات أصحاب الثروات الكبرى. تحتاج الدراما المصرية اليوم الى أن تستعين بإبداع الروائيين المصريين وهم في معظمهم من أصحاب المخيلات الخصبة والفكر المستنير، والمنتمين حقاً إلى مجتمعهم. الروائيون المصريون، أو بالأدق أعمالهم الروائية قد تنقذ جانباً من أزمة النصوص التي بات يكتبها على عجل كتاب المخيلات الضيقة والربح السريع. ثم أن هذه الدراما تحتاج إلى وقفة جدية أمام أساليب الإنتاج من أجل استعادة زمام المبادرة من أيدي المقاولين والتجار، فمن هذه النقطة بالذات يمكن الانطلاق من بداية حقيقية لفضاء درامي أرحب.