لم يهدأ النقاش حول «ذاكرة الجسد»، الدراما التي حققها المخرج نجدة أنزور عن رواية الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، وهو بالطبع نقاش صحي ومتوقع. الملاحظ أن قسطاً وافراً من آراء النقاد تناول نقطة واحدة هي الفوارق بين الرواية والعمل التلفزيوني، فانتصر بعضهم للأولى، فيما تحمّس آخرون لما تابعوه بصرياً على الشاشة الصغيرة. مع ذلك، فبديهية الدراما التلفزيونية أنها شيء آخر غير الرواية وإن نهضت عليها: هنا نحن أمام حدقة العدسة التلفزيونية وعلاقتها بمخيلة المخرج، والتي نعرف جميعاً أنها مختلفة وبعيدة من مخيلة الكاتب الروائي التي تنفتح على مدى لا محدود، يستدرج مخيلة المشاهدين ليشكّلوا ما شاءت لهم مخيلاتهم صور الأبطال، وحتى كيفيات وقوع الأحداث، وصور الأمكنة. هل نجح نجدة أنزور وفريق عمله في تقديم دراما تلفزيونية جميلة وتستحق المتابعة؟ أعتقد أن هذا السؤال هو الأهم، والأجدر بالحضور نقدياً، لأن من أحب الرواية سيظل قادراً على العودة إليها وتشكيلها بصرياً في مخيلته. هنا بالذات ينصبّ حديث النقد على الإعداد التلفزيوني للرواية، والذي قامت به الكاتبة ريم حنا، فهناك من يتهمها بالخروج عن «أمانة» التحقيق التلفزيوني بإضافات لم تكن في الرواية كما نعرف. أعتقد أن ما فعلته كاتبة السيناريو جاء بمثابة تنقيط جميل ومهم، على سردية روائية كان يمكن ألا تتعدى قصة حب رومانسية وصلت إلى طريق مسدود، فأسعفتها «الخطوط الدرامية الجديدة» بما مكّنها من تنفس هواء الحياة، والتعبير عن واقع الحال في جزائر اليوم. يبقى بعد ذلك أن نشير إلى حيوية الإخراج التلفزيوني الذي قدمه نجدة أنزور. فمع أنني لم أكن من المعجبين إطلاقاً بنهجه الفانتازي السابق، في «ذاكرة الجسد»، نجح أنزور في توظيف مخيلته البصرية الغزيرة والموهوبة في تقديم عمل تلفزيوني جميل وبلغة سينمائية عالية، على رغم ما قيل من رتابة نعتقد أنها إبنة لتقنية الاسترجاع التي نهضت عليها الرواية، والتي لم تكن موجودة في تلك «الإضافات»، التي كتبتها ريم حنا، وكانت سرديات واقعية ومتحركة. ذلك كلّه من دون أن نغفل بالطبع الإشارة الى الأداء المتوهج للنجم جمال سليمان الذي أمتعنا ودفعنا لمتابعته وتأمّله.