في كتابها الذي يحمل عنوان"في ظل نفسي"، تروي النجمة السينمائية كاترين دونوف ذكرياتها خلال أربعين سنة من العيش في عالم الأضواء. اللافت أن دونوف لم تسجل ذكرياتها إلا عندما سافرت إلى الخارج لتشارك في أفلام أجنبية أو فرنسية صوّرت في بلاد بعيدة من وطنها. ولا تتضمن هذه الدفاتر كلمة واحدة في شأن أفلامها المصورة في فرنسا بإستثناء واحد فقط. تبدأ الفنانة كتابها بالذكريات التي دونتها في نهاية فترة الستينات حينما سافرت إلى هوليوود للمرة الأولى، وذلك من أجل المشاركة في فيلم أميركي يحمل عنوان"كذبة أبريل"مع الممثل الراحل الآن جاك ليمون. وتقول دونوف إنها لم تكن ترغب في خوض هذه التجربة في ذلك الحين لسبب رئيسي واحد، هو رحيل أختها الكبيرة، الممثلة فرانسواز دورلياك، قبل أشهر قليلة في حادث سير سيارة مروع. وتؤكد أنها شخصياً لم تخرج بعد من الأزمة النفسية التي إنتابتها إثر هذه المأساة، حتى أنها فكرت جدياً في إعتزال التمثيل ومزاولة مهنة أخرى مثل السكرتارية أو إدارة الأعمال والعلاقات العامة، وذلك لأن كيانها كممثلة خضع منذ اليوم الأول لمراقبة الأخت الكبيرة. فلم تقبل الظهور في عمل من دون أن تكون قد حصلت مسبقاً على موافقة فرانسواز. وأكثر من ذلك، كانت الأخيرة ترافق شقيقتها إلى الاستديو، وتسدي إليها النصائح العملية قبل بدء التصوير. كما كانت تحرسها من الرجال ممثلين وتقنيين وغيرهم ممن ينظرون إلى الفنانة الناشئة على أنها فريسة سهلة قابلة للوقوع في حبالهم. وإذا كانت كاترين دونوف استمرت في عملها الفني ووافقت في النهاية على العمل في الولاياتالمتحدة الأميركية، فيعود الفضل إلى مديرة أعمالها في ذلك الحين التي أحاطتها برعايتها وبذلت قصارى جهدها لتحل بطريقة ما مكان الأخت الراحلة. وهي التي رأت أن التجربة الهوليوودية جاءت فعلاً في الوقت المناسب لإنقاذ كاترين من نفسها ومن حزنها، وساعدتها في التغلب على مخاوفها، شرط أن تهتم بها الشركة المنتجة في أميركا وتتولى إحاطتها بكل ما قد تحتاج إليه طوال فترة إقامتها هناك. ولم يتم التوقيع بين وكيلة الأعمال والشركة المنتجة، إلا بعدما نص العقد على التفاصيل الصغيرة والكبيرة. وركبت كاترين دونوف الطائرة لتكتشف عاصمة السينما العالمية وتعمل إلى جوار أحد عمالقتها، جاك ليمون. وتسرد دونوف تفاصيل تجربتها الأميركية، فيلمس القارئ أنها عاشتها في شكل متقلب إلى حد ما: سعيدة لأنها تعلمت في شهرين إلى جوار جاك ليمون أكثر مما تعلمته في خلال عشرين سنة في فرنسا،"بفضل الروح المهنية المتفوقة والفريدة من نوعها المتوافرة في هوليوود والتي يصعب اختبارها في أي مكان آخر من العالم، مهما كثرت مواهبه. ولكنها من ناحية ثانية، وعلى على رغم تولي الشركة المنتجة رعايتها الكلية، لم تستطع التغلّب على شعور بالوحدة الذي انتابها، خصوصاً في الليل عقب إنتهاء يوم التصوير وبعد أن يكون سائقها الخصوصي قد أعادها إلى الفندق الفخم حيث أقامت. وتروي دونوف كيف أن الأميركيين قادرون على إحاطة الشخص بكل الحنان، حينما يدخل الأمر في إطار يوم العمل. ثم يتركونه وحيداً في المساء،"وكأنهم لا يعرفونه بالمرة". انزعجت كاترين من غلبة الروح المهنية لدى الأميركيين على العلاقة الإنسانية وهذا ما ضايقها وخلق لديها الشعور بالوحدة، فقضت وقتها في تدوين تفاصيل ما كان يحدث معها في كل يوم. عادت كاترين دونوف إلى فرنسا مضطربة ومصابة بعقدة ذنب تجاه كونها نجحت في التغلب على مخاوفها وفي إنجاز عملها الفني مندون الحاجة إلى أختها، بعيداً من الحزن المرتبط بفقدانها. في الوقت نفسه أدركت أنها لم تعد في حاجة إلى التفكير في إعتزال الفن، خصوصاً بعدما اعترفت هوليوود رسمياً بممثلة أوروبية موهوبة تدعى كاترين دونوف.