يستدعي توجيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس أول من أمس في القاهرة شكاوى في اتجاهات عدة نقاشاً حول تلك الشكاوى التي يشكل مجموعها خلاصة للأزمة الحالية التي يواجهها الفلسطينيون، وهي أزمة تعقد وتؤخر امكانية استئناف مفاوضات السلام المتوقفة منذ زمن طويل بين الفلسطينيين واسرائيل. شكا عباس اولاً من حركة"حماس"التي حملها مسؤولية اندلاع العنف ابتداء من الانفجار في جباليا خلال عرض عسكري لها ثم اتهامها اسرائيل بالتسبب في الانفجار ثم اطلاقها صواريخ"القسام"من شمال قطاع غزة على بلدات اسرائيلية انتقاماً. واعتبر عباس ان رد فعل"حماس"الذي تمثل باطلاق الصواريخ ادى بالاسرائيليين الى القول انه"لا يوجد شريك لنا في عملية السلام"وان الحركة ما كان ينبغي ان تفعل ذلك كونها ملتزمة باتفاق القاهرة بين الفصائل والسلطة الفلسطينية على تهدئة حتى نهاية العام. واشتكى عباس ثانياً من اسرائيل التي قال ان اعمالها يمكن ان تدمر عملية السلام، وثالثاً من صمت الولاياتالمتحدة تجاه اعمال العنف الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية، مطالباً واشنطن بالقيام بدورها وواجبها في هذا المجال. ان الملاحظات التي تستحق ان تسجل تعقيباً على شكاوى الرئيس الفلسطيني هي: اولاً، ان اسرائيل لم تتفاوض مع الفلسطينيين في عهد الرئيس عباس على أي شيء باستثناء ما سمي تفاهمات شرم الشيخ في شباط فبراير 2005 ولم ينفذ الجانب الاسرائيلي أي شيء يستحق الذكر، خصوصاً على صعيد اطلاق الاسرى. ثانياً، ان مخاوف الفلسطينيين من غزة اولاً واخيراً لها ما يبررها لأن اعادة انتشار القوات الاسرائيلية خارج قطاع غزة لا تشكل انسحاباً"نظيفاً"لقوات الاحتلال من ذلك القطاع الذي يبقى محاصراً من الجو والبحر والبر ويقصف من هذه الحدود بالطيران والمدفعية. والاهم ان مغادرة المستوطنين اليهود والجنود الاسرائيليين القطاع جاءت في اطار خطة"فك الارتباط"الاسرائيلية الاحادية الجانب التي قال عنها اوثق مستشاري رئيس الوزراء الاسرائيلي دوف فايسغلاس انها تهدف الى منع قيام دولة فلسطينية مستقلة. ثم ان شارون يطلق الآن بالونات اختبار مفادها ان اسرائيل ستعمد الى اتخاذ خطوات احادية الجانب في الضفة الغربية هذه المرة لترسيم حدودها بما يخدم مصالحها. ولا تعني مسارعة شارون امس الى القول ان خريطة الطريق هي الخطة الوحيدة التي ستفاوض على تنفيذها انه سيفعل ذلك لأنه وضع شروطاً تعجيزية يطلب من الفلسطينيين تنفيذها قبل ان يتخذ اي خطوة من جانبه ولأنه اعلن سلفاً عدم قبوله بالتفاوض على ثلاث من اهم القضايا التي تسمى بين قضايا الوضع النهائي وهي القدس التي يعتبرها عاصمة ابدية موحدة لاسرائيل واليهود، والمستوطنات التي يريد ضم كتلها الضخمة مثل"معاليه ادوميم"و"ارييل"الى اسرائيل، اضافة الى اعلانه نية عدم الانسحاب من غور الاردن الذي يريده حدوداً شرقية لاسرائيل. وعلى صعيد العلاقات الداخلية الفلسطينية يمكن تسجيل ان المشكلة مع"حماس"بدأت بعد تنظيمها عرضاً عسكرياً لا لزوم له حدث خلاله انفجار ادى الى عواقب وخيمة ازدادت تفاقماً بعد اطلاق قذائف"قسام"على بلدات اسرائيلية فأعلنت اسرائيل انها ستمنع"حماس"من المشاركة في الانتخابات بقتل كبار قادتها واعتقال بعضهم الآخرين ومرشحي الحركة للانتخابات. وهكذا فإن الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقبلة لن يكون فيها سوى عدد محدود من المرشحين باسم"حماس"التي اغلقت سلطات الاحتلال ايضاً الجمعيات الخيرية المرتبطة بها. هكذا غيرت اسرائيل سلفاً أرضية الانتخابات الفلسطينية في ما يشكل تدخلاً فظاً بالقوة المسلحة في الحياة السياسية للفلسطينيين ضد حركة اعلن بعض كبار قادتها استعدادهم لتغيير ميثاقها والقبول بحل مرحلي على اساس دولتين، حسب خريطة الطريق. تبقى شكوى الرئيس عباس من صمت الولاياتالمتحدة التي اعلن انه سيلبي دعوة لزيارتها في العشرين من الشهر المقبل. وهذه شكوى الى القاضي الغريم.