تضم الصور المعروضة ضمن معرض"صور فوتوغرافية لمكة والمدينة: 1880-1947"في معهد العالم العربي في باريس مجموعة نادرة من أعمال أربعة حجاج مصورين جاءت من الارشيف الذي باتت تملكه مكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض. افتتح المعرض مساء الاثنين"لمناسبة اعلان الرياض عاصمة للثقافة الاسلامية"، بحسب ما اوضح المشرف العام على المكتبة فيصل بن عبدالرحمن بن معمر الذي حضر الافتتاح الى جانب رئيس المعهد إيف غينا. وأوضح المسؤول السعودي ان المعرض في فرنسا يعتبر"فرصة لاطلاع الاصدقاء على حضارتنا الاسلامية وليشهد على ان الاسلام دين محبة وتواصل مع الحضارات الاخرى"بعدما انقلبت فيه الصورة مع نمو المجموعات المتطرفة التي تتخذ الاسلام غطاء. وقال بن معمر إن بعض الصور نادر ولا تملكه إلا مكتبة الملك عبدالعزيز التي"تضم رصيداً ضخماً جداً من الصور المتعلقة بالحضارة الاسلامية، وبعضها يعرض للمرة الأولى". وتضم المكتبة ارشيفاً نادراً من ستة آلاف صورة قديمة للمملكة، اضافة الى خرائط ومخطوطات قيمة تم جمعها وصونها من التلف طوال العشرين عاماً المنصرمة. وأول المصورين الأربعة لمكة والمدينة المصري محمد صادق بيه 1832-1902 وهو أقدمهم وأكثرهم شهرة. حصل على دبلوم من باريس قبل ان يلتحق بصفوف الجيش المصري ويزور مكة ثلاث مرات. وقام صادق بيه بالتقاط صور لأهداف عسكرية واستراتيجية أولاً، كما وضع خرائط وكتابات هدفها تسهيل الطريق الى الحج. وبما ان مهمته كانت استطلاعية جغرافية فقد كان من بين معداته آلة تصوير استخدمها لتصوير مشاهد عامة للحجاز وخصوصاً مكة والمدينة ومشاهد هندسية لواجهات العمارات والأماكن المقدسة. وصدرت اعماله في أربعة كتب واستخدمت صوره في اعمال اخرى صدرت نهاية القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين. اما صور الهولندي كريستيان سنوك هيرغرونغ الذي اشهر إسلامه وحجَ الى مكة والمدينة وسكن فيها في اطار ابحاثه الاستشراقية حول العالم العربي والمسلم، فتميزت ببعدها الاثنوغرافي الخاص، اذ التقط صوراً شخصية للحجاج من كل انحاء العالم. واهتم الهولندي عبد الغفار بحسب اسمه المسلم على نحو خاص بتصوير الحجاج من اندونيسيا وحجاج جزر القمر وكانت تلك المناطق في حينه مستعمرات هولندية. ويعتبر عبد الغفار الأوروبي الاول الذي صور المواقع الدينية في الحجاز وهو صاحب صور شريف مكة وعائلته نهاية القرن الثامن عشر، كما وضع اضافة الى صوره كتابين عن مكة. المصور الهندي ميرزا كان اقل شهرة وعمل بين العامين 1900 و1904، واستخدم صور الحجاج لجذب المسلمين الهنود الى الاستديو الذي افتتحه في دلهي واخرج منه صوراً موثقة بعناية. وكان ميرزا يحمض صوره في دلهي ثم ينقلها الى مكة لبيعها للحجاج كذكرى. ومن بين الصور التي تحفظ له التقاطه لواجهات المعمار وباب عنبرية المؤدي الى الحرم الشريف والذي هدم عند تشييد سكة حديد خط الحجاز وكذلك صورة لمخيم الحجاج على جبل عرفات. احدث الأعمال الفوتوغرافية في هذه الصور القديمة هي تلك التي انجزها المهندس المصري محمد حلمي المولود عام 1890 والذي شغل مناصب عدة في وزارتي الاشغال والري في مصر. زار محمد حلمي مكة لأهداف تتعلق بالمهنة وشملت الفضاء الهندسي للمدينة ومحيطها، ما عكس الهندسة العثمانية والمشربيات. كان حلمي رائداً في مصر في استخدام أحدث التقنيات الفوتوغرافية في عشرينات القرن العشرين، وشارك عام 1951 في الحملة المصرية لإعادة ترميم أماكن في مكة والمدينة والتقط صوراً شخصية لحجاج من المغرب واليمن. وتعتبر الاعمال المقدمة في المعرض عموماً شهادة على مرحلة وأماكن وعادات خضعت لتغييرات جذرية اليوم، كما يكتسي المعرض أهمية خاصة من حيث قيمته التاريخية - الاتنوغرافية ومن الذاكرة البصرية التي يكونها، عبر أربع نظرات وحساسيات تلتقي لتختلف وتكتمل. وتبدو الصور المسحوبة بتقنية الجيلاتين على ورق الفضة ساحرة للغاية وهي تترك في الناظر اثراً جميلاً من ذلك الماضي. ويدخل هذا المعرض في اطار السلسلة التي يقدمها معهد العالم العربي من سنوات للصور القديمة لعدد من المدن العربية وهو يستمر لغاية 30 تشرين الاول اكتوبر.