على الغلاف الخلفي لكتابي الفوتوغرافي الموسوم ب «الخبر وما جاورها» كتبت النص التالي: «يقولون إن المرآة هي أعظم اختراع بشري حتى الآن، كونها أتاحت للإنسان لأول مرة أن يرى ملامح نفسه بنفسه، ويتعرف على هيئته وشكله دونما الاعتماد على وصف الآخرين له. وقياسا على ذلك يمكن القول إن اختراع آلة التصوير الفوتوغرافي، التي تعتمد في عملها على المرآة وما تعكسه من ضوء، لا يقل أهمية وعظمة. أليست هي التي تجسد الأحداث وتجمدها في لحظة زمنية معينة بكل أبطالها وظروفها ومواقعها من خلال صورة سيفنى أصحابها، وستنمحي مواقعها، وستتبدل ظروفها، لكنها ستظل وحدها الباقية والشاهدة على وطر مضى؟» والمعروف أن الإنسان سعى منذ أقدم العصور إلى حفظ صور حياته عبر الرسم على جدران الكهوف بالفحم وأوراق الشجر أو عبر تشكيلات من الشمع، واستمر كذلك حتى تمكن عالم البصريات العربي ابن الهيثم من تسجيل العديد من الملاحظات حول انتقال صورة مقلوبة لشجرة خارج زنزانته من بعد دخول الضوء من خلال ثقب في جدار السجن وسقوطه على الجدار المقابل. تلك الملاحظات التي دونها ابن الهيثم في كتابه «المناظر» أوصى بها الإيطالي «ليوناردو دافينشي» عام 1490. بعد ذلك واصل العلماء الطليان والفرنسيون والألمان والبريطانيون جهودهم المضنية ومحاولاتهم الدؤوبة حتى تمكنوا من صنع أولى آلات التصوير الحديثة في عام 1924 مجسدة في «كاميرا لايكا 35 مم» التي ابتكرها الألماني «أوسكار». أما أول صورة ملونة فالتقطت في عام 1861 بكاميرا بدائية على يد عالم الفيزياء الاسكتلندي «جيمس ماكسويل» بمساعدة مواطنه المصور «توماس سوتون». عربيا طبقا لمجلة العربي الكويتية التقطت أول صورة في الاسكندرية بحضور محمد علي باشا في نوفمبر من عام 1839، وصدر أول ملف مصور في عام 1844 على يد «جورج سكين كيث» وكان عن البتراء الاردنية. أما أول مصور أقام في القدس وفتح بها ستوديو في أوائل الخمسينيات من القرن 19 فقد كان «جيمس غراهام». أما في الجزيرة العربية فإن أولى مجموعاتها الفوتوغرافية هي تلك الخاصة بالحجاز في عام 1880، ويعود الفضل فيها للمهندس والضابط المصري «محمد صادق بيه» الذي التقطها أثناء رحلته الرسمية للحج في العام المذكور. و«صادق بيه» هذا كان ضمن أفراد بعثة الجيش الرابعة التي اختارها الكولونيل جان ساف، أحد قيادات جيش محمد علي باشا، للدراسة في معهد البوليتكنيك، حيث تخرج كمهندس حربي واتقن التصوير الفوتوغرافي. لكن إذا ما تحدثنا عن المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية فإن الفضل في الحفاظ على ذاكرتها الضوئية منذ بواكير نموها يعود إلى المصورين الغربيين ولاسيما مصوري شركة أرامكو. ستوديو الظهران ويوسف الخاجة يعد أول ستوديو تصوير في تاريخ المنطقة الشرقية هو «ستوديو الظهران» لصاحبه الفنان البحريني متعدد المواهب المرحوم يوسف قاسم الخاجة. ولهذا الاستوديو قصة يجب أن تروى للذين لم يعاصروا حقبة افتتاحه في أربعينيات القرن العشرين. كان الخاجة من أصحاب السبع صنايع، لكنه برز في صنعة التصوير التي أتقنها من خلال عمله في قسم الأشعة بمستشفى الارسالية الأمريكية بالمنامة. وحينما افتتح محلا للتصوير باسم «ستوديو أوال» بالقرب من باب البحرين نجح نجاحا باهرا لكنه بعد مضي عدة سنوات قرر إغلاقه تحت ضغط أحد التجار ممن كان موضع احترامه وهو التاجر «حسين يتيم» الذي أخذ عليه تصوير الفتيات. في هذه الأثناء كان يتردد عليه صديق دراسته في مدرسة الهداية الخليفة «سليمان صالح العليان» الذي كان يعمل آنذاك في شركة أرامكو وكان يزور دوما البحرين التي تعلم فيها منذ صغره بل وتوظف في شركتها النفطية (بابكو) لبعض الوقت قبل أن يغادرها إلى أرامكو ليصبح بعد حين من كبار الأثرياء. يقول الخاجة في مقابلة معه: إن العليان عرض عليه القدوم إلى الظهران لافتتاح محل للتصوير بالقرب من مقر شركة أرامكو، خصوصا وأن الأخيرة كانت وقتذاك بحاجة لمن يصور موظفيها وعمالها السعوديين من أجل استخراج بطاقات هوية لهم. ويضيف الخاجة قائلا: إن ظروف المعيشة كانت وقتذاك صعبة لكن الأعمال كانت كثيرة ومربحة، الأمر الذي دعاه إلى جلب العديد من أصدقائه البحرينيين للعمل معه، بل قام أيضا بافتتاح فروع لمحله في كل من الدماموالهفوف. لكنه أصيب بالإحباط لاحقا وقرر الرجوع إلى البحرين بعدما تعرض لمضايقات ممن كانوا يحرمون التصوير، حيث باع محليه في الظهرانوالدمام، وأهدى فرع الهفوف لأحد أصدقائه السعوديين. ستوديو زماني ثاني محلات التصوير في المنطقة الشرقية كان ذلك الذي افتتحه المصور الإيراني طيب الذكر محمد حبيب زماني (أبو علي) بالخبر في عام 1950 أو نحو ذلك في دكان على أطراف شارع الملك سعود، الذي كان حينذاك السوق التجاري الرئيسي والأبرز في المدينة، علما بأن زماني نقل محله لاحقا إلى الزقاق المطل على شارع التقاطع الثاني ضمن أزقة عمارة الدغيثر الضخمة المطلة على أربعة شوارع في وسط شارع الأمير (الملك) خالد، وظل به حتى تاريخ وفاته في عقد التسعينيات. ستوديو ومتجر العام ونظرا للإقبال الشديد على ستوديو زماني حاول آخرون منافسته دون نجاح. ففي أواسط الخمسينيات ظهر في الخبر «ستوديو ومتجر العام» لصاحبيه الأخوين محمود وعبدالكريم (كرم) بوخشم من عرب الساحل الشرقي للخليج وكان موقعه في عمارة الرحيمي القديمة بجانب مقهى الشجرة ومقهى كوكب الشرق في شارع الملك خالد. وفي وقت متزامن تقريبا ظهر «ستوديو الأهرام» لصاحبه عبدالله القائد وكان هو الآخر من عرب الساحل الفارسي للخليج العربي. وقد اتخذ القائد لمحله موقعا داخل أحد أزقة بناية الدغيثر المطلة على الضفة الشرقية لشارع الملك خالد، علما بأن هذا الزقاق كان يشغل معظم مساحته «مقهى بورسعيد» أول مقاهي الخبر الشعبية. ستوديو الأمراء و«الشرق»# وفي أواخر الخمسينيات قدم إلى الخبر من جدة شخص غزاوي (نسبة إلى قطاع غزة) يدعى «محمد حلمي فيصل». وهذا بدأ عمله في التصوير باستئجار محل صغير في بناية صدقة وسراج كعكي في مدخل شارع الملك خالد من ناحية الجنوب، وتحديدا بين مخزن السرور، ومتجر بقشان لبيع الأدوات الكهربائية (تحول لاحقا إلى متجر تلفزيونات أندريا لأحمد محمد زين العابدين ثم إلى متجر بن عيسى لبيع الأقمشة النسائية). وقد أطلق على محله اسم «ستوديو الأمراء» . غير أن محمد حلمي قرر بعد ثلاث أو أربع سنوات أن يغادر الخبر لسبب غير معروف، فباع محله لقريب له هو الغزاوي الطيب جعفر فيصل (أبو خالد) الذي كان قد حصل على الجنسية السعودية. ولأن الأخير كان موظفا آنذاك لدى شركة الغاز الأهلية، وبالتالي لم يكن متفرغا لإدارة «ستوديو الأمراء» فقد قرر أن يُدخل شريكا معه في ملكية الاستوديو، فوجد مبتغاه في شخص فلسطيني اسمه «أبو جهاد» الذي كانت لديه خبرة في التصوير وعمل الرتوش للصور الشخصية. لكن بعد فترة قصيرة نشب خلاف بين الشريكين، أدى إلى انفصال «أبو جهاد» وقيامه بافتتاح ستوديو آخر تحت اسم «ستوديو الشرق» في مواجهة «ستوديو الأمراء»، وتحديدا ما بين متجر كردي ومتجر البيت الأبيض للنظارات. ستوديو أكرم# وفي أواخر الخمسينيات أيضا قام شاب باكستاني يدعى أكرم بافتتاح محل تصوير في بناية السرور من الجهة التي تطل على شارع الأمير محمد ما بين التقاطعين الثاني والثالث. وتميز أكرم بقدرته الفائقة على الخدع التصويرية، ومنها دمج صور عملائه مع صور شخصيات سياسية أو سينمائية بحيث تبدو أن لقاء تم بين الطرفين فعلا. ستوديو العربي أما في عقد الستينيات فقد كانت الخبر على موعد مع ظهور محلين جديدين للتصوير، أولهما ستوديو العربي وكان صاحبه شابا ظريفا من عمان يدعى سعيد فكنا نسميه سعيد العماني. فتح سعيد محله ابتداء في دكان ضمن عمارة الكعكي المطلة على التقاطع ( أ ) وشارع الملك خالد، وتحديدا خلف متجر العلم الأخضر وفي مواجهة معرض سيارات الفولكس واغون الألمانية الذي صار لاحقا «متجر العاصمة». ستوديو عادل أما المحل الآخر الذي ظهر في عقد الستينيات فقد كان «ستوديوعادل» الذي سمي بهذا الاسم نسبة لصاحبه عادل فيصل وكان غزاويا يمت بصلة قرابة ونسب لصاحب «ستوديو الأمراء» جعفر فيصل. لكن عادل تخلى عن محله مقابل خلو قدم ضخم بسبب موقع المحل الاستراتيجي على الضفة الشرقية لشارع الملك خالد ضمن عمارة الدغيثر بالقرب من المتجر العام، وذلك في أواخر السبعينيات حينما اجتاحت الخبر حمى الاستحواذ على المحلات التجارية بسبب الطفرة النفطية وتداعياتها على حركة السوق وانتعاش الأعمال. الشركة العربية للتصوير وفي مطلع السبعينيات افتتح شخص من الأحساء من موظفي أرامكو الناجحين محلا جديدا للتصوير في الخبر اتخذ من عمارة الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني في الضفة الغربية لشارع الأمير ناصر مكانا. هذا الأستوديو، وكان موقعه تحديدا عند زاوية «الداعوس» المؤدي إلى «مطعم الزهور» الشعبي لصاحبه البحريني طيب الذكر المرحوم إبراهيم بن جاسم، كان معتمدا من قبل أرامكو لتصوير خرائطها وتكبير صورها الخاصة بأعمالها، لكنه كان إلى جانب ذلك يلتقط الصور الشخصية لمن أراد باتقان ودقة. بيت التلوين أما في أوج الطفرة النفطية في عقد السبعينيات فقد شهدت الخبر ظهور محل تصوير صغير في أحد الأزقة الفاصلة بين المحلات التجارية الواقعة ضمن عمارات السادة صدقة وسراج كعكي بشارع الملك خالد، قريبا من شارع الظهران تحت اسم «بيت التلوين» الذي كان ثمرة شراكة ما بين «سالم الجوهي» وشخص باكستاني اسمه أمانت خان كان يعمل من قبل لدى التاجر عبدالعزيز الصغّير. كان بيت التلوين متخصصا عند افتتاحه باستلام بكرات وشرائح الصور الملونة من العملاء، ولاسيما الأجانب، لإرسالها إلى بريطانيا من أجل التحميض والطبع لأنه حتى تلك الفترة لم تكن مكائن طباعة الافلام الملونة قد انتشرت بكثرة، وكان الجل الأعظم من الصور المتداولة أو الملتقطة باللونين الأبيض والأسود. ستوديو سمير وفي الثمانينيات تم افتتاح محل تصوير ضخم على الضفة الغربية لشارع الأمير محمد ما بين شارع الظهران والتقاطع ( أ ) تحت اسم «ستوديو سمير»، علما بأن ستوديو سمير تأسس في عام 1953 كمؤسسة فردية قبل أن يتحول بدءا من عام 1984 إلى شركة خاصة ذات مسؤولية محدودة تحت الاسم التجاري «سمير لمعدات التصوير المحدودة»، وقبل أن يتمدد من المنطقة الغربية إلى المنطقة الشرقية. وقد تميز هذا المحل باتساعه ومزاولة التصوير بالألوان وبيع كل ما يتعلق بالتصوير. ونختتم بالقول بأن القاسم المشترك بين المصورين الذين عملوا في الخبر قديما هو اصرارهم على أن يلتقطوا لك الصورة كما يريدون هم، وليس كما تريد أنت. فغالبا ما كانوا يطلبون منك أن تضع قبضة يدك تحت ذقنك وتنظر جانبا مصطنعا التأمل، أو تقف الى جانب مزهرية بها بعض الورود البلاستيكية. أما القاسم المشترك بين محلات التصوير فهو امتلاكها لبعض الملابس المستعملة كي يرتديها الزبون و(يكشخ بها) قبل التقاط الصورة، حيث كانت الصورة من ضرورات هواية التعارف التي كانت منتشرة في صفوف الشباب في الخمسينيات والستينيات وكانت وسيلتها صفحات المجلات. استوديو الظهران، أول محل للتصوير الفوتوغرافي بالمنطقة الشرقية، وأمامه صاحبه وبعض العاملين به في الأربعينيات (أرشيف الكاتب) المصور المصري محمد صادق بيه أول من أعد مجموعة فوتوغرافية في الجزيرة العربية من خلال توثيق مناسك الحج يوسف قاسم الخاجة صاحب استوديو الظهران في الأربعينيات (أرشيف الكاتب) مصور الخبر الأشهر محمد حبيب زماني يتوسط اثنين من تجار الخبر: إبراهيم عبدالكريم الخان (يمين) والحاج أحمد محمد زين العابدين (يسار) في إحدى المناسبات (أرشيف يوسف محمد الخان) بيت التلوين داخل زقاق من الأزقة الفاصلة بين عمارات الكعكي بشارع الملك خالد في السبعينيات (أرشيف الكاتب)