فتح خبير الكتب والمخطوطات في "دار سوذبيز" بول كواري ملفاً اسود فظهرت صورة منظر عام للكعبة المشرّفة في لون بني تقريباً التقطها في العام 1881 محمد صادق بك، وكان لواء في الجيش المصري. الصورة بين مجموعة تحتوي على لقطات لمكة والمدينة والحجّاج والمناطق المحيطة. وتستعد "سوذبيز" لطرحها في مزاد كتب الرحلات والخرائط الذي سيجري في لندن الشهر المقبل. من النادر ان تظهر في سوق الفن صور قديمة من الشرق التقطها رحّالة عرب في هذا المستوى. ما اعتاد عليه الناس هو وصف الحجاز بالكلمة والدراسة والانطباع، سواء من رحّالة كبار امثال ابن جابر وابن بطوطة، او من اوروبيين امثال السويسري يوهان لودفيك بوركهارد الذي انتشرت كتبه عن الشرق في اوروبا. يتحدث بول كواري PAUL QUARRIE عن اهمية المجموعة التي تعتبر الاولى من نوعها للديار المقدسة. ويرى فيها قيمة تراثية لا تقدّر بثمن سواء من الناحية التاريخية او الناحية الفنية: "انها تسجل المنطقة كما كانت في نهاية القرن"، وقبلها كان الاعتماد في معرفة المنطقة على كتب التاريخ وروايات الرحّالة وعلى رسوم ولوحات الاستشراقيين. مع هذه المجموعة التي تحتوي 18 صورة، كرّاستان لرحلات صادق بك منشورتان في القاهرة باللغة العربية ومخطوطة ترجمة لهما بالفرنسية. ويرى الخبير ان المجموعة قد تتجاوز 100 ألف جنيه كسعر اعلى عندما تطرح في 4 حزيران يونيو المقبل، اذ لم يظهر مثلها في مزاد منذ فترة طويلة. هناك مجموعتان للمصور نفسه: احداهما في الخليج، والثانية في المعهد الثقافي الفرنسي في باريس. ويسود اعتقاد بأن هناك صورة لباب الصفا في المركز الكندي للهندسة المعمارية في مونتريال. تبدو الصور متطورة من الناحية التقنية مقارنة بما كان عليه التصوير الفوتوغرافي في ذلك العصر. ولعل صادق بك استفاد من خبرته كمهندس في الجيش لاعداد صور بانورامية في طريقة لم تكن معروفة من قبل، خصوصاً في صورة المسجد الحرام، ومكة المكرمة، وجبل عرفات. كيف استطاع المصور تحقيق مثل هذه المناظر؟ يضع الخبير عدسة المكبّر فاذا بالاشخاص في الصور كأنهم يعودون الى الحياة، اذ يبدو كل فرد بارزاً واضحاً كأنه في مساحة خاصة مع العلم ان المنظر في وقتها كان متحركاً متماوجاً. الى جانب دراسته التقنية في معهد البوليتكنيك الفرنسي ومهمته في الجيش، كان صادق بك بمثابة "رحالة ذي مهمة". فقد اصطحب قافلة الحجاج من مصر الى الاماكن المقدسة في رحلات عدة. والى جانب انه كان يقوم بمهمة تدبير ميزانية تلك الرحلات، فقد اخذ على عاتقه ان يسجل ملاحظاته ومشاهداته في الكتيبين المعروضين مع المجموعة في المزاد، فكتب وصفاً دقيقاً للحرمين الشريفين ثم جغرافية المنطقة التي قطعتها قوافل الحجاج من البحر الاحمر. وهكذا استحق لقب باشا قبل وفاته عن عمر 70 عاماً في العام 1902. لجأ المصور الرحالة الى التقاط المنظر الواحد في اجزاء، ثم أعاد جمعها وتنسيقها لتشكّل منظراً عاماً. وهذا ما لفت الانتباه الى الصور عندما قُدّمت في المعرض الجغرافي في فينيسيا في العام 1881 اذ فاز بالجائزة الذهبية للمعرض.