حض البنك الدولي على تحقيق العدالة في كل المجالات، بدءاً بالصحة والتعليم والعمل والقانون، وانتهاء بالاستثمار والتملك. وحذر من أن انعدام تكافؤ الفرص بين الأفراد والشرائح الاجتماعية يضعف قدرة البلدان، وخصوصاً النامية، على دفع نمو اقتصادياتها ويحرمها من فرص ثمينة لتحقيق التنمية الشاملة المتواصلة، مشدداً على أن"تكافؤ الفرص يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من أي استراتيجية ناجحة لتخفيف حدة الفقر". ولم يدع البنك الدولي، في"تقرير التنمية الدولي لسنة 2006"الذي نشره أمس وستتم مناقشته في الاجتماعات المشتركة لصندوق النقد والبنك الدوليين، فسحة كبيرة للشك في أن مشكلة تفاوت الفرص بين الأفراد والشرائح الاجتماعية والاقتصادية تطاول كل مجتمعات العالم وبقليل من الاستثناءات، لكنها تبقى الأكثر خطورة في الدول النامية بسبب آثارها السلبية التي تحبط النمو الاقتصادي والتنمية. وأورد التقرير أمثلة على موضوعه أهمها تركز ملكية أسواق المال ضمن عدد قليل من كبار المستثمرين المحليين، اذ أن عشر عائلات محلية كبرى تمتلك 60 في المئة من الأسهم المتداولة في البورصة الأندونيسية و53 في المئة من بورصة الفيليبين، و46 في المئة من سوق المال في تايلاند، و32 في المئة من بورصة هونغ كونغ، و27 في المئة من الأسهم المتداولة في كوريا الجنوبية. وبالمقارنة لا تملك العائلات العشرة الكبرى في اليابان سوى 2.4 في المئة من البورصة اليابانية. وظهرت الآثار السلبية لانعدام تكافؤ الفرص في حظوظ الأطفال من التعليم والصحة والعاهات البدنية والنفسية، وذلك في أمثلة صارخة تشير الى أن الحالة الاقتصادية ومستوى التعليم لدى الأبوين، ينعكس سلباً وايجاباً على فرص الأطفال في الحياة والحصول على خدمات أساسية يفترض أن تكون من المسلمات في بداية الألفية الثالثة مثل التلقيح. وتضمنت الأمثلة دلائل على أن الفقر يحرم ما يصل الى 18 في المئة من أطفال المغرب واليمن من هذا العلاج الاحترازي. ولفت كبير الاقتصاديين في البنك الدولي فرانسوا بورغينيون الى ان"العدالة تعزز جهود تحقيق الازدهار وتلعب دوراً مضاعفاً في مكافحة الفقر من طريق زيادة الفرص المتاحة للشرائح الاجتماعية الأشد فقراً للمشاركة في النشاط الاقتصادي المساهمة في المحصلة في تحقيق التنمية الشاملة القابلة للاستمرار، بينما يؤدي فقدانها الى انتشار الفقر واهدار الامكانات البشرية وابطاء وتيرة التقدم باتجاه النمو الاقتصادي". وأوضح بورغينيون الذي أشرف على اعداد التقرير بأن المقصود من العدالة ليس تحقيق المساواة في الأجور، وانما زيادة قدرة الفقراء على فرص الاستفادة من خدمات الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل ورأس المال وحقوق ملكية الأراضي وتعزيز دور السوق في توزيع وتخصيص الموارد. كما تقتضي بدرجة أكبر رفع مستوى المساواة بين الناس في الحريات السياسية وأمام القانون اضافة الى احترام الحريات الفردية. لكن البنك الدولي أكد على أن الدول النامية تحتاج الى أكثر من تحقيق العدالة في مجتمعاتها، اذ لا بد من تشجيع تعزيز العدالة في الساحة الدولية ولا سيما في أسواق العمل والسلع والأفكار ورؤوس الأموال، خصوصاً"البلدان الغنية على زيادة فرص الهجرة للعمالة غير الماهرة القادمة من البلدان النامية والمضي قدماً في تحرير التجارة عبر جولة"الدوحة"والسماح للبلدان الفقيرة باستخدام العقاقير الطبية غير المحددة الملكية، ووضع معايير قياسية مالية ملائمة للبلدان النامية وزيادة المساعدات الانمائية الرسمية وجعلها أكثر فاعلية". وأفاد التقرير بأن البلدان الأفريقية وفي مقدمها جنوب أفريقيا هي، كمجموعة، الأكثر معاناة من انعدام العدالة وتكافؤ الفرص، تليها مباشرة مجموعة دول أميركا الجنوبية ثم بلدان شرق آسيا ثم الدول العربية، ثم مجموعتا بلدان أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والدول الغنية. الا أنه لفت الى عمق التباين بين الدول، إذ أن الجمهورية الأفريقية الصغيرة، موريشوس، التي تناوب الهولنديون والفرنسيون والانكليز على احتلالها تتفوق على جميع الدول الصناعية في تكافؤ الفرص. وخلص البنك الدولي في تقريره الى أن منح المواطنين فرصاً متكافئة يتطلب تبني مجموعة من السياسات أهمها:"الاستثمار في الناس"لضمان استفادة الفقراء من خدمات الرعاية الصحية والتعليم وخدمات المرافق الأساسية وتوفير شبكات الضمان الاجتماعي للمحتاجين، و"اقرار العدالة في أسواق المال والعمل والمنتجات"لتعزيز قدرة الفقراء على الحصول على القروض وفرص العمل من دون التعرض للتمييز الاقتصادي، مثل اضطرار الفقراء لدفع فوائد أكبر مما يدفعه الأغنياء أو سيطرة النخبة على المؤسسات.