لن يؤدي انسحاب الجيش الاميركي من العراق الى تحسين الوضع الامني في هذا البلد. فالوجود العسكري الاميركي في العراق ضئيل. وخلافاً لعدد الجنود الاميركيين المعلن رسمياً، أي 120 ألف جندي، لا يزيد عدد الجنود الناشطين عسكرياً في العراق عن خمسين ألف جندي في العراق. ويجب قياس هذا الرقم على عدد رجال شرطة نيويورك البالغ 37500 شرطي، وهي مدينة تقل فيها نسبة الاعتداءات كثيراً عن تلك المسجلة في المدن العراقية. ويترتب على تدني عدد الجنود الأميركيين في العراق عجز القوات الأميركية عن السيطرة على الوضع. وتتولى شركات أمن خاصة، عوضاً عن الجيش الاميركي، حماية السفارة الاميركية ومبان حكومية عراقية. والمتمردون المطالبون بالسلطة، وهم من السنّة المتشددين، أقلية في العراق. ولن يستطيع هؤلاء السيطرة على الحكم بمساعدة من المجاهدين والاصوليين القادمين من بقاع الارض لمحاربة الشيعة. فهذه السيطرة تفترض مواجهة الشيعة والأكراد عسكرياً. ولن تخسر الولاياتالمتحدة الحرب. فصدام حسين لن يعود الى الحكم، ونظام ديموقراطي هو في طور الاستقرار في العراق. وينبغي على سنّة العراق قبول واقع كونهم أقلية، وليس الاغلبية. وهذا ثمن الاستقرار السياسي. ومن المرجح أن يمر العراق في مرحلة من العنف قبل الاستقرار. ولا شك في أن غاية كل حرب أهلية التوصل الى توازن سياسي، على ما حصل في الولاياتالمتحدة وغيرها من البلدان. فالحرب شر لا بد منه. وليس تجار الاسلحة والاشرار هم من يقومون بالحرب. فهي عملية تؤدي الى تسوية قد تحقق التوازن السياسي والسلام. وإذا قبِل السنّة، على غرار الاكراد، بالنضال لتحصيل حقوق الاقليات واحترام الديموقراطية، وسع العراق تفادي حرب أهلية. وينبغي أن يأتي انسحاب القوات الاميركية على مراحل، فتتوقف الدوريات العسكرية في المناطق الريفية أولاً، ثم يفك الارتباط تدريجاً في المدن. وقد يدوم هذا الأمر سنوات. ومن المحتمل أن يستمر تدريب القوى العراقية في مناطق صحراوية، وأن تحتفظ الولاياتالمتحدة بقواعد عسكرية في هذا البلد. ولا شك في أن وجود الولاياتالمتحدة في العراق احتلال. ولكنه احتلال بالمعنى الذي كان عليه وجود الجيشين الاميركي والفرنسي في ألمانيا، أي لا يهدف الى إلحاق العراقبالولاياتالمتحدة. وليس في مصلحة ايران عرقلة قيام حكومة شيعية في العراق. وعلى رغم صراخهم في طهران"الموت لأميركا"، يتعاون الايرانيون مع الولاياتالمتحدة في العراق وأفغانستان. وكذلك هي حال سورية التي تربطها علاقات متينة بشيعة لبنان وشيعة ايران. ولا يضمر الأردن نيات سيئة للعراق. عن إدوارد لوتفاك، مستشار في البنتاغون الاميركي، ليبيراسيون الفرنسية، 28/7/2005