من مشروع فهد الذي حولته قمة فاس تشرين الثاني/ نوفمبر 1981 - أيلول/ سبتمبر 1982 الى مشروع عربي للسلام، حتى مبادرة بيروت، عرفت المملكة العربية السعودية، بدورها الساعي الى حشد الجهود من أجل خدمة المصالح العربية المشتركة. ولا بد أن يذكر المغاربة للعاهل السعودي الراحل، انه سعى دائماً الى خدمة المصالح المشتركة لشعوب المغرب العربي وبلدانه، من خلال عمله على تقريب وجهات النظر حين تكون متباعدة، ولتقليص حدة الخلافات حين تتأجج، ولانهاء القطيعة حين تكون. ويرجع الفضل الى الديبلوماسية السعودية، بتوجيه من الملك فهد رحمه الله، في اعادة فتح الحدود بين المغرب والجزائر، وفي استئناف الحوار بين قيادتي البلدين في المغرب والجزائر، وفي انطلاق حركية جديدة في منطقة المغرب العربي. وقد بدأ الملك فهد مساعيه لتقريب وجهات النظر بين المغرب والجزائر مبكراً، وتابعها بشكل دؤوب، وعياً منه بأن تلك الخلافات تعطل دور الجناح الغربي من العالم العربي. وما خابت مراهنته، لأن الخواطر كانت في بداية الثمانينات مهيأة لتدارك الحالة، خصوصاً انه قبيل وفاة المرحوم بومدين، كان التحضير جارياً لعقد اجتماع بينه وبين المرحوم الحسن الثاني، وهي مبادرة ألغتها وفاة الرئيس الجزائري، وأجلتها ظروف كان لا بد ان يواجهها خلفه لترتيب الأوضاع عنده. وقد تابعت المملكة العربية السعودية تطور الأحوال في ما بين المغرب والجزائر عن كثب، وعملت على تيسير الأسباب لانهاء القطيعة بينهما. وفي بداية شباط فبراير 1983 حين سمحت الظروف بعقد اللقاء بين العاهل المغربي والرئيس الجزائري، كان لا بد للسعودية أن تتلقى بشرى نجاح مساعيها. وهذا ما تم من خلال المهمة التي قام بها وزير الخارجية آنذاك الاستاذ محمد بوستة في الرياض، موفداً من جانب الملك الحسن الثاني، ليخبره بفحوى ما دار بين القيادتين من محادثات كانت تصب في ما كان يريده الملك فهد وما عمل من أجله، بتفاؤل وثقة. وبفضل وساطته بين المغرب والجزائر، انعقد اجتماع في 10 حزيران يونيو 1988 بين المرحوم الملك الحسن الثاني والرئيس الجزائري السابق السيد الشاذلي بن جديد، وفيه تم استشراف آفاق مشجعة، تحولت بالفعل الى قرارات خلقت ديناميكية جد ايجابية. وبمناسبة الاجتماع الطارئ للقمة العربية في تشرين الثاني 1988 في الجزائر، لدرس مستجدات القضية الفلسطينية، على ايقاع الانتفاضة الأولى، سعى الملك فهد بعد انهاء القطيعة بين المغرب والجزائر، الى أن تتقدم دول المغرب العربي خطوة أخرى في التنسيق في ما بينها، وتم بحضوره اجتماع بين قادة دول المنطقة في مقر استراحة الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد في زيرالدة، كان هو المنطلق لإبرام اتفاق مراكش شباط 1989 المؤسسة لاتحاد المغرب العربي. وكانت دعوة الملك فهد الى الحضور مع قادة البلدان الخمسة المعنية بذلك المسلسل، التفاتة نحوه، وتقديراً لدوره في انطلاق ذلك المسلسل. وحين تم توقيع اتفاق مراكش، وجه الملك فهد لقادة الدول برقية مباركة وتشجيع، وكان المرحوم الحسن الثاني قد رد عليها بقوله:"لا يخامرنا شك في ان روابط القرابة والعقيدة التي تجمع الشعب الجزائري وشقيقه الشعب المغربي، وتعلقنا المشترك بقيم ومبادئ ديننا الحنيف، قد ساهمت بنصيب وافر في التقارب الذي تم بين المغرب والجزائر، في القمة والقاعدة على حد سواء، ولكن هذه العناصر كلها على ما تكتسيه من أهمية بالغة، لم تكن لتؤتي هذه النتائج الحميدة، لولا ما أبنتم عنه من حكمة وبعد نظر، وما بذلتموه من جهود أخوية متواصلة لتذليل العقبات التي كانت تقوم حجر عثرة في طريق الوئام والوفاق، فلكم من الشعب المغربي صادق الشكر وخالص العرفان". إن مساهمة الملك فهد في خلق أجواء ايجابية في منطقة المغرب العربي، كما هو الشأن بالنسبة الى عمل المملكة العربية السعودية في مختلف القضايا العربية والإسلامية، تجعلنا لا نذكر الملك الراحل إلا بأياديه البيضاء، وتجعلنا نذكر في الوقت نفسه بأن من بين كل علاقات المغرب الخارجية، تتميز علاقاته مع السعودية بأنها الوحيدة التي لم تتكدر قط بأي خلاف. وزير الإعلام السابق في المغرب.