ارتفاع الفائض التجاري للمملكة خليجياً    موجز    ضغوط تجاه «مقترح ويتكوف».. وتباين حول موقف «حماس».. الضبابية تخيم على «مفاوضات الدوحة»    اتفاق جديد لتعزيز السلم الأهلي.. وأوروبا تدعم الإدارة الجديدة.. السويداء تندمج في مؤسسات الدولة السورية    «السداسي العربي» يبحث مع ويتكوف خطة إعمار غزة.. ترامب يتراجع عن «التهجير»    الاتفاق يودع دوري أبطال الخليج    السعودية تستضيف "نخبة آسيا" الشهر المقبل في جدة    الليلة تنطلق جولة "يوم العلم" ال 25 من دوري روشن.. الاتحاد يستقبل الرياض.. والهلال ضيفاً على التعاون    بحضور عدد من قيادات التعليم.. انطلاق «قدرات» الرمضانية في جدة التاريخية    إدخال السرور على الأسر المتعففة.. «كسوة» تطلق سوقها الخيري الخامس    محافظ جدة يشارك أبناء وبنات شهداء الواجب حفل الإفطار    عناوينه وثّقت محطات مهمة في تاريخ المملكة.. الموت يغيب خوجه خطاط «البلاد» والعملة السعودية    «تعليم الطائف» يكرم المتأهلين لنهائي «إبداع 2025»    بحضور نخبة من الفنانين والمثقفين والإعلاميين.. «فرقة أبو سراج والمجموعة» تقيم حفل إفطارها السنوي    وزير الخارجية يشارك في اجتماع بشأن فلسطين في الدوحة    ترحيب دولي بنتائج «محادثات جدة».. جهود المملكة تدعم السلام    إدانات دولية لجرائم الحرب الإسرائيلية    التسليح النووي: سباق لا ينتهي نحو القوة والردع    واشنطن: مشروع قانون لتجنب شلل الحكومة الفدرالية    عَلَمُنا.. ملحمتنا الوطنية    أمير القصيم يزور شرطة المنطقة ويشارك رجال الأمن مأدبة الإفطار    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي الصين واليابان    «دار طنطورة».. من أبرز الوجهات التي يقصدها الزوار في رمضان    المملكة تدشّن مشاركتها في معرض لندن الدولي للكتاب    الحرص على روافد المعرفة    روحانية الشهر الكريم    السمات الشخصية المظلمة في بيئة العمل    السهر في رمضان.. تراجع إنتاجية العمل    فيصل بن مشعل يرفع العلم على سارية ميدان التوحيد    أمير الشرقية يكرّم شركاء التأهيل.. ويطمئن على المرضى    الأمن العام والدفاع المدني يشاركان في معرض «الداخلية»    «الملك سلمان للإغاثة» يواصل أعماله ضمن مشروع سلة إطعام    سعود بن مشعل يشهد «ليلة وقفة جود مكة»    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير إفتاء الشرقية    القيادة تهنئ رئيس موريشيوس    الأهلي يهدد بالانسحاب من الدوري المصري    مركز جراحة المخ والأعصاب بمجمع الدكتور سليمان الحبيب بالعليا يعيد الحركة لمراجعة وينهي معاناتها مع الآلام    سعوديات يدرن مركز الترميم بمكتبة المؤسس    إدارة الحشود في المسجد الحرام بالذكاء الاصطناعي    آرت بروميناد تستهوي زوار جدة    "أدير العقارية" تحقق مبيعات تجاوزت نصف مليار ريال في مزاد مخطط "المشرق" بالخبر خلال خمسين دقيقة    الزواج من البعيدة أفضل!    الرباعي السعودي يتزعم القارة الصفراء    52 خزانا تنقل وتوزع المياه المجددة    التخلص من 492 رأس ماشية في رمضان    الشباب شغوفون بالطائرة والمشي يستهوي الفتيات    اتفاق عربي أمريكي على مواصلة التنسيق بشأن خطة مصر لإعمار غزة    أمير منطقة جازان يشارك منسوبي إمارة المنطقة الإفطار الرمضاني السنوي    سبل تصدر طابعاً بريدياً بمناسبة يوم العلم    غُرفة عمليات أجاويد 3 بخميس مشيط تحتفل بيوم العلم    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تشارك في معرض لندن الدولي للكتاب    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لفرع الإدارة العامة للمجاهدين بالمنطقة    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع الإفتاء بالمنطقة الشرقية للعام 2024    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك . كلمة : القطيبة    دلالات عظيمة ليوم العلم    الأولمبية والبارالمبية السعودية تعتمد تشكيل مجالس إدارة 24 اتحاداً ولجنة ومركز التحكيم الرياضي    وزير الدفاع يستقبل وزير الدفاع التركي    شوارع وميادين مناطق المملكة تتزين بالأعلام احتفاء بيوم العلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلاق بغداد ... حكاية جديدة
نشر في الحياة يوم 09 - 07 - 2005

ما يحدث في العراق الآن، يتعدى حدود الفكر الإنساني والمنطق الديكارتي.
هناك افعال عقلانية لا تتناقض مع المنطق العام، فانا افهم وجود مقاومة ضد قوى احتلال والتاريخ يشهد، ولكن لا يستطيع المرء ان يفهم كيف يمكن لمجموعة مسلحة، ان تقضي على آلاف المواطنين بدعاوى الترهيب والتكفير. والأغرب ان العالم يتطلع والمثقفون العرب يقفون اما مشدوهين او مشلولين لا يدرون ما يفعلون ولا يبادرون إلى طلب تصويب العمل الجهادي ضد الاحتلال، والتوعية ضد الانحراف الفكري.
لا يمكن للمثقف العربي ان يلتزم الحياد تجاه التزمت الديني، فلا أحد في مأمن عن امتداد حريقه الايديولوجي الذي ينبع من مصادر قد تكون غريبة عن الدين نفسه، فكلما زاد التزمت والتعصب كلما كان دائماً على حساب الايمان. لانه يؤدي في النهاية إلى إلغاء الآخر بكل فوارقه، ابتداء من التكفير اذا كان الآخر ينتمي إلى دين مختلف، كما ينتقل الإلغاء إلى الداخل فيطاول من يتبع مذهباً مختلفاً على رغم كونه في الدين نفسه، ثم ينتقل إلى المذهب الواحد حيث يعم العداء كل من لم تكن صورته المرآتية على نمط فكري معين. وهكذا يطاول العداء كل المفكرين على اختلاف آرائهم، وعندئذ يتوقف الابداع والتقدم والتحضر. تتوقف عجلة الزمن، ويحل الندم فلا يجدي الأمر نفعاً، وتضيق فسحة الحرية كي يصبح الإنسان أسير أوهام.
من هذا المنطلق لفتت انتباهي ظاهرة غريبة من ضمن المشاهد الدموية التي تطالعنا بها الفضائيات كل يوم. ولن اتوقف امام السيارات المفخخة التي تحصد الحابل والنابل في العراق، من عميل الاحتلال إلى الاطفال والنساء والرجال وسائر الابرياء.
ساتوقف امام ظاهرة تفجير صالون حلاقة في بغداد بكل ما يحتوي من حلاقين وزبائن كما لو كانوا قد ساهموا في الاحتلال، تحت حجة ان حليق الذقن يباح سفك دمه. فكيف تعادل حفنة من الشعر في الرأس او الذقن الحياة الإنسانية نفسها؟ ومتى كان المظهر الخارجي دليلاً إلى التقوى والايمان، وكما يقول المثل الفرنسي"لباس الراهب لا يصنع راهباً".
صالون الحلاقة هو فسحة من الحياة يعكس بهجة في التغييرات تطاول مظهر الإنسان وتعكس صورة مفرحة يرضى عنها وترضي من يعاشرهم ومن هم على صلة به. وكلمة"نعيماً"بعد الحلاقة هي من نعم الحياة التي تقربه من نعم الله الذي وهبها له للاستمتاع بها، كما الحال بالنسبة إلى الحمامات التي تجدد حياته وتعزز ايمانه، خصوصاً ان النظافة من الايمان.
هناك امتداد دائما بين داخل الإنسان وشكله الخارجي، فبهجة الحياة تنعكس على الوجه وعلى الشكل الخارجي. فإذا كان المظهر مقبولاً ومستحسناً، تنعكس الصورة في الآخر على أساس أنه مرآة، تضفي على الشخص رضى واطمئناناً وتعزز ارتباطه بالحياة. وكلمة"نعيماً"تعني بأن لك الحق ان كنت خارجاً من الحمام او من صالون الحلاقة ان تنعم بالحياة. ونحن نعرف ان المصابين بالاكتئاب يبتعدون عن الغسل ويهملون اجسادهم بكل مظاهرها، لان مطلبهم، بحكم المرض، هو رفض الحياة ورفض الآخرين، إن لم يكن طلب الموت نفسه.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ماذا حدا بالمقاتلين إلى منع حلق الشعر والذقن وإدانة الفاعلين بالكفر على غرار ما يحصل للتعاطي بالمنكر؟ هل هو بداعي السلفية، وان كل من خرج عنها يصبح حكماً كافراً؟
السلف الصالح، ابتداء من الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة يتميزون كنموذج يجب اتباعه والحفاظ عليه، بمسلكهم، بتسامحهم، او بطريقة تعاملهم مع الناس. أي، باختصار، بانسانيتهم التي جعلتهم قدوة للآخرين، وليس بمظهرهم. لان المظهر عرضة لتغيرات الزمن وللأعراف الاجتماعية المتبعة في كل عصر، فهو يدخل في الشكل النموذجي الاجتماعي. هكذا نرى ان البنطلون لم يظهر الا حديثاً وكان السروال سابقاً هو السائد. كما ان اللحى كانت سائدة في القرن التاسع عشر، عصر الالحاد، ولم تكن مظهراً للمؤمنين. كذلك الشارب كان في مراحل معينة دليلاً إلى الرجولة دخل في قاموس الرؤيا الاجتماعية للرجل.
ولابد هنا من الاشارة الى مفهوم الشعر وارتباطه بالتاويل النفس تحليلي، كما لمحنا إلى هذه الظاهرة العنفية.
الإنسان منذ نشأته ووعيه لذاته وشكله، يوظف كل عضو فيه بوظيفة لها مدلولها النفسي. وتوظيفها النرجسي يختلف من منطقة إلى أخرى، بشكل ان كل جسد يتميز بخريطة نرجسية حسب الكم الاستثماري، تأخذ قيمها في الذات انطلاقاً من ذلك.
فالنساء مثلاً يتباهين بليونة شعرهن وجماله فتتجسد به الأنوثة، إلى درجة ان الغزاة كانوا ينتقمون من الرجال باخصائهم ومن الناس بحلق شعرهن، أي أن شعر المرأة يدل إلى انوثتها. والحشمة بالمنديل الذي يغطي شعر المرأة او بالحجاب الذي يخفيه عن انظار الآخرين، ليست في النهاية الا خجلاً من ان تظهر انوثتها خارج نطاق الحلال.
اما بالنسبة إلى الرجال فالشعر دال إلى الرجولة والقوة، ابتداء من شمشون الجبار وانتهاء بزرع الشعر المنتشر في اكثر المعمورة، بغض النظر عن الاديان والمعتقدات. فالعلاقة بالشعر هي في الاساس توظيف نرجسي بشكل عام، ولا علاقة لذلك بالدين، والدليل ان الشعر المتروك واللحى الطويلة، وجدا في الجزيرة العربية قبل الإسلام.
لا ادافع عن صالون الحلاقة، لاني لست في الاساس حلاقاً، اضافة إلى أنني اصلع. انما ادافع عن علاقة الانسان بالحياة، فمن يريد ان يجعل الدين سجناً فهو مخطئ. فالدين يسر لا عسر. وهنا اتساءل: هل من يريد ان يقف عثرة باسم الدين يخدم الدين بالغائه فسحة الحياة، ام يخدمه الذي يجعل من الدين يسراً، يفتح امام الناس حياة مفرحة تتخللها البهجة والسعادة بالوجود كنعمة من نعم الله؟
* بروفسور. محلل نفسي لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.