مع تعاظم الاهتمام بالعقارات والأبراج وتجارتها، تكتسب سوق العقارات شيئاً فشيئاً ملامح تجارة الأسهم والسندات. وعندما يُباع كل حجر أو باب في مبنى ويُشترى على حدة، قد تتضخم قيمته وتمتلئ جيوب الكثيرين. وهذا ما يمكن أن يحدث انطلاقاً من بورصة أوبرومارك للأسهم العقارية التي أنشئت أخيراً في لندن. في منتصف حزيران يونيو الجاري افتتحت السوق على موقع على الإنترنت لتتيح للمستثمرين، صغاراً وكباراً، أن يشتروا حصصاً مساهمة في عقارات محددة شقق، مساكن، عنابر...الخ ويبيعوها في السوق البريطانية للمستثمرين من بريطانيا وخارجها. ويتوخى أصحاب المشروع، فضلاً عن تحقيق أرباح وفيرة، تشجيع الاستثمار في العقارات المخصصة لسوق الإيجار. إذ يستطيع أي مستثمر أن يضخ من جنيه إسترليني واحد إلى ألوف الجنيهات في مسكن أو متجر معدّ للإيجار وأن يبيع أسهمه فيه متى شاء ربحاً أو خسارة. وقد يفضل المستثمر في هذه البورصة العقارية أن يشتري أسهماً في عقارات عدة مقلصاً حجم المخاطر، كما يحدث عادة في محافظ الأسهم والسندات السائدة. وكما يحدث في سوق الأسهم من حيث تلقي أرباح نصف سنوية، يحصل المستثمر في بورصة العقار على أرباح من القيمة التأجيرية. مغامرة على الإنترنت أسس أوبرومارك رجل الأعمال البريطاني ستيفن كيني، الذي أقام قبل خمس سنوات كازينو على موقع على الإنترنت يساوي اليوم مئة مليون جنيه إسترليني 381 مليون دولار. وهذا يعني أنه من المستثمرين المتحمسين للمقامرة بأموال الآخرين، علماً أن الخسارة في المغامرة ليست مضمونة على الدوام. وبدأت البورصة بعرض 81 عقاراً على الشبكة، ويتوقع أن يرتفع العدد كثيراً، ما سيتيح للبائعين فرصة البيع من دون عمولة خلال فترة الانطلاقة الأولى. ويأتي المشروع في وقت تباطأت حركة بيع العقارات في بريطانيا كثيراً وسط ترجيح أن تشهد السوق كساداً بعد صعود الأسعار إلى مستويات تاريخية، في حين أن القيمة التأجيرية للعقار البريطاني لم تواكب موجة صعود الأثمان. صغار المستثمرين ويتميز عرض العقارات للتداول بطريقة الأسهم بأنه يفتح الباب أمام الأفراد غير القادرين على الانضمام إلى قائمة مالكي العقار لأن يصبحوا مالكين لها جزئياً. وهذا يجعلهم يلتحقون بركب المالكين والاستفادة من أي موجة صعود في القيمة، كما يجري عادة في دورات متتابعة. ويعد هذا النمط الاستثماري شكلاً آخر من أشكال خلق الطلب العقاري، وضخ المزيد من الاستثمار في السوق بعد أن تقلصت الاستثمارات في هذا القطاع في الآونة الأخيرة. ويرى آخرون أنها موجهة للهواة الذين سيتداولون أسهم العقارات في مضاربات لتحقيق أرباح قصيرة الأجل. وسيكون في هذا السوق التي لا تخضع للرقابة والأجهزة التنظيمية كاسبون وخاسرون، كما هي الحال في مختلف أنواع الاستثمار. على أي حال فإن فترة الأيام العشرة التي انقضت على افتتاح بورصة أوبرومارك، لا تكفي للحكم على مدى نجاحها كمشروع يقاوم بعناد الاتجاه الانحداري للسوق، إضافة إلى أن المشروع يرمي إلى التوسع إلى دول أخرى. نمط التداول كيف تعمل بورصة أوبرومارك؟ يعرض الراغب في البيع عقاره على السوق، فتعرضه مصوراً على صفحاتها في الموقع، طالبة من المهتمين معاينته على الأرض قبل الالتزام بعرض شراء أي حصة فيه. وعندما يبدي عدد من الزبائن اهتماماً كافياً بالشراء ويقبل صاحب العقار الثمن المعروض للبيع، يكتتب المشترون بأسهم في العقار حتى يستوفى الثمن من الاكتتاب. بعدها تتم صفقة الشراء في شكل اعتيادي باسم شركة تابعة لبورصة أوبرومارك تحمل اسم سنغل بروبرتي كومباني. أما البورصة فتحقق عائداً بنسبة واحد في المئة من كل صفقة. ويتولى مدير سنغل بروبرتي كومباني إدارة العقارات والإشراف على تأجيرها بواسطة وكالات عقارية. ويعني هذا بالطبع دفع نفقات إدارة العقارات وصيانتها بين أمور كثيرة معهودة. وهنا تكون البورصة أمّنت لمديريها وظيفة دائمة من أموال المستثمرين الحريصين بالطبع على تحقيق أعلى ربحية ممكنة. قيمة السهم إن قاعدة العرض والطلب هي الأساس في تثمين قيمة السهم في سوق أوبرومارك، ما يتطلب انتساب أكبر عدد ممكن من المشتركين إلى البورصة بمساهمات متفاوتة. وشروط الانتساب ميسرة في البداية إلى حد أنها مجانية، فيما يتوقف سعر السهم على كل عقار على حدة وعلى نسبة الإقبال عليه. ويتوقف الأمر على التثمين السنوي للعقار بناء على مجموعة من العناصر، تبدأ بتثمين قيمة العقار سوقياً، وتقرير عائداته التأجيرية، واتجاه السوق صعوداً أم هبوطاً، أو تبعاً لحالة العقار نفسه وما طرأ عليه من تبدّل منذ استملاكه. ولمنع سيطرة مستثمر ما على عقار وحده، اشترطت البورصة عدم تملكه حصة تزيد على عشرة في المئة من أسهمه. إمكانات النجاح لا تزال الفكرة قيد التجربة وهي تقتصر في الوقت الراهن على السوق البريطانية، على أن تتوسع تدريجاً إلى أوروبا بحسب تطور الإقبال عليها. وربما تكون الأسواق الأوروبية أكثر إغراءً نظراً إلى أن العقارات البريطانية حلقت أعلى من طاقتها، وإذا لم تخفض الفوائد على القروض كثيراً كما هو متوقع، يخشى أن تنهار الأسعار، كما جرى في آخر كساد عقاري عرفته بريطانيا مع مجموعة من الدول الكبرى، في نهاية الثمانينات واستمر إلى ما بعد منتصف التسعينات من القرن الأخير. لكن البورصة تأتي في وقت تشبّع الجمهور بقناعات عقارية يصعب تغييرها، وباتت إعلانات العقارات وبرامج تطويرها تلاحق المستهلك ليل نهار في التلفزيون والصحف، إلى لوحات الإعلانات العامة في الشوارع ومحطات القطاع حتى بدت بريطانيا وكأن تجارتها الأولى والأخيرة هي العقارات. وتقبع وراء حمى الاستثمار العقاري القاعدة الشعبية التي عاد كثيرون إلى تبنيها بعد انهيارات أسواق الأسهم بمقولة أن العقار هو أكثر الاستثمارات أماناً. وعلى رغم أن التاريخ يؤكد أنه حتى قطاع العقارات يبقى عرضة للتقلبات أسوة بأي استثمار آخر، يسود الرأي بأن العقار لا يتبخر كلياً كما هو الحال بالنسبة الى الشركات المبنية في المناطق الصناعية على أرض الواقع، أو على موقع إلكتروني في عالم الإنترنت الافتراضي.