سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مراعاة توازنات بين "الحرس القديم" و "الجيل الجديد" و "جماعات" الداخل والخارج . لقاء مشعل - عباس بين استعجال "حماس" الصعود المؤلم الى الحكم وتريث "فتح" في التنازل عن السلطة
من يعرف تفاصيل التوازنات السياسية الفلسطينية، يستطيع قراءة ابعاد قبول الرئيس الفلسطيني محمود عباس ابو مازن تناول العشاء في منزل رئيس المكتب السياسي ل"حركة المقاومة الاسلامية"خالد مشعل، ويمكن ان يفهم جيدا ابعاد مرافقة مستشار الامن القومي جبريل الرجوب واللواء امين الهندي الرئيس عباس خلال زيارته دمشق بداية الشهر الجاري. كان مشعل"تقصد"دعوة عباس والوفد المرافق الى مأدبة عشاء خاصة بعد ساعات على اللقاء الجماعي الذي جرى على مأدبة غداء اقامها الرئيس بشار الاسد، وجمع عليها جميع قادة المنظمات الفلسطينية المعارضة بمن في ذلك زعيم"فتح - الانتفاضة"العقيد ابو موسى. فكان لقاء عباس - ابو موسى على مائدة الاسد الاول بين جناحي"فتح"منذ الانشقاق في بداية الثمانينات والاول بين كل قادة المنظمات ورئيس سوري. "الرسالة"التي اراد مشعل ابو الوليد توجيهها الى عباس من خلال هذا اللقاء الانفرادي هي ان"حماس"قوة سياسية لا يمكن ان توضع في كفة واحدة مع بقية المنظمات. كما ان عباس اراد بدوره، من خلال قبوله الدعوة، قبول هذه"المعادلة"عسى ان تحل الاشارات السياسية والرسائل الرمزية المتبادلة محل السياسة المباشرة وتؤجل المواجهة المسلحة. وأرفق رئيس المكتب السياسي"رسالته"ببعد رمزي اخر، عندما سلم "ابو الوليد"عباس صورة لمسجد الاقصى ثم وزعت صورة هذه المناسبة على مواقع الانترنت، وكأن مشعل يقول للرئيس الفلسطيني: ان الاقصى في عنقك. لا شك ان هذه"الصورة"لم تأت من فراغ، اذ استندت الى مرجعيات تاريخية قريبة او بعيدة في الزمن. اولها، ان هناك قلقا لدى"حماس"وبقية المنظمات المعارضة من ان يقوم عباس ب"التفريط"بموضوع القدس، بعدما اعجب الجميع ب"الصمود المفاجئ"للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات برفضه التنازل عن ملفي القدس واللاجئين خلال مفاوضات كامب ديفيد على رغم الضغوط الهائلة التي مارسها الرئيس الاميركي السابق بيل كلنتون ورئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك. ثانيا، ما قاله"ابو مازن"لقادة المنظمات على طاولة الغداء بضرورة اتباع سياسية"المرحلية وقبول الحصول على أي مكسب من الاسرائيليين". ثالثا، التزام الرئيس عباس الصمت لدى الحديث عن موضوع اللاجئين وحق العودة. وللعلم، فان احد المواضيع الاساسية التي جرى بحثها على"دردشة"مأدبة الغداء بين قادة المنظمات كان"حق العودة". اذ تحدث مشعل وزعماء"الشعبية - القيادة العامة"احمد جبريل و"الجهاد الاسلامي"رمضان شلح و"الديمقراطية"نايف حواتمة ومسؤول الخارج ل"الشعبية"ماهر الطاهر. وفيما سعى كل بلغته الى التأكيد على"حق العودة ورفض التوطين"سواء عبر التزام سياسة علنية من كل المنظمات او عبر عقد مؤتمر دولي ل"بقاء هذا الملف حيا"، فان عباس اكتفى بالقول ان"حق العودة مصان حسب القوانين الدولية"من دون المزيد من التفاصيل، الامر الذي لم يطمئن بعض الحاضرين، فجرى التعبير عن ذلك بقيام مشعل ب"الزام"الرئيس الفلسطيني بحمل"صورة رمزية"لاقصى القدس ليضعها في صدر مكتبه، هدية من رئيس المكتب السياسي ل"حماس". اللافت انه بالتزامن مع لقاء عباس - مشعل، كان مسؤول"حماس"في غزة محمود الزهار يشن انتقادات على سياسات"ابو مازن"، بل ان الحركة الاسلامية بثت بيانا عن لقاء تضمن تأكيد مشعل على كل المواقف العلنية ل"حماس"بما في ذلك"العتب"على عباس لتأجيل الانتخابات التشريعية"من دون التشاور"معها، اضافة الى"المطالبة بالاسراع بتشكيل مرجعية وطنية عليا في الداخل والخارج". ولا شك في ان هذه الاشارات المتناقضة لا تخرج عن سياسة الشد والجذب بين"فتح"التي تؤجل التنازل المؤلم عن"السلطة المطلقة"و"حماس"التي تعجل الصعود الموجع الى السلطة. كما ان هذا الاسلوب لا يبتعد كثيرا عن حرص كل من مشعل وعباس على الحفاظ على التوازنات الصعبة في داخل حركته السياسية. ومثلما تضم"حماس"افكارا متعددة"ل"جماعات"الداخل والخارج و"جماعة"الكويتوغزة التي يبرع"ابو الوليد"في الحفاظ على توازناتها بعلاقاته الدولية والاقليمية الواسعة وبتعرضه لمحاولة الاغتيال الفاشلة في الاردن قبل سنوات وباستعانة الحركة الاسلامية ب"مشورة"التنظيم العالمي ل"الاخوان"خصوصا قيادة مصر، فان عباس يلجأ الى"دبلوماسية الصورة"للحفاظ على التوازن بين"الحرس القديم"و"الحرس الجديد". عباس و"الحرس القديم" يصح القول ان الرئيس عباس جلب معه كلا من الرجوب والهندي الى دمشق لان"الملف الامني"هو الاساس مع المنظمات المعارضة على اساس تجديد"التهدئة"التي تم التوصل اليها في القاهرة قبل اشهر، ولان"امورا فنية"في حاجة الى بحث مع دمشق. لكن لا بد من النظر الى هذا الفريق المرافق في اطار التوازنات الفلسطينية. اذ ان الرجوب هو من"الحرس الجديد"الذي يستقوي به عباس على"الحرس القديم"مثل هاني الحسن ورئيس"فتح"فاروق القدومي ابواللطف. ومثلما حرص"ابو اللطف"على زيارة دمشق ومغادرتها قبل وصول عباس، مع ان الشخصين"تصالحا"قبل ايام في عمان، فان الرئيس الفلسطيني حرص على جلب الرجوب، بل انه جلب معه قائد الامن الوقائي السابق اللواء امين الهندي ليس لانه احد رموز"الحرس القديم"وحسب، بل لانه محسوب على"جماعة"خليل الوزير ابو اياد، على ان يرسل عباس من خلال هذا المزيج"رسالة"الى الرجل-النجم محمد دحلان الشخص المركزي في قضية الانسحاب من غزة باتصالاته مع الاميركيين والاوروبيين والاسرائيليين. لا يعني هذا التقليل من القول ان تركيبة وفد عباس تعكس ايضا طبيعة النقاشات التي دارت سواء مع دمشق ام مع الجانب الفلسطيني. اذ أثار وفد عباس، خصوصا الرجوب، أربع نقاط مع الجانب السوري، هي: فتح سفارة فلسطينية في دمشق، وتسهيل دخول الفلسطينيين واعتماد جوازات سفر السلطة، وفتح النداء الدولي الفلسطيني باعتباره ليس تابعاً لاسرائيل، وممتلكات"فتح"التي تقع في ايدي"فتح-الانتفاضة"وشخصية سورية. وبحسب المعلومات المتوافرة ل"الحياة"، فان دمشق اقترحت"التريث"في موضوع السفارة باعتبار ان الدولة الفلسطينية لم تؤسس بعد، وبالتالي بقاء الموضوع"عالقاً"، لكنها وعدت "خيراً"في شأن"تسهيل"دخول الفلسطينيين، باعتبار ان نحو 40 شخصاً يطلبون الدخول يومياً ويحتاجون الى موافقات مسبقة واجراءات روتينية. كما وعدت دمشق ب"بحث الجانب التقني"لفتح الاتصالات الهاتفية بين الطرفين، بحيث يكون الجانب الفلسطيني قادرا على المبادرة بالاتصال مع سورية. وعن موضوع ممتلكات"فتح"، استعاد عباس أخيراً منزلاً من طابقين في منطقة"العباسيين" الدمشقية كان في أيدي شخصية سورية كبيرة، كما أن الحسم في امر الشقة الأخرى التي يسكن فيها فنان سوري شهير في ايدي القضاء. وحرص المسؤولون السوريون على ارسال"رسالة"الى الجانبين الاوروبي والاميركي في شأن دعم دمشق"التهدئة". اذ ابدى الرئيس لاسد الاستعداد ل"المساعدة لاجراء المزيد من الحوار الفلسطيني لتعزيز الوحدة الوطنية"، قبل ان ينوه مسؤولون اخرون ب"صدقية وشفافية"عباس على عكس عرفات الذي كان"الشك المتبادل"الميزة الاساسية في علاقته مع دمشق. فلسطينيا، كان وجود الرجوب والهندي دليلا الى ان الامور الفنية - الامنية اساسية. وكان بينها طلب عباس من قادة المنظمات"عدم التعرض لقوات الاحتلال خلال الانسحاب"وتقديم"بعض"الوعود في شأن عودة شخصيات قيادية معارضة الى غزة بعد الانسحاب. وكان تجديد"التهدئة"احد الاسباب الاساسية لزيارة عباس ولقائه المنظمات وخصوصا"حماس"و"الجهاد"، اذ طلب"ابو مازن"من قادة هاتين المنظمتين"التمسك بالتهدئة، وعدم الانجرار الى استفزازات رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون التي تستهدف الاستفراد بأي من هذين الفصيلين للانقضاض عليهما لاعطاء الانطباع ان انسحابه من غزة جاء بعد القضاء على حماس والجهاد". ولا شك ان عملية نتانيا التي اسفرت عن قتل ثلاثة اشخاص وجرح ثلاثين وتبنتها"الجهاد الاسلامي" والمواجهات بين"حماس"والسلطة واستهداف مستوطنات اسرائيلية، عكست الفهم الخاطيء لكل من عباس من جهة و"الجهاد"و"حماس"من جهة ثانية. كان"ابو مازن"يعتقد انه حصل على"التزام التهدئة"، لكن كان لقادة"حماس"و"الجهاد"تفسيرهم ل"التهدئة"على اساس ان تكون"تبادلية"بمعنى ان تكون"الردود محسوبة، والا تكون التهدئة استسلاماً.