يشهد لبنان اليوم خاتمة لقصة أشهر سجين سياسي منذ الاستقلال، إذ ينتظر ان يغادر قائد"القوات اللبنانية"الدكتور سمير جعجع سجنه في وزارة الدفاع قبل ظهر اليوم ويتوجه الى مطار بيروت حيث يقام له احتفال سياسي يلقي خلاله خطاباً يتوجه فيه الى اللبنانيين قبل ان يسافر الى أوروبا لإجراء فحوص طبية وللراحة وللقاء مسؤولي القوات في الخارج، الذين امضوا كما امضى هو في السجن 11 سنة ونيف هرباً من الأحكام الغيابية الصادرة في حق بعضهم. ويشكل خروج جعجع من السجن اليوم خطوة تاريخية على طريق استعادة القيادات المسيحية التي اعتبر الرأي العام المسيحي انها همّشت منذ بداية التسعينات بإبعادها عن المشاركة في المسرح السياسي اللبناني طوال حقبة النفوذ السوري في لبنان وفي ادارة التوازنات الداخلية فيه، وهي خطوة تحفز الجمهور المسيحي والقيادات التي تمثله على مشاركة اوسع في الحياة السياسية. راجع ص2 ويتزامن خروج جعجع من السجن الى الحرية مع دور اخذت"القوات"تلعبه منذ أشهر سواء في اطار المعارضة التي نفذت ما سمي انتفاضة الاستقلال مع شركاء لبنانيين من الطوائف الإسلامية، وتكرس بحصدها ستة نواب في البرلمان بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، أو في اشتراك ممثل عنها في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي شهدت النور قبل زهاء اسبوع. وتميزت الأشهر الماضية بتحالفات القوات والمعارضة الكتائبية مع قوى سياسية معارضة من الصف الإسلامي حتى الآن، ما يرشح جعجع للانضمام مجدداً الى"نادي الأقطاب". وبخروج جعجع من السجن، يكتمل عقد الأقطاب المسيحيين الذين برزوا خلال الحرب اللبنانية، ليلعبوا دورهم على الساحة وهم الرئيس السابق امين الجميل الذي عاد الى لبنان في العام 2000، والعماد ميشال عون الذي برهن عن نفوذ واسع في المناطق المسيحية وهو عاد من المنفى في 7 ايار مايو الماضي، في شكل يعيد اللعبة السياسية التقليدية في لبنان الى سابق عهدها في التوازن بين الطوائف المختلفة، في ظل تمسك"القوات"باتفاق الطائف الذي انهى الحرب اللبنانية. وحافظت"القوات"على حضورها طوال فترة سجن جعجع بفضل تجديد تنظيمها وهيكليتها اثر تشتيتها بفعل الملاحقات التي تعرض لها قادتها ومعاونو جعجع. كما استمدت الاستمرارية من التواصل الذي استمر بين جعجع و"القوات"عبر زوجته ستريدا وبعض محاميه فاستقطبت جزءاً من جيل الشباب الذي تعاطف مع قضيته على رغم انه كان صغير السن عند سجنه. وهو تعاطف تقاسمه جعجع مع العماد عون حين كان في منفاه في باريس. وصدر بالأمس عن النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا قرار الى آمر سجن وزارة الدفاع بإعلان سقوط دعاوى الحق العام عن جعجع وإسقاط جميع مذكرات التوقيف وإلقاء القبض والعقوبات الصادرة عن المجلس العدلي ومحكمة الجنايات وإطلاق سراح جميع الموقوفين بموجب هذه الأحكام في 8 ملفات، منها تفجير كنيسة سيدة النجاة واغتيال رئيس حزب"الوطنيين الأحرار"السابق داني شمعون واغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي ومحاولة اغتيال نائب رئيس الحكومة السابق ميشال المر. وأحيط انتقال جعجع من سجنه الى مطار بيروت بسرية تامة نظراً الى المخاوف على أمنه الشخصي، وهو سيلتقي اضافة الى نواب وسياسيين ورؤساء احزاب، قياديين من"القوات"ليناقش معهم الموقف، قبل ان يغادر لبنان قرابة الواحدة ظهراً، متواعداً معهم على اللقاء بعد اسابيع من اجل انطلاقة جديدة لدور"القوات". وكانت الحكومة اللبنانية اجتمعت امس لإقرار البيان الوزاري الذي يتضمن سلسلة خطوات اصلاحية ويتجنب ذكر القرار الدولي الرقم 1559 لكنه يلتزم تطبيق كل القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية. وسيوزع البيان على النواب خلال الساعات المقبلة تمهيداً لمناقشته في البرلمان. على صعيد آخر، اعلن العماد ميشال عون بعد اجتماع كتلته النيابية ان الكتلة في اتجاه حجب الثقة عن الحكومة، معتبراً ان"صيغة البيان او الفقرات التي اطلع عليها نواب الكتلة يمكن ان تتغير في الجلسة الأخيرة وهذا يدل على انهم يحاولون حل مشاكلهم وليس مشاكل البلد من خلال الصيغ المطروحة ونحن نريد صيغاً اكثر وضوحاً". وأضاف:"لاحظنا ايضاً بعد الاطلاع على فقرات من مسودة البيان ان هذا البيان يهدف الى حل مشاكل الذين كتبوه ونحن نحضر انفسنا اجمالاً لمعالجة مواضيع ومشاكل قبل الماء والكهرباء وهذه الأزمة التي تتفاقم في جلسة الثقة ونتمنى ان لا تكون هناك نواقص كثيرة في البيان الوزاري لأن النواقص التي لاحظناها حتى الآن كبيرة وبخاصة بالنسبة الى الأمور الحياتية، ولكن يبدو ان التوجه الحكومي هو في اتجاه الحجر اكثر منه في اتجاه البشر". واعتبر عون ان هذه الحكومة ولدت وهي مصابة"بمرض معين"وأن البيان الوزاري"هو لحل مشاكل الوزراء في ما بينهم وليس كل مشاكل اللبنانيين، وهذا استنتاج وأن المشاكل باقية ولن تحل وهذا مؤشر سلبي على مدى عمر الحكومة". وأضاف عون انه تكلم مع وزيرة الخارجية الأميركية عن"دور المعارضة في ترسيخ الديموقراطية لأن عنصر التوازن في السلطة هو السلطة البديلة"، مشيراً الى ان"المعارضة ضرورة في الحياة البرلمانية ولذلك عندما رأينا ان البرنامج التوافقي مع الحكومة لن يتحقق انسحبنا وعدنا الى دورنا الطبيعي لأننا لو اردنا التضحية بدور المعارضة فيجب ان يكون ذلك مقابل انجاز كبير". وعن القرار 1559 قال عون انه لا يعرف ماذا ابلغت وزيرة الخارجية الأميركية رئيس الحكومة حول هذا الموضوع لكن كتلته النيابية تريد ان تعرف ماذا سيتضمن البيان حول هذه النقطة"لأن هذا القرار فيه نقاط تتعلق بلبنان ولا تتعلق بأميركا". وأكد عون ان نواباً من التكتل سيشاركون في توديع الدكتور سمير جعجع وأن احدهم سيتكلم نيابة عنه. وتمنى لجعجع سفراً سعيداً وعودة سعيدة.