أكد رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي آلان غرينسبان احتفاظ الاقتصاد الأميركي بأسس متينة للنمو وبقاء الضغوط التضخمية تحت السيطرة في النصف الأول من 2005، وعلى رغم المستويات العالية التي سجلتها أسعار الطاقة من النفط والغاز الطبيعي حتى الآن، مشدداً على أن الآفاق الاقتصادية مواتية للاستمرار بتشديد السياسة النقدية من طريق رفع سعر الفائدة التأشيرية بصورة تدريجية في الفترة المقبلة. قال غرينسبان في شهادة أمام الكونغرس الأربعاء ملخصاً تقريره نصف السنوي عن السياسة النقدية انه"على رغم التحديات التي أشرت اليها وكثير غيرها لم أذكرها، بقي الاقتصاد الأميركي على أرضية صلبة وما زال التضخم تحت السيطرة منذ منتصف شباط فبراير الماضي إضافة الى أن الآفاق مؤاتية لاستمرار هذه الاتجاهات"، ما اعتبره الدافع وراء اعتقاد المجلس بإمكان الاستمرار برفع سعر الفائدة الأميركية. وأوضح مهندس السياسة النقدية الأميركية في تقريره الأخير قبل تنحيه عن منصبه في نهاية كانون الثاني يناير المقبل أن بيانات الشهرين الماضيين أكدت احتفاظ الاقتصاد الأميركي بزخم النمو، حيث استمر كل من العمالة والإنفاق الاستهلاكي بتحقيق المكاسب وبقيت مستويات المخزونات"متواضعة"وتحسنت معدلات استثمارات الأعمال بينما استمرت أسعار الفائدة الطويلة الأجل المنخفضة بتوفير حوافز لنشاط الأعمال. ولفت غرينسبان في شهادته أمام لجنة الخدمات المالية التابعة لمجلس النواب في الكونغرس إلى أن ضغوطاً تضخمية، خصوصاً المتعلق منها بمؤشر أسعار المستهلك، برزت في الربع الأول من 2005 ثم انحسرت في الفترة الأخيرة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن عودة أسعار النفط والغاز الطبيعي للاتجاه صعوداً منذ أيار مايو الماضي من المحتمل أن تضع"بعض"الضغوط على الأسعار الاستهلاكية، أقله في المدى القصير. وعكس تقليل غرينسبان من خطورة أسعار النفط اعتقاد محللين أميركيين بأن أسعار الخام الخفيف لم تتحول بعد إلى"أزمة"في أكبر سوقين لاستهلاك النفط ووارداته، أميركا واليابان، ولسببين مهمين أولهما أن متوسط هذه الأسعار منذ بداية 2005 52 دولاراً للبرميل يقل بالنسبة الى أميركا بنحو 28 دولاراً للبرميل ولا يشكل بالنسبة الى اليابان سوى 47.7 في المئة من متوسط الذروة التاريخية المسجل في 1980. ولاحظ المحللون بأن السبب الثاني لبقاء أسعار النفط دون مستوى الأزمة، أقله في أميركا، يعود إلى تعاظم مرونة الاقتصاد الأميركي في ما يتعلق بمتطلبات استهلاك الطاقة، إذ ان نمو الناتج المحلي بمقدار واحد في المئة لا يتطلب ازدياد الطلب على الطاقة بأكثر من 0.33 في المئة، وهي واحدة من أعلى نسب المرونة، خصوصاً أن النسبة المماثلة تصل إلى 0.72 في المئة في اليابان وتتجاوز واحداً في المئة في غالبية الدول النامية. لكن غرينسبان شدد على أن أسعار النفط تشكل أحد التحديات التي تهدد آفاق الاقتصاد الأميركي، محذراً من أن موجة جديدة من ارتفاع الأسعار من شأنها أن"تقتطع"من الإنفاق الاستهلاكي الخاص وتحد من توسع النشاط الاقتصادي. ولم يبد كثيراً من التفاؤل في هذا المجال، مشيراً إلى أن المتعاملين في أسواق النفط لا يتوقعون حدوث تراجع ملموس في أسعار الطاقة لسنوات مقبلة في ظل توقع بقاء الطلب العالمي قوياً. وفي إشارة إلى بنود رئيسة في قانون الطاقة المتوقع أن يقره الكونغرس في وقت لاحق من الشهر، ذكر غرينسبان أن الجهود القائمة والمتوقعة لزيادة القدرات الاستيعابية لمحطات استقبال الغاز المسال ربما تساهم، مستقبلاً، في خفض أسعار الغاز الطبيعي الأميركية إلى مستوياتها العالمية. إلا أنه رأى أن جهود تخفيف أسعار النفط تصطدم بعراقيل تحد من قدرة منتجي النفط على زيادة الانتاج لتلبية النمو المتوقع في الطلب العالمي. وفي ما اعتبر دعوة غير مباشرة للدول الخليجية لفتح صناعاتها النفطية أمام الاستثمارات الأجنبية، قال غرينسبان ان"القسم الأعظم من الاستثمارات المطلوبة لتحويل الاحتياط النفطي المؤكد يتعين أن يتم ضخها في بلدان حيث الاستثمارات الأجنبية إما محظورة أو مقيدة أو تواجه مخاطر سياسية ضخمة، زيادة على أن وفرة إيرادات النفط والغاز المحققة لشركات النفط الوطنية المهيمنة تعتبر ضرورية للاحتياجات المحلية المترتبة على الزيادة السكانية. وهناك قدرة محتملة لهذين العاملين في الحد من قدرة المنتجين على زيادة طاقاتهم الانتاجية بما يتناسب مع النمو المتوقع في الطلب العالمي". ولم يحدد غرينسبان المنتجين المقصودين بالاسم مكتفياً بالاشارة الى التوزع الجغرافي لاحتياط النفط المؤكد القابل للاستخراج بالتقنيات المتاحة.