نجم عن اتفاقات الشراكة المبرمة بين عدد من الدول العربية والاتحاد الأوروبي، وكذلك مع منظمة التجارة العالمية، تعديلات في القوانين التجارية، وفرضت هذه التشريعات بدورها نمطاً جديداً من العلاقة بين الحكومات والمؤسسات والأفراد. ويرى المستشار التجاري في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا اسكوا محسن هلال، في حديث إلى"الحياة"، ان اتفاقات الشراكة بين الدول العربية والاتحاد الاوروبي، ودول البحر المتوسط، تتشكل من مكونات عدة أبرزها: أولاً، خفض الرسوم الجمركية على السلع، لأنه يندرج في إطار بروتوكول التجارة الحرة بين الدول الواقعة على جانبي المتوسط. وبالتالي فهناك التزام بالخفض التدريجي للرسوم الجمركية على تبادل السلع بين الطرفين الاوروبي والعربي. ثانياً، ان بعض اتفاقات الشراكة تقضي بتحرير بعض قطاعات الخدمات. وأشار هلال إلى انه إذا كنا نتكلم على الأساس، أو الجانب التشريعي، فهذا غالباً ما يكون مرتبطاً باتفاقات منظمة التجارة العالمية، وأيضاً في بعض ترتيبات الشراكة الأوروبية. وأعطى مثالين على ذلك، الاول في موضوعات الملكية الفكرية، حيث ان قوانين منظمة التجارة العالمية تلزم الدول على ملاءمة تشريعاتها الوطنية مع الاتفاق، وتحدد الحماية للملكية الفكرية. وهذا ما دعا لبنان خلال مفاوضات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، إلى إعادة النظر في اتفاقات الملكية الفكرية لكي تتواكب مع بنود الاتفاقات. لافتاً إلى انه على الجانب الآخر في اتفاقات الشراكة، ربما فرضت بعض هذه الاتفاقات، شروطاً تزيد عما هو في منظمة التجارة. مشيراً إلى أننا هنا أمام مجموعتين من الدول، مجموعة تنبهت إلى هذا الموضوع التعديلات في القوانين، في مفاوضات الانضمام، وقامت به طوعاً، ودول أخرى اضطرت بعد الانضمام إلى ان تقوم بالتعديلات المطلوبة، وما يحصل في بعض دول مجلس التعاون الخليجي واضح في هذا الشأن. وأشار هلال، إلى"أننا هنا أمام نوعية من نوعيات الالتزامات التي تقتضي تعديلات تشريعية، مؤكداً ان هناك نوعية أخرى شديدة الأهمية، وهي التشريعات والأجهزة الجديدة التي يمكن ان تساعد في الحصول على حقوق في الاتفاقات، سواء في اتفاقات الشراكة أو في اتفاقات منظمة التجارة العالمية. والمثال الواضح فيها الملكية الفكرية والإغراق والوقاية، هي موضوعات لا يمكن ممارستها كما يجب إلا إذا بوجود تشريع وجهاز إداري. والتشريع لا بد ان يواكب اتفاقات منظمة التجارة، لان إجراءات الحد من الدعم أو مكافحة الإغراق أو ممارسة الحق في الوقاية، وفقا لاتفاقات منظمة التجارة، تتطلب وجود هذا التشريع الذي يكتمل فقط بجهاز إداري يقوم بتنفيذه. وأوجدت هذه التعديلات نوعاً جديداً من العلاقة بين الحكومات والمؤسسات والأفراد. وحول هذه العلاقة قال هلال انه لا بد من تعاون وثيق وتنسيق بين الحكومة ومجتمع رجال الأعمال، لان الحكومة توقع الاتفاق وتصدر التشريع، إنما في واقع الأمر، إذا لم يتعاون معها مجتمع رجال الأعمال والقطاع الخاص في الإبلاغ عن حالات الإغراق والتنبيه إليها، لا بد ان يتقدم بشكوى إلى الجهاز الحكومي المختص، من ما لا يقل عن 50 في المئة من المصانع القائمة. كما انه في حال انتهاك لبعض بنود اتفاق من الاتفاقات الاضطرار إلى التفكير كحكومة في التوجه إلى جهات تسوية المنازعات في إدارة منظمة التجارة، لا يمكن التحرك الجدي إلا في حال وجود معلومات واضحة مستقاة من القطاع الخاص عن الحال التي حدث فيها الانتهاك المذكور. وعن انعكاس هذه التشريعات على الطبقة العاملة، أوضح ان الطبقة العاملة مرتبطة بالفرص المتاحة في الصناعة. كما ان حماية الإنتاج الوطني ليس معناها الحماية كسلعة فقط بل كيد عاملة وطنية، لأنه إذا وقع الضرر على صناعة ما، فإنه سيصيب اليد العاملة أيضاً. ولفت هلال إلى ان موضوع العمالة خارج عن نطاق اتفاقات منظمة التجارة، من الناحية المباشرة. ولكنه بطريقة غير مباشرة له ارتباط قوي بها، لأن وجوده رهن بالفرص المتاحة للصناعة الوطنية. وطالب بعقد اجتماعي متطور بين مجتمع رجال الأعمال والقوى العاملة والنقابات والحكومة، لحماية اليد العاملة، لأن قوانين واتفاقات منظمة التجارة والشراكة الأوروبية لا تلزم أي دولة بهذه الأمور. وأشار إلى قرار واضح صدر عن المؤتمر الوزاري الاول الذي عقد في سنغافورة عام 1996، مفاده ان موضوع العمالة هو اختصاص أصيل لمنظمة العمل الدولية، ولا يدخل في نطاق منظمة التجارة العالمية، لأن الدول المتقدمة تحاول ان تفرض هذا الملف، وتقول إن الدول النامية تنتهك حقوق العمالة وبالتالي، فإن أسعار منتجاتها غير حقيقية وتعرضها لاجراءات الدعم والإغراق.