تابعت الولاياتالمتحدة وإسرائيل بأهمية فائقة تطور التجربة الصاروخية الإيرانية، سواء عبر الأقمار الاصطناعية أو بواسطة أجهزة الاستخبارات، وكانت تسجل فشل التجارب السبع الأولى جزئياً أو كلياً إلى أن نجحت التجربة الثامنة. واختبرت طهران الاسبوع الماضي نسخة مطورة من صاروخ"شهاب- 4"متجاوزاً الفي كيلومتر، ما يعني ان في إمكان الصاروخ الجديد أن يصل إسرائيل والقواعد الأميركية في المنطقة. وفي أعقاب التجربة الأخيرة أشارت تقارير إسرائيلية الى إنه مماتل لصاروخ"شهاب 3"الذي يستند إلى تصميم كوري شمالي، ويصل مداه إلى 1700 كيلومتر. الأهمية الإستراتيجية ولعل أهم النتائج المحتملة لهذا المعطى الجديد في المعادلة التسلحية سواء بالنسبة إلى إسرائيل أو بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة هي ان"شهاب 4"صاروخ أرض - أرض قادر على حمل رؤوس حربية بوزن 750 - 1000 كلغ رؤوس الأسلحة الحربية للدمار الشامل ذرية وكيماوية وبيولوجية تبدأ بالوزن 800 كلغ. وأجرت إيران التجربة الثامنة على إطلاق هذا الصاروخ بعد خمس سنوات من التجارب 1998-2003 وأعلنت نجاح عملية الإطلاق، ما يعني بالمفهوم العسكري إن هذا الصاروخ سيدخل في الخدمة لدى الجيش الإيراني الى جانب"شهاب 3". ويعتبر"شهاب 4"نسخة من الصاروخ الكوري الشمالي"نودونغ"Nodong الذي طوّرته إيران، اثر اقامة علاقة تعاون في مجال التسلّح بين البلدين منذ بداية الثمانينات عندما اشترت طهران من بيونغيانغ أسلحة صاروخية من نوع"سكود-ب"بمدى يصل إلى 300 كلم و"سكود-سي"بمدى يصل إلى 500-600 كلم، واستعملتها في حربها ضد العراق إبان الثمانينات من القرن الماضي. وفي المرحلة التالية انتقلت إيران من مرحلة الشراء والاعتماد على الخارج إلى مرحلة تنمية قدراتها الذاتية من طريق نقل التكنولوجيا وبالتالي تطوير صاروخ"شهاب-3"، وإنتاج 150 صاروخاً منه كما خطّطت بحسب الاستخبارات التركية، في حين تعتقد إسرائيل بأن إيران قادرة على إنتاج 20 صاروخاً من"شهاب-3"، لكن مشروعها يتجاوز ذلك إلى"شهاب 4"بمدى يتجاوز 2000 كلم، و"شهاب 5"بمدى يصل الى 5500 كلم، و"شهاب 6"بمدى 10000 كلم في المستقبل. هذه العلاقة الكورية - الإيرانية جعلت الرئيس جورج بوش يصنف الدولتين ضمن"محور الشر". ولم يكن غريباً إن أول إعلان عن نجاح إطلاق"شهاب 3"جاء في صحيفة إسرائيلية. وتشكل صواريخ أرض - أرض المتوسطة والبعيدة المدى عنصراً أساسياً في صياغة الاستراتيجية الإقليمية والدولية. ويمكن القول إن دخول"شهاب 3"على خط المعادلة الإقليمية فعلياً أعاد خلط الأوراق إلى حد ما في الشرق الأوسط وخلق تحدياً جديداً أمام الهيمنة الكاملة الأميركية - الإسرائيلية على المنطقة. ولعل أوّل من يعرف ذلك ومن عانى منه هو إيران بالذات لأن حرب الصواريخ حددت مسار الحرب العراقية - الإيرانية قبل عقد ونصف عقد ومصيرها. ومهمة الصواريخ برؤوسها الحربية المختلفة هي ضرب التحشدات والقواعد والمطارات والمناطق الحيوية لدى الخصم العاصمة ومصانع الأسلحة المختلفة. ويعتبر امتلاك أي دولة للصواريخ، أي للقدرة على ضرب الخصم وإيذائه وربما دفعه إلى الاستسلام، الدولة المعنية هيبة وريادة تقنية ومقدرة ومكانة إقليمية ودولية. وترتبط أهمية الصاروخ في المفهوم العسكري بعناصر مختلفة منها: المدى الذي يبلغه الدائرة والدقة التي يمكن أن يصيب فيها هدفه ووزن الرأس الحربي الذي يمكن أن يحمله ونوعيته، والأهداف المقصوفة، ومدى فعالية القصف. حوار الصواريخ وفي محاولة لاسترجاع الأسباب والأهداف التي تتوخاها إيران من تطوير برنامجها للحصول على صواريخ متوسطة المدى ك"شهاب 3"، و"شهاب 4"، تبرز المعطيات الآتية: 1- تأكيد قوتها وقدرتها العسكرية وبالتالي تعزيز نفوذها الإقليمي ومكانتها الدولية. 2- إعطاء برنامجها النووي مغزى وفاعلية لأن الرأس النووي في حال امتلاكه لا يأخذ معناه العسكري - الاستراتيجي إلا بوجود وسيلة لإيصاله إلى الهدف المحدد. وهذه الوسيلة هي الصاروخ. من هنا قول الناطق الإسرائيلي إن اجتماع البرنامج النووي والصاروخ شهاب الجديد يشكل تهديداً خطيراً. فالصاروخ من دون الرأس أسلحة دمار شامل تبقى فعاليته محدودة على شاكلة الصواريخ التي أطلقها العراق على إسرائيل عام 1991، والرأس النووي الذي يبقى داخل مفاعله لا يشكل خطراً على الخصم البعيد مئات الكيلومترات. رداً على"حيتس" وفي هذا السياق اعتبرت إسرائيل إن التجربة الإيرانية تأتي رداً على تجربة إسرائيل في تطوير صاروخ"حيتس"أرو. إلا إن إيران نطقت عملياً بالكلمة الأخيرة في مجال الصواريخ الباليستية بالمفهوم الإسرائيلي علماً أن النسخة الحالية من الصاروخ"حيتس"ليست قادرة على مواجهة"شهاب 3"ولا"شهاب 4"، مما يجعل تعديلها وارداً. وذكرت"يديعوت أحرونوت"كبرى الصحف الإسرائيلية إن التجربة المقبلة للصاروخ"جيتس 2"ستجرى في كاليفورنيا وتبلغ كلفة المشروع 2.2 بليون دولار تساهم الولاياتالمتحدة بجزء منها. وصمم"حيتس 2"الذي يستخدم نظام رادار خاصاً بحيث يرصد الخطر المقبل ويدمره على ارتفاعات تزيد على 50 كيلومتراً خلال ثلاث دقائق. لكن محللين مستقلين يؤكدون انه على رغم التجربة الناجحة للصاروخ ضد صاروخ"سكود"فربما لن يكون"حيتس 2"جاهزاً بعد ليصد بنجاح صواريخ أسرع مثل"شهاب 3"او غيرها والتي نفذت على أساس تصميم كوري شمالي وعدل بتقنية روسية ويعتقد بأن مداه يبلغ 1300 كيلومتر إلى 1700 كلم وهو ما يمكنه من ضرب أي هدف في إسرائيل. ووسط تكهنات بأن إسرائيل قد تحاول وقف برنامج إيران النووي من طريق شن غارات جوية على بعض المنشآت النووية الإيرانية فذلك يعني ان لدى ايران قدرة الرد بسرعة وبقوة على أي هجوم من هذا النوع. بدأت عملية تصنيع الصواريخ الباليستية في إيران عقب انتهاء الحرب مع العراق، وكان أولها صواريخ قصيرة المدى، مشتقة من"فروج 7"، مثل"شاهين 2"و"عقاب"و"النازعات"، وتراوحت مدياتها بين 60 كلم و150 كلم، كما تم تطوير الصواريخ التي يبلغ مداها بين 500 و600 كلم. ثم ركزت الصناعات العسكرية الإيرانية على تطوير صواريخ متوسطة المدى تصل لأكثر من 1000 كلم، بالتعاون مع كل من كوريا الشماليةوروسيا، وتعتمد في ذلك على تكنولوجيا صينية وروسية وألمانية وكورية شمالية، إذ حصلت إيران من روسيا على خبرة التصميم الأساسي وتصنيع عناصر الصاروخ، ومن الصين على تكنولوجيا بناء واختبار نظام التوجيه، فجاء تطويراً لصاروخ"نودنج"الكوري، المطور هو الآخر عن صاروخ"سكود"الروسي. والخلاصة إن امتلاك إيران لصاروخ"شهاب 3"الى جانب التجربة الناجحة لصاروخ"شهاب 4", واستمرارها في برنامجها النووي من دون تقديم تنازلات والتوقيع على بروتوكول عدم انتشار الأسلحة النووية كما نصحها مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، خلقت معطى استراتيجياً جديداً في الشرق الأوسط. لكن ما يخفف من خطورة هذا الوضع مرحلياً على الأقل، هو إن إيران لم تمتلك على ما يبدو حتى الآن القدرة على إنتاج سلاح نووي ليصبح الخطر مباشراً وماثلاً. ولهذا فإن أميركا وإسرائيل سوية ستجدان نفسيهما تتجهان نحو الخط الأحمر، ما يدفعهما إلى العمل سريعاً على خطين: ضرب القدرة العسكرية الإيرانية أو السعي لانقلاب داخل إيران. ولدى إدارة الرئيس بوش نظريتها في الحرب الوقائية، لتطبقها في إيران كما طبقتها في العراق. وإذا كانت أسلحة الدمار الشامل العراقية تثير الجدل في أميركا وأوروبا فإن أسلحة إيران النووية أصبحت على فوهة البركان الأميركي. خبير لبناني في الشؤون العسكرية.