بدا قائد القوات اللبنانية المسجون سمير جعجع للوهلة الأولى مذهولاً عندما أطل عليه رئيس كتلة"المستقبل"النائب سعد الحريري في أول زيارة لزعيم مسلم له، في سجنه في الطابق الاول من مبنى وزارة الدفاع الوطني. فجعجع لم يصدق ان الحريري سيزوره في سجنه، وقد فوجئ باللقاء الذي امتد أكثر من ساعة ونصف ساعة ولم يكن بروتوكولياً بهدف التعارف فحسب، وإنما شكل فرصة ليجريا معاً جولة أفق في الماضي والحاضر والمستقبل من خلال مراجعتهما أبرز المحطات السياسية والأمنية التي مر فيها البلد، خصوصاً بالنسبة الى استحقاقي انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي وتسمية رئيس الحكومة العتيدة. وكان من الطبيعي أن يتقدم جعجع من الحريري، ووجهاً لوجه هذه المرة بالتعازي باستشهاد الرئيس رفيق الحريري بعدما كانت زوجته ستريدا قامت بواجب التعزية في الوقت المناسب. وأتاح الحديث عن الظروف السياسية والأمنية المحيطة باغتيال الحريري الفرصة أمام جعجع لاستذكار ابرز محطاته الشخصية والسياسية مع الرئيس الشهيد ان كان بالنسبة الى دوره في تهيئة الظروف للتوافق على وثيقة الوفاق الوطني في الطائف أو في خصوص المحاولة التي قام بها لجمعه ذات ليلة مع"خصمه"في القوات اللبنانية الوزير السابق الراحل ايلي حبيقة، إضافة الى تلبيته وزوجته ستريدا دعوة الرئيس الشهيد وزوجته السيدة نازك الحريري لتناول عشاء خاص الى مائدتهما في قريطم. وتطرق جعجع في حديثه مع الحريري الى ظروف اعتقاله ومن ثم سجنه وقال له:"أنا غاضب من الذين كانوا وراء سجني لكنني لست حاقداً على أحد، لأن الدولة لا تبنى بالحقد أو تقوم على تصفية الحسابات الشخصية". وإذ أكد جعجع ان لا مكان عنده للحقد، كشف في المقابل الحريري ما دار ذات مرة بينه وبين الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الذي روى له بعض تفاصيل ما دار في اجتماعه مع زعيم جنوب افريقيا نيلسون مانديلا. ففي هذا اللقاء - وبحسب ما قاله سعد الحريري لجعجع ، سأل كلينتون مانديلا كيف وافق على تعيين نائب رئيس له، كان سبق ولعب دوراً في سجنه أكثر من عشرين سنة؟ فأجابه الأخير:"أنا غاضب منه، لكنني لست حاقداً، لأن الحقد يقودنا الى تدمير بلدنا وبالتالي أنا من الذين يحترمون أصول اللعبة الديموقراطية ويقرون بنتائجها". جعجع: مهرجان عكار عنى لي الكثير ثم جرى حديث بينهما حول نتائج الانتخابات النيابية وما أفرزته من تحولات سياسية أساسية في الساحة اللبنانية. وفي هذا السياق قال جعجع:"لم أكن أصدق ان ستريدا ستزور عكار برفقة المرشحين عن تيار القوات اللبنانية، فالمشهد الانتخابي الذي جمع زوجتي وبمبادرة منك شخصياً يعني لي الكثير، اضافة الى الحشد الذي ينم أولاً وأخيراً عن صدق نياتكم في تحقيق المصالحة الوطنية كأساس لإعادة بناء بلدنا". ولفت أيضاً الى أهمية المهرجان الذي أقيم في عكار والذي لم يكن انتخابياً بمقدار ما أكد النيات"بأننا جميعاً نرفض العودة الى الماضي واننا ماضون في التطلع نحو المستقبل". مشيراً أيضاً الى المعنى السياسي للصورة التي جمعت بين مرشح"حزب الله"في بعبدا عاليه ومرشحي القوات على لائحة واحدة برعاية الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ورئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط وتيار المستقبل. وأشار جعجع الى ان ما يعنيه في الانتخابات النيابية، هو هذا المشهد السياسي الذي أكد استعداد الجميع للدخول في مصالحة وطنية شاملة. كما نوه جعجع بمواقف جنبلاط على هذا الصعيد، وقال ان الشراكة السياسية بين كل هذه القوى ستتعزز و"لن نسمح للذين يحاولون فرطها بأن تتحقق أغراضهم". وكانت لجعجع أيضاً أسئلة كثيرة طرحها عن دور"حزب الله"في الحياة السياسية وضرورة التعاون بين كل القوى لانقاذ لبنان، إضافة الى انه كان داعماً للحديث المطول الذي أدلى به الحريري بالنسبة الى تطبيق اتفاق الطائف بحذافيره والعمل معاً من أجل سد الثغرات التي برزت من خلال تنفيذه. ورد جعجع أيضاً بأنه أوصى القوات اللبنانية بضرورة الحفاظ على وحدة الموقف حيال كل القضايا المطروحة وأن تبادر الى التنسيق في مواضيع الساعة. ولم يتطرق الحريري وجعجع الى موضوع رئاسة الجمهورية لكنهما توقفا أمام انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي ومن ثم اختيار الرئيس المقبل للحكومة الجديدة. وبعد أن استمع جعجع ملياً الى شرح مفصل من الحريري حول هذين الاستحقاقين، بادر الى ابداء وجهة نظره وقد تبين للأخير انه يتابع الوضع السياسي بكل تفاصيله من خلال زيارات زوجته له في سجنه. وفي هذا السياق علمت"الحياة"أن جعجع ليس متحمساً لإعادة انتخاب بري. وأن لا موقف شخصياً منه. لكنه يأخذ عليه انه بعدما وعد زوجته ستريدا مرتين بأن اقتراح قانون العفو العام عنه سيرى طريقه الى التنفيذ في البرلمان، فوجئ في اللحظة الأخيرة بأن بري تراجع عن وعده، وهذا ما حال دون التأسيس وللمرة الأولى لثقة متبادلة بين تيار القوات وحركة"أمل". ما يفسر احتمال لجوء النواب القواتيين في المجلس الى عدم الاقتراع لمصلحته والتصويت بورقة بيضاء. وتطرق الرجلان الى الموقف من تشكيل الحكومة الجديدة، وكان للحريري مداخلة ركزت على أهمية الحفاظ على وحدة المعارضة وتأكيد تماسكها، لافتاً الى أن هذه المسألة بالذات ستكون محور المشاورات التي ستجرى قريباً بين الكتل النيابية المعارضة والتي كانت خاضت الانتخابات على لائحة واحدة. وعلى هذا الصعيد، توافق الحريري وجعجع على تمثيل القوى المعارضة في الحكومة، وكانت لديهما وجهة نظر واحدة تقضي بضرورة الفصل ما أمكن بين الوزارة والنيابة، انطلاقاً من رغبتهما المشتركة في توفير كل الظروف للنواب للعب دور أساسي، ليس في مراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها فحسب وإنما لافساح المجال أمام مشاركة فاعلة في التشريع. وتناولا أيضاً مسألة أساسية تتعلق بالتواصل بين جميع الأطراف تعزيزاً للحوار وهنا أطلعه الحريري على زيارته للعماد ميشال عون والمحاولات التي قام بها من أجل حماية المعارضة من خلال خوض الانتخابات على لوائح مشتركة. واتفقا في هذا السياق على معاودة الحوار مع التيار الوطني الحر، خصوصاً أن لا نية لاستبعاده من الاشتراك في الحكومة. وهنا أبلغه الحريري أنه ينوي قريباً لقاء عون بصرف النظر عن الاختلاف بينهما في الانتخابات النيابية. وقبل أن يودع الحريري جعجع الذي يتوقع خروجه في وقت قريب من السجن، اتفقا على ان النهوض بالبلد، مسؤولية جماعية، لا سيما أن التجارب التي أفضت الى ثنائيات سياسية يراد منها اختصار الآخرين لم تكن مشجعة.