في مطعم "عالي قابو" في خيابان شارع غاندي بالقرب من ميدان"ونك"في شمال طهران, كان صوت المطرب الخمسيني، ذي الشاربين الكثين، لكنْ المشذبان، يصدح بأغنية حزينة يقول مطلعها:"أضحك من فرط حزني وأخبئ آلامي خلف ابتساماتي. إذهب وتوارى. لا أريد أن أذكر ما كان". يتفاعل الحضور تصفيقاً كلما ارتفع صوت الموسيقى التي يعزفها ثلاثة موسيقيين جلوساً خلف المطرب الواقف على تخت شرقي وسط المطعم التراثي، فيما تتمايل معظم الجالسات في مقاعدهن طرباً وقد انحسرت أغطية الرؤوس الزاهية عن شعور صبغ معظمها بالاشقر. في الخارج، ومع انتهاء الحملة الانتخابية رسمياً منتصف ليل الاربعاء - الخميس، كان ازدحام السير يسد طرقات طهران حتى ساعات الفجر الاولى. هنا لا ينبغي ان تغامر بمد يدك مثلاً من نافذة السيارة للتمتع ببعض النسيم المنعش في ليل طهران القائظ لأن السيارات المجاورة ستكون أقرب إليك من حبل الوريد."دكتر دكتور معين"أو"فقط هاشمي"هما الملصقان الأكثر انتشاراً على سيارات يقودها شبان أرسلوا شعورهم يتحرشون بفتيات رفعن الملصقات نفسها، فيما تنطلق موسيقى صادحة تختلط فيها أصوات موسيقيين ايرانيين وغربيين، مع حضور مميز ل"نانسي عجرم لبنان". سيارات كثيرة أخرى التزمت الحياد تعبيراً عن لا مبالاة واضحة."لن أصوت لأحد"كان جواب كثيرين ممن جعلتنا الزحمة الخانقة نجاورهم."هؤلاء مجانين"قال الرجل الاربعيني في السيارة المجاورة مشيراً إلى سيارة أمامنا خرج من نوافذها شبان يلوحون بصور هاشمي رفسنجاني، فيما رطنت زوجته بغضب واضح بكلمات فارسية فهمنا منها اسم بهلوي الذي تردد مرات عدة في ما بعد. خيبة الأمل كبيرة من وعود محمد خاتمي التي لم تتحقق خصوصاً بين النساء اللوات تشكلن 60 في المئة من خريجي الجامعات واللواتي لعبن دوراً بارزاً في انتخابه. إلا أن الاهة كولائي الناطقة الرسمية باسم حملة المرشح الاصلاحي مصطفى معين تعتبر أن خاتمي أدخل تغييرات كثيرة في السنوات الثماني الماضية في حياة الإيرانيين، خصوصاً النساء منهم، غير أن التوقعات كانت أكثر مما يمكنه فعله. ومن الأمثلة على التغييرات التي حصلت منذ انتخاب خاتمي للمرة الاولى عام 1997 دخول المرأة وظائف كانت حكراً على الرجال، والسماح لمشجعات كرة القدم بالدخول إلى الملاعب. كما أدخلت تعديلات على بعض قوانين الأحوال الشخصية وخففت القيود على التقيد بالزي الاسلامي. إلا أن الشكوى لا تزال قائمة من قوانين تميز ضد المرأة. الغضب نفسه ينسحب على الشباب. على جدران جامعة"علامة طباطبائي"شعارات تحيي تشي غيفارا. داخل الجامعة رفع"مكتب تعزيز الوحدة"الطالبي الإصلاحي الراديكالي لافتات تدعو إلى مقاطعة الانتخابات وإطلاق المعتقلين السياسيين. وهي دعوة تلقى رواجاً في أوساط الشباب في بلد ثلثي عدد سكانه البالغ 68 مليوناً دون الثلاثين، ويشكل فيه هؤلاء نحو 23 مليوناً من مجمل الناخبين. 87 في المئة من هذه الفئة العمرية عاطلون من العمل. يؤكد علي رضا، النادل في مطعم فندق"استقلال"أنه لن ينتخب أحداً"لأن الجميع غير قادر على تنفيذ ما يعد به"، ويحلم بالسفر إلى الولاياتالمتحدة. ويتوقع مراقبون أن ينعكس هذا الغضب إحجاماً عن الاقتراع أو تصويتاً انتقامياً لمصلحة رفسنجاني، ليس حباً به، بل اعتقاداً بأنه الأقوى والأكثر قدرة على مواجهة المحافظين والمؤسسة الدينية الحاكمة. في شارع"ولي عصر"أنزلت الفتاة العشرينية زجاج سيارتها."سأنتخب جورج بوش"، قالتها بلكنة أميركية قبل أن تنطلق مسرعة. { يتوجه الناخبون الايرانيون اليوم إلى صناديق الاقتراع من اجل اختيار الرئيس التاسع للجمهورية الاسلامية بين سبعة مرشحين مختلفي التوجهات، في عملية يصعب التكهن بنتائجها ووسط إجراءات أمنية غير اعتيادية وضغوط دولية كبيرة تتعرض لها طهران. ووجه الرئيس جورج بوش انتقادات حادة الى طهران, واصفاً الانتخابات الايرانية بأنها جائرة ووليدة نظام ذكوري"يخنق الحرية في الداخل وينشر الارهاب في الخارج".