يواجه الاتحاد الأوروبي أزمتين مؤسساتية ومالية غير مسبوقتين، توحيان في نظر البعض باحتمال نهاية المشروع السياسي الأوروبي في صيغته المعهودة، أقله خلال فترة معينة تحتاجها البلدان الأعضاء لإعادة التفكير في مدى القناعات المشتركة وجدوى الحديث عن"النموذج الأوروبي"وحدود توسيع الاتحاد في المستقبل. واستبق رئيس وزراء لوكسمبورغ جان كلود جينكير القمة الأوروبية المقررة في بروكسيل اليوم وغداً والتي تتولى بلاده رئاستها الدورية، بتوقع"استحالة"وصول القادة الاوروبيين إلى حل وسط في شأن الموازنة المشتركة للاتحاد للأعوام المقبلة. وتعد مسائل الموازنة حيوية لأنها تحدد مستقبل تمويل برامج انماء البلدان الشرقية التي دخلت الى الاتحاد في مطلع أيار مايو 2004. وتضاعف مشكلات عجز الموازنة أزمة الثقة التي تفجرت إثر رفض الغالبية في كل من فرنسا وهولندا الدستور الأوروبي. وتفيد عمليات استطلاع الرأي، بأن موقف الرفض في البلدين تحول إلى"عدوى"مناهضة للمشروع الجماعي في كل من بريطانيا والدنمارك وجمهورية التشيك وبولندا، بعدما كانت حكومات تلك الدول خططت لاجراء استفتاءات على الدستور. وأمام احتدام الأزمة، دعا رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو إلى"وقفة تأمل"للبحث في الردود المناسبة واستطلاع"حدود الاتحاد الأوروبي في المستقبل". ورأى أن"من الضروري أن تأخذ الدول التي ستجري استفتاءات وشيكة على الدستور الوقت الكافي لاعتماد وسائل مناسبة لتحقيق نتائج إيجابية". ويعكس كلام باروسو"محاولة فهم اللاءات الفرنسية والهولندية"ضد الدستور. وفي وقت تلوح مواجهة حقيقية بين رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي يرفض التنازل عن حق بلاده في استرداد جزء من مساهماتها في الاتحاد ويعارض سياسة دعم القطاع الزراعي الاوروبي، وبين الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي يتمسك بالإبقاء على قيمة الحصة المالية الكبيرة التي يستفيد منها المزارعون في بلاده، يتفق خبراء على أن أزمة الموازنة الأوروبية ناجمة أساساً من أن"الرأي العام لم يستوعب موجة ضم الاتحاد عشرة بلدان دفعة واحدة العام الماضي"، كما يرفض"توسيع الاتحاد ليضم تركيا مستقبلاً". لذا شدد باروسو على"وجوب الأخذ في الاعتبار مسائل الهوية وقدرة استيعاب الاتحاد". وقد تكون المناقشات الجارية من أجل تأجيل عمليات المصادقة على الدستور والمساومات في شأن الموازنة، تعكس حدود المشروع الجماعي الذي اتسع من دون مشاورة شعوب البلدان الأعضاء، و"حان تصويبه"بالنسبة إلى الذين منحوا فرصة التعبير عن رأيهم، في الاستفتاءات. ويجد زعماء الاتحاد اليوم أنفسهم أمام أزمة مزدوجة: مؤسساتية تعكس عزوفاً عن تصور المشروع السياسي، ومالية تقيد هوامش التحرك بالنسبة الى كل منهم. ويواجه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير غالبية نظرائه لأنه يرفض التنازل عن المبالغ التي تستردها بلاده منذ 1984 من الخزانة المشتركة، ويشترط مراجعة موازنة السياسات الزراعية التي تستفيد منها فرنسا والبلدان الشرقية.