تعتبر الولاياتالمتحدة الأميركية أكبر مستهلك للنفط في العالم حيث تستهلك يومياً أكثر من 20 مليون برميل يومياً م ب ي من أصل حوالى 80 م ب ي يستهلكها العالم، أي بنسبة 25 في المئة مع الاشارة الى ان الاحتياطي النفطي الأميركي في تناقص مستمر مما يؤدي الى زيادة سنوية في استيراداتها حيث تبلغ حالياً أكثر من 55 في المئة من مجموع استهلاكها وتمثل المكسيك وكندا وفنزويلا ونيجيريا والمملكة العربية السعودية أكبر المصدرين. انماط الأسعار والاستهلاك وللمقارنة في نمط الاستهلاك، فإن معدل استهلاك الفرد في الصينوالهند لا يزيد عن 1.1 - 1.2 برميل سنوياً في حين يستهلك الفرد في بلد أوروبي صغير مثل البرتغال 13 برميلاً سنوياً بالمقارنة مع 27 برميلاً يستهلكها الفرد الأميركي! وبالنسبة الى البنزين الغازولين، فإن الفرد الأميركي يستهلك حوالى 3 غالونات يومياً مقارنة ب102 في بريطانيا، 0.5 في البرازيل، 0.1 في الهند، 0.8 في روسيا، 0.2 في الصين و0.1 في بلد نفطي كبير مثل نيجيريا. ارتفعت أسعار النفط العالمية من حوالى 28 دولاراً للبرميل نفط برنت في بحر الشمال في أواخر العام الماضي لتصل الى حوالى 54 دولاراً في أواخر شهر نيسان ابريل الماضي. وهكذا بالنسبة الى النفط الأميركي WTI وارتفع سعر البنزين في أميركا من معدل 1.5 دولار للغالون ليصل الآن الى حوالى 2.3 دولار وبلغ في بعض الولايات الأميركية مثل كاليفورنيا أكثر من ثلاثة دولارات للغالون. وبما ان الضرائب والرسوم التي تفرض في أميركا هي أقل بكثير مما تفرضه الدول الأوروبية، فإن الأسعار الحالية في بلدان أخرى تبلغ 6.66 دولار في النروج، 5.68 في فرنسا، 3.29 في الهند، 2.05 في روسيا، 1.78 في الصين و0.47 في ايران. اوبك: الامكانات والمسؤولية تصاعدت الأصوات في أميركا، وكالمعتاد، بإلقاء اللوم على منظمة الأوبك مطالبة اياها بزيادة الانتاج، وكأن المعضلة الرئيسة تكمن في نقص العرض عن الطلب، على رغم ان دول الأوبك تنتج بطاقات عالية تبلغ الآن حوالى 30 م ب ي . والأهم من ذلك فإنه لم يتبق لها - وكذلك للدول المنتجة خارج المنظمة - أية طاقة انتاجية تذكر باستثناء المملكة العربية السعودية - وهو ما سنتطرق اليه لاحقاً - لأن الأمر الطبيعي والمنطقي لهذه الدول هو برفع انتاجها لأقصى معدلاته من أجل مضاعفة ايراداتها النفطية ومن دون أية مراعاة لما يسمى بالحصص الانتاجية... فهل يُعقل أن تفوت أية دولة الفرصة على نفسها للحصول على بلايين اضافية من الدولارات؟ توجهت الأنظار في أميركا وفي شكل خاص صوب المملكة العربية السعودية وكأن مفاتيح الحل الآتي في أيديها من أجل رفع معاناة الفرد الأميركي وتخفيض سعر البنزين... وأعلن الرئيس الأميركي جورج بوش أنه سيطالب الأمير عبدالله ولي العهد السعودي بزيادة انتاج المملكة الى الطاقات القصوى وذلك خلال زيارة الأخير الى أميركا في الأسبوع الأخير من شهر نيسان ابريل الماضي ولكن الوفد السعودي أفلح في ايصال الموقف الصحيح الى أميركا متمثلاً بما يأتي: 1 - ان انتاج المملكة قد تم رفعه كثيراً عن معدلاته السابقة متجاوزة بكثير حصتها المقررة في منظمة الأوبك بحيث يصل انتاجها الحالي الى حوالى 10 م ب ي. 2 - ان ما يسمى بالطاقة الفائضة الحالية لدى المملكة والتي تتراوح بين 1.00 - 1.4 م ب ي هي لانتاج النفط الثقيل غير الملائم للمصافي الأميركية. 3 - ان صادرات النفط السعودي الى أميركا هي بحدود 1.5 م ب ي من اجمالي الاستيرادات الأميركية والتي تزيد عن 10 م ب ي. 4 - ان المشكلة الحقيقية تكمن في داخل أميركا من حيث نقص طاقة التصفية لديها وعدم قدرة تلك المصافي على انتاج المشتقات النفطية بالمواصفات المتشددة التي تصر عليها بعض الولايات مثل كاليفورنيا. وهكذا، فإن الوفد السعودي أوضح لأميركا والعالم أنه لا يمتلك العصا السحرية لمواجهة الأزمة على المدى القصير في ما يتعلق بزيادة الانتاج ولكنه بين خطته الطويلة المدى وسعيه لرفع الانتاج الى 12 م ب ي في عام 2009 والى 15 م ب ي بحلول عام 2015 في حال توافر الطلب العالمي لذلك. التصورات الأميركية بعد انتهاء اللقاءات مع الوفد السعودي أعلن الرئيس الأميركي خططاً يمكن بحسب رأيه أن تعالج الأزمة ولكن باعترافه لا تتضمن أية معالجات على المدى القصير، وتتمثل خططه بتشجيع انشاء المصافي داخل أميركا ويخصص قواعد عسكرية قديمة لانشائها فيها والسعي لتطوير الانتاج من الاسكا - على رغم معارضة مناصري حماية البيئة - وانشاء محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية وبناء موانئ لاستيراد المزيد من الغاز المسال حيث لا يوجد حالياً أكثر من خمسة موانئ فقط والهدف رفعها الى 30. وللمزيد من الايضاح حول الموضوع نورد ما يأتي: 1 - ان الأسباب الحقيقية هي أسباب أميركية أكثر مما لها علاقة بالعرض والطلب... وقد يستغرب البعض أن يعلم أنه لم يتم ومنذ ثلاثين عاماً انشاء مصافٍ جديدة في أميركا، باستثناء اضافات وتحسينات محدودة للمصافي القديمة. 2 - اصدر ومنذ سنوات - عدد من الولايات الأميركية وعلى رأسها كاليفورنيا - تعليمات مشددة حول مواصفات المشتقات النفطية من أجل الحفاظ على البيئة، ولا توجد سوى طاقة محدودة قادرة على توفيرها ولم يتم توسيعها خلال هذه السنوات لمواجهة الطلب المتنامي... كما وتعجز المصافي في أوروبا عن المساعدة في ذلك أيضاً. 3 - عندما قامت أميركا بإعلان الحرب على العراق، فإنها توقعت معدلات عالية من انتاج النفط العراقي وتصورت ان معدل الانتاج بعد الحرب عام 2003 سيكون 3 م ب ي ويمكن مضاعفته خلال سنتين أو ثلاث وهو أمر ثبت عدم صحته بل ان الانتاج العراقي هبط الى أقل من 2 م ب ي ولا يمكن أن يصل الى 6 م ب ي قبل عام 2012. 4 - أعلن المحافظون الجدد قبل أكثر من سنتين على اضمحلال دور النفط في الشرق الأوسط والنفط السعودي على وجه الخصوص ليحل محله النفط الروسي ولاحقاً العراقي وعملوا على تهميش دور المملكة العربية السعودية... وقد ثبت الآن وبعد محدودية تطوير انتاج الدول خارج الأوبك ان النفط العربي سيبقى عاملاً أساسياً. 5 - ان معدلات الزيادة في الطلب على النفط تتراوح بحسب مختلف المصادر بين 1.8 - 2.5 م ب ي ولا يتوقع ان يتوافر من ذلك أكثر من مليون ب ي من خارج دول الأوبك، كما ان عدداً من دول الأوبك ستعاني تدريجاً هبوطاً في معدلات انتاجها. 6 - يبدو ان العالم لم يكتشف الا اخيراً أن الصين - وبدرجة أقل الهند - سترتفع معدلات استهلاكها بنسب متصاعدة باستمرار تنامي معدلات النمو الاقتصادي والتي وصلت في الصين أخيراً الى ما يقرب من 9 في المئة. السعر الحقيقي للنفط 7 - ان الأسعار الحقيقية للنفط هي أقل مما تظهره الأرقام ولأسباب مختلفة منها: - تآكل قيمة الدولار وهبوطه بالمقارنة مع اليورو بحوالى 30 في المئة، وبالتالي فإن سعر النفط - والذي يعتمد الدولار كعملة للبيع - مقدراً باليورو لم يرتفع الى المعدلات العالية. - يلعب المضاربون في أسواق البورصة دوراً كبيراً في أسعار النفط من خلال تعاملاتهم بصيغ مختلفة ويقدر البعض حجم ذلك بين 7 - 10 دولارات للبرميل. - ان سعر سلة نفط الأوبك ونفوط الشرق الأوسط في شكل خاص أقل من أسعار النفوط الأميركية وبحر الشمال بمقدار يصل الى حوالى 7 دولارات وأكثر... وعلى سبيل المثال فإن سعر نفط البصرة في العراق يسعر على أساس النفط الأميركي أو بحر الشمال مطروحاً منه 7 - 9 دولارات وأحياناً تصل الى 12 دولاراً. ويبقى السؤال عن المستقبل. فبالنسبة الى أميركا، لا توجد حلول قصيرة الأمد والصيف على الأبواب حيث يرتفع استهلاك البنزين كثيراً. يتوقع البعض أن يستمر تصاعد الأسعار الى 80 وربما 100 دولار ولكن هناك البعض الآخر ممن يتوقع هبوطها ولكن حتماً ليس الى المعدلات التي كانت عليها سابقاً. الفرصة الآن سانحة للدول المنتجة لاستثمار مواردها النفطية المتنامية في تنويع اقتصادياتها وتطويرها وبناء البنى التحتية وتنمية الموارد البشرية. فهل يحدث هذا؟ أم سنبقى دائماً في المؤخرة؟ وزير النفط العراقي الأسبق، شركة السنام للاستشارات النفطية والاقتصادية.