صخب وضجة وصيحات عالية استوقفت المتجولين في معرض سوق السفر العربي، الذي استضافته دبي في الأيام الماضية. سألوا عن مصدر الجلبة، فتبيّن انه الجناح النيوزيلندي، حيث احتشد جمهور المتفرجين حول شبان مفتولي العضلات وفتيات جميلات يرقصون"الهاكا". هي رقصة الحرب التي تعبّر عن سكان"نيوزيلاندا"الأصيلين، قبائل الماوري، التي استخدمت في زمن بعيد لحضّ القبائل على مواجهة المستعمر الأوروبي القادم تحت مظلة"الاستكشاف"و"ترويض"الثقافات الأصيلة. على اية حال، تقول آنيتي ويهي، إحدى الفتيات المشاركات في الرقصة، ان"بلادنا اليوم بلاد سلام، لكننا لا نزال نرقص الهاكا لأنها جزء من تراثنا وهي تحمي أساطيرنا ولغتنا من الذوبان". ترقص آنيتي مع شبان وشابات آخرين كوّنوا فرقة اسمها"غرين ستون"، أو الحجر الأخضر، الذي تعلّق رمزه في قلادة في صدرها:"ترمز هذه القلادة إلى روح الحياة". أتت ال"غرين ستون"إلى دبي لتستغل وجود مئات الجنسيات المشاركة في معرض يستقطب شركات السياحة العالمية والفنادق من قارات العالم كافة، من أجل"أن نبيّن للجميع ثقافة شعب نيوزيلندا الأصلية ونسهم في الترويج لبلدنا كي يأتي السيّاح إلينا". وتحتوي"الهاكا"على مزيج من الدلالات الأسطورية والواقعية المرتبطة بطقوس الحرب. وإذا كانت، في جوهرها، رقصة ذكورية تعتمد كثيراً على قدرة الرجال على الغناء بصوت عال يخيف الأعداء ويصل إلى الحلفاء في أماكن بعيدة، إلا إنها مستمدة، على ما تقول آنيتي، من"السطوة الأنثوية التحريضية التي للمرأة على الرجل". وتقول:"وجود النساء ضروري في هذه الرقصة لأنه يحمّس الرجال على خوض الحرب". وتروي آنيتي قصة تعود إلى زمن سحيق، إلى بدايات"الهاكا":"قرر القائد تينيرو، أحد مؤسسي الهاكا، أن ينتقم من أحد المستكشفين الأوروبيين الذين قتلوا عدداً كبيراً من سكان قريته. لكنه لم يكن يعرف عن هذا المستكشف شيئاً سوى أنّ له أسناناً بارزة. لذلك أرسل إلى المكان الذي استوطن فيه مجموعة من الفتيات رقصن الهاكا وجذبن انتباه المستكشفين وابتساماتهم. الابتسامة كشفت عن ذي الأسنان البارزة، فعادت الفتيات وأخبرن القائد عن أوصافه، فأرسل الرجال الذين قتلوه منتقمين لأبناء جلدتهم". الخوف الذي بدا ظاهراً في عيون رجال الأعمال المحتشدين حول شباب"الهاكا"، لم يكن نتيجة تلك القصة، ولم يمنعهم من الابتسام! تضحك الفتاة قائلة:"بالتأكيد لا. أعتقد أنهم فقط مذعورون من صيحات الشبان". تعترف السلطات النيوزيلندية بقبائل الماوري ولغتها وتقاليدها، وتجد في ثقافتها جاذباً سياحياً أساسياً، بل إنها تستخدم ملامح هذه الثقافة، ومنها رقصة"الهاكا"، للترويج لاسم نيوزيلندا وربطه بسمة خاصة:"فريق كرة القدم النيوزيلنديALL BLACKS استمد شهرته من رقص لاعبيه الهاكا في الملاعب الخضر"!