أقدم الرئيس الأميركي جورج بوش على مبادرة مفاجئة باستقباله وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه، خلال أول زيارة رسمية له الى واشنطن، للقاء نظيرته الاميركية كوندوليزا رايس. وتوجه بارنييه الى البيت الأبيض للاجتماع مع مستشار الأمن القومي ستيفان هادلي، حيث فوجئ باستقبال بوش له لمدة نصف ساعة، كونه لم يكن يتوقع هذا اللقاء. وتشكل مبادرة بوش هذه مؤشراً على أهمية فرنسا بالنسبة للولايات المتحدة. وفي هذه المرحلة حيث جاء القرار 1559 لإخراج سورية من لبنان واعادة السيادة الى هذا البلد، بمثابة مصالحة فرنسية - أميركية بعد خلافهما حول العراق. ويبدو ان الجانب الاميركي مهتم بالحفاظ على وحدة الصف الفرنسي - الاميركي على صعيد الملف اللبناني والسوري، إلا ان وحدة الحال بين باريسوواشنطن في مرحلة ما بعد الانتخابات ستصل الى مفترق طرق. ففرنسا تتخوف من رغبة الولاياتالمتحدة بتجريد سلاح"حزب الله"مباشرة بعد تشكيل حكومة منبثقة من الانتخابات، إذ انها مدركة ان مثل هذه الخطوة تؤدي الى وضع خطير، لبنان بغنى عنه. وتحاول باريس اقناع الادارة الاميركية بأن الأولوية الآن ينبغي ان تعطى لمسألة إدخال"حزب الله"تدريجياً في اللعبة السياسية، وان الحزب ينبغي ان يسلم سلاحه الى الجيش اللبناني يوماً ما، ولكن ليس في المرحلة الراهنة. وترى باريس ان لبنان في حاجة الى استقرار أمني وسياسي، وهو الآن بغنى عن مواجهة عسكرية بين أبنائه. وتبعث فرنسا عبر الديبلوماسية الايرانية رسائل الى"حزب الله"تحثه على العمل على توحيد الصف الداخلي اللبناني والدخول في اللعبة السياسية. ورغم كون الرئيس الفرنسي جاك شيراك حليفاً للولايات المتحدة في اطار القرار 1559، فإنه لن يقبل، بعد ان حصل لبنان على استقلاله، بتغيير الأجندة ووضع لبنان تحت وصاية معينة وجره الى اتفاق منفصل مع اسرائيل. فهذا لا يخدم الديموقراطية التي تسعى الادارة الاميركية الى نشرها كما يزعزع الاستقرار اللبناني. أما عودة العماد ميشال عون الى لبنان فلا يجوز ان تكون خميرة انقسام مثلما يتخوف البعض في الأوساط الفرنسية المسؤولة. فعون عاش في المنفى لمدة 13 سنة واصبحت له خبرة في الاستراتيجية الدولية، خصوصاً في الدول الكبرى مثل الولاياتالمتحدة. ومثلما رفض عون الوصاية السورية على لبنان، ينبغي عليه ان يكون حذراً جداً حيال مطالب اميركية تخدم الأجندة الاسرائيلية في هذه المرحلة عبر تجريد"حزب الله"من سلاحه مباشرة. فلا أحد في لبنان يريد حرباً جديدة، وهذا الموضوع ينبغي ان يحل على المدى المتوسط عبر الحوار السياسي وعبر دمج المقاومة بالمعادلة السياسية للبلاد. وكان رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري أدرك ذلك، لذا أبقى على حوار منتظم مع حسن نصرالله، مما قد يكون أحد الأسباب التي أدت الى اغتياله. أما المسألة الحساسة الأخرى بين باريسوواشنطن فتتعلق بسورية التي ترغب الإدارة الاميركية بإبقاء الضغوط الكبيرة عليها. وفرنسا لا تعارض ذلك إذا استمرت سورية في التدخل في الشؤون اللبنانية وابقت على نهجها السابق حيال لبنان، لكنها ترفض رفضاً باتاً مبدأ تغيير النظام السوري. وإذا شعرت فرنسا ان هناك خلفية في التحرك الاميركي لتغيير النظام السوري، فإنها ستتصدى لذلك، علماً بأن الأمور لم تصل الى هذا الحد بعد. فالادارة الاميركية تضغط على سورية لتغيير نهجها في لبنان وفي العراق وعلى صعيد"حزب الله"والفصائل الفلسطينية الرافضة أي سلام مع اسرائيل. أما فرنسا، فتريد الضغط على سورية من اجل لبنان فقط لا غير. ورغم صعوبة تصور أي تطبيع في العلاقات بين شيراك والرئيس السوري بشار الأسد بعد كل ما حصل، فإن فرنسا ستدفع لبنان الى علاقة جيدة ومميزة مع سورية. ووجود فرنسا في إطار الحلف الاميركي على صعيد لبنان وسورية ضمانة للتصدي لأية مجازفة تؤدي الى زعزعة استقرار البلدين.