دخل الاتحاد الأوروبي مرحلة الارتباك والأسئلة في شأن تبعات رفض الفرنسيين الدستور الأوروبي على مواقف الشعوب التي تنتظر دورها للاستفتاء عليه، بعدما كان المسؤولون الأوروبيون ينظرون إليه كأساس لتأمين قدر من الانسجام السياسي والقيمي على الصعيد الداخلي، وتحديد الدور الأوروبي على الصعيد الدولي. ويخشى أنصار مسيرة الاندماج الأوروبي أن يتحول الموقف الفرنسي إلى عدوى، فيرفض الهولنديون بدورهم وثيقة الدستور في استفتائهم المقرر غداً، تليهم شعوب لوكسمبورغ والدنمارك والبرتغال في غضون العام الجاري، وإيرلندا وبريطانيا وبولندا وجمهورية تشيخيا في غضون العام المقبل. مرحلة صعبة وأقر رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو بأن الاتحاد الاوروبي يمر في مرحلة صعبة، ولكنه أصر على"إننا سنصمد أمام التحدي". وأضاف أن هذه اللحظة تتطلب"رؤية وعزماً"من زعماء أوروبا. وفي بروكسيل، قال رئيس وزراء لوكسمبورغ جان كلود يانكر الذي تترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي أنه يحترم قرار الناخبين الفرنسيين، وإن كان"قلبي يثقله الحزن". واعتبر يانكر أن"تشييد الاتحاد الأوروبي لن يتوقف اليوم"، وأصر على استمرار عملية التصديق على الدستور في بقية الدول الأعضاء في الاتحاد. من جهته، رأى رئيس المجلس الوزاري الأوروبي وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن"وجوب تحليل وفهم ما حدث في فرنسا"في الأيام الجارية، وطالب ب"فهم أسباب ما جرى. فهل هي أسباب تتصل بالوضع الداخلي أم أنها صرخة من أعماق بلد كبير"لدولة من مؤسسي الاتحاد. بين الخوف والتهدئة واعتبر رئيس الوزراء الهولندي جان بيتر بالكنيندي أن الهزيمة التي مني بها الدستور الأوروبي في فرنسا، ليست سبباً يدعو للتشاؤم في شأن الاستفتاء المقرر في هولند، على رغم أن استطلاعات للرأي كشفت عن رؤى متشككة في المعاهدة الأوروبية. ودعا شعبه إلى التصويت ب"نعم"على الدستور الأوروبي. وقال رئيس وزراء فنلندا ماتي فانهانين إن حكومته ستمضي قدماً مع خططها للحصول على موافقة البرلمان على الدستور في الخريف. وقال رئيس الوزراء الدنماركي أندريس فوغ راسموسن:"من الطبيعي أن نحترم قرار الشعب الفرنسي، غير أن من المهم أن يتمكن الدنماركيون من دراسة الدستور في الخريف". وأضاف أن الاستفتاء الدنماركي ما زال مقرراً في 27 أيلول سبتمبر المقبل. وفي دبلن، أعلنت السلطات الإيرلندية أنها ستمضي قدماً في الاستفتاء الخاص بها بشأن الدستور الأوروبي، على رغم الرفض الفرنسي الشعبي له. وقال ناطق حكومي:"من جانبنا فالحكومة تواصل الاستعداد للتصديق على الدستور الأوروبي بحلول الموعد المستهدف في تشرين الثاني نوفمبر 2006". مناقشة النتائج وقال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إن"من المبكر للغاية أن نقرر ما إذا كان ينبغي على بريطانيا طرح مسألة الدستور الأوروبي الموحد للتصويت في استفتاء"، وأضاف أن قمة الاتحاد المقرر عقدها في حزيران يونيو المقبل ستتيح للزعماء الأوروبيين الفرصة"لمناقشة نتائج"رفض الفرنسيين للدستور. وكان وزير الخارجية البريطاني جاك سترو رأى أن رفض فرنسا للدستور الأوروبي أثار أسئلة عميقة في شأن مستقبل الاتحاد ولا بد من أن تليه فترة من التأمل. وقال إن بلاده ستحترم نتيجة الاستفتاء الفرنسي، ولكنه امتنع عن القول ما إذا كانت لندن ما زالت تعتزم إجراء الاستفتاء الخاص بها في شأنه العام المقبل. وأعلن المستشار الألماني غيرهارد شرودر عن أسفه لرفض الفرنسيين الدستور الموحد، وحذّر من أن الأسباب وراء الرفض يجب أن"تخضع للتحليل المفصل"، وقال شرودر إن"نتيجة الاستفتاء ضربة للعملية الدستورية ولكن ليس نهايتها، وهي ليست أيضاً نهاية الشراكة الألمانية - الفرنسية في أوروبا ومن أجلها". وفي العاصمة الإيطالية روما حيث وقع الدستور وسط مظاهر احتفالية ضخمة قبل سبعة أشهر، قوبل قرار الناخبين الفرنسيين بعدم الرضا. وقال الرئيس الإيطالي كارلو أزيليو تشامبي إنه شعر"بالأسف الشديد للنتيجة السلبية"في فرنسا، ووصفها في بيان بأنها"نكسة". وامتنع رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني عن التعليق. وأكدت الحكومة الإسبانية أن عملية التصديق على الدستور الموحد يتعين إكمالها على رغم الرفض الفرنسي. وقال ناطق باسم رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيث ثاباتيرو إن"رفض الدستور في فرنسا ليس خبراً ساراً، لكنه ليس كارثة". وقال الناطق إن رئيس الوزراء طمأن الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى أن الاتحاد الأوروبي سيتغلب على الأزمة الحالية كما نجح في التغلب على أزمات أخرى في الماضي. بدورها، أعربت بلغاريا عن أسفها للنتيجة الفرنسية، لكنها رأت أن الاتحاد الأوروبي سيتجاوز الأزمة. وقال وزير الخارجية البلغاري سولومون باسي في صوفيا"إن توحيد أوروبا عملية استراتيجية طويلة المدى لا يمكن أن يعوقها استفتاء أو آخر". وأعرب رئيس وزراء اليونان كوستاس كارامانليس عن قلقه للموقف الفرنسي من الدستور الجديد، مؤكداً أن"هذا التطور سبب قلقاً في أثينا". أما في السويد، فقال رئيس وزراء السويد غوران بيرسون إن الرفض الفرنسي يمثل"انتكاسة خطيرة للتعاون الأوروبي"، غير أنه لن يوقف المصادقة المقررة في البرلمان السويدي في نهاية العام. وأضاف أن"الفرنسيين يصوتون لأنفسهم وإننا نصوت لأنفسنا". أوروبا الشرقية من جهته، قال رئيس وزراء بولندا ماريك بيلكا الذي انضمت بلاده أخيراً إلى الاتحاد الأوروبي، إن وارسو ستبقى ملتزمة بعملية التكامل الأوروبي على رغم رفض فرنسا للدستور المقترح. واعتبر أن الرفض هذا"لا يمثل كارثة"بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. وبينما اعترف بعدم تأكده لما يمكن أن يسفر عنه القرار الفرنسي من عواقب، قال رئيس وزراء بولندا:"نحن نأسف لذلك. لكنه قرار سيادي للشعب الفرنسي". وفي تشيخيا، أشاد رئيس حزب الديموقراطيين المدنيين اليميني أكبر حزب معارضة في البلاد ميريك توبولانك، برفض الفرنسيين للدستور الجديد، ووصفه بأنه"فرصة جديدة"للاتحاد الأوروبي لتفهم التحديات الجديدة للقرن الواحد والعشرين. تركيا واتسم رد فعل تركيا تجاه رفض الفرنسيين لمعاهدة الدستور الأوروبي الجديد بالهدوء. وقال كبار المسؤولين إن هذا لن يؤثر على مساعي أنقره الهادفة إلى الانضمام إلى الاتحاد. وقال نائب رئيس الوزراء عبداللطيف سينير:"أمامنا طريق طويل"، مشيراً إلى محادثات الانضمام إلى الاتحاد المقررة أن تبدأ في الثالث من تشرين الأول أكتوبر المقبل. وقال وزير الخارجية التركي عبدالله غول إنه"لا توجد صلة"بين رفض فرنسا للدستور الاوروبي الجديد وآمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد. وأضاف:"دائماً تتغير الحكومات في الاتحاد الأوروبي.الأحزاب تأتي وتذهب ومثل هذه الأشياء لا تؤثر علينا". وامتد هذا التفاؤل إلى حلمي أوزكوك رئيس أركان الجيش التركي الذي قال إن"الاتحاد الأوروبي منظمة كبيرة ورفض الدستور مشكلة كبيرة... لكن الاتحاد قادر على تخطي هذه المشكلة. ويتحتم عليه أن يتخطاها".