صيف مصر الساخن ازدادت حرارته بفعل المواجهة المحتدمة بين الحكم وقوى المعارضة، سواء التي تتمتع بصكوك الشرعية كالأحزاب الرئيسة: الوفد والتجمع والناصري والغد، أم تلك التي تحظى بحضور في الشارع كجماعة"الإخوان المسلمين"، أو التي جذبت الأضواء وفرضت نفسها على وسائل الإعلام كپ"الحركة المصرية من أجل التغيير"المعروفة باسم"كفاية". وكطرفي المقص يبدو أن الطرفين الحكم والمعارضة يسيرات في اتجاه عكس الآخر، قوى المعارضة التي زادت من ضغوطها على الحكم واختارت التصعيد لتحقيق رؤاها في شأن قضية الإصلاح السياسي فقاطعت الاستفتاء على التعديل الأسبوع الماضي وتفادت اتخاذ موقف آخر بدعوة المواطنين الى المشاركة في الاستفتاء مع التصويت بپ"لا"، أي رفض الصيغة المطروحة للتعديل الدستوري والتي ترى فيها المعارضة شروطاً تعجيزية لا تسمح سوى للحزب الحاكم بطرح مرشح للاستحقاق الرئاسي. لم تقدم المعارضة بديلاً وفضلت السير في محاولة دفع الحكم الى الهاوية متعمدة إحراجه في مرحلة يواجه ضغوطاً خارجية وانتقادات لبطء عملية الاصلاح التي يسير بها. وفي المقابل مضى الحزب الوطني الحاكم في الطريق الذي اختاره غير مكترث بتحركات المعارضة، معتبراً أنها"مجرد ابتزاز للحصول على مكاسب سياسية"، واكتفى باستقطاب الأحزاب الصغيرة لتجميل الصورة، ومواجهة تظاهرات"كفاية"بتظاهرات مضادة فتحول الأمر الى ساحة عراك جذبت الاضواء وعدسات الفضائيات التي توجهت لنقل ما يجري من اشتباكات تظاهرية وتركت لجان الاقتراع للتلفزيون الرسمي. والمؤكد أن خطوة المعارضة لن تؤدي الى اسقاط النظام الذي ما زال يمتلك آليات تمنحه فرصة إتمام الاستحقاق الرئاسي. وفي كل الاحوال، فإن اتمام الاستفتاء في غيبة المعارضة بعدما حصل الحكم على نصر قضائي عندما رفضت محكمة القضاء الاداري طعوناً قدمت لمحاولة الغاء الاستفتاء صب في النهاية لمصلحة الحزب الحاكم حتى وإن لم تشارك فيه أعداد كبيرة من المواطنين، علماً أن الآلة الإعلامية الحكومية نجحت في تسويق الاستفتاء وإحراج المعارضة خصوصاً على مستوى الشارع المصري دون الخارج وتصويرها على أنها فرت من المعركة ولم تصمد. وعبارات النقد الموجهة الى مواقف أحزاب الوفد والناصري والتجمع احتلت أماكن بارزة ضمن الحملة، أما"الإخوان"فإن تجاهلهم سياسياً كان الخيار الأفضل والتعاطي معهم أمنياً بتصعيد الحملات ضد ناشطيهم ظل سياسة ثابتة. أُدخلت عليها بعض التعديلات في الاسابيع الاخيرة بعدما تجاوز"الاخوان"الخط الاحمر وقرروا النزول الى الشارع فكان العقاب بالقبض على ناشطيهم أولاً ثم رفع"السقف النضالي"للحملات ضد قادة من الوزن الثقيل مثلما كانت الحال مع الامين العام للجماعة الدكتور محمود عزت ومن قبله القيادي البارز الدكتور عصام العريان. وعلى رغم الاعتقاد بأن موقف أحزاب المعارضة مقاطعة الاستفتاء اتفق مع رؤى"الإخوان"ووضع قوى المعارضة كلها في سلة واحدة، إلا ان التناقضات بين الاحزاب والاخوان تجعل التقارب بينهما بعيد المنال. فالتجمع والوفد يتبنيان موقفاً مشدداً ضد التعامل أو التنسيق مع الجماعة، في حين أن للناصري مبررات للتواصل مع الاخوان كما أن الكتلة التصويتية الكبيرة لپ"الاخوان"وشعور الجماعة بحضورها في الشارع يمنحها الثقة في عدم الحاجة الى غطاء شرعي قد يمنحه لها التحالف مع تلك الاحزاب، وكل ذلك يصب في مصلحة الحزب الحاكم الذي سيكسب من تناثر المعارضة وتفجر التناقضات بينها، وهو كان حقق نصراً محدوداً في ذلك المجال عندما اجتذب أحزاب المعارضة الى أرضيته ودخل معها في حوار حول أسس الإصلاح السياسي، فسحب الحزب الوطني الاحزاب بعيداً من"الإخوان". لكن ما يثير الاستغراب هو ان الحزب الحاكم لم يستثمر ذلك النصر وظل متمسكاً بآلياته القديمة رافضاً منح أحزاب المعارضة أي ثمن مقابل قبولها بالحوار معه وبعدها عن"الإخوان"، فكانت النتيجة الطبيعية أن تقود المعارضة جميعاً أحزاباً وإخواناً وكفاية الى الوقوف في وجه"الوطني"والحكومة... والدولة. لكن السؤال الذي يُطرح حالياً يتعلق بأداء القوى السياسية المصرية في الفترة المقبلة التي ستشهد الانتخابات الرئاسية في أيلول سبتمبر المقبل ثم الانتخابات البرلمانية، واذا لم يكن سراً اهتمام الحزب الوطني بالاستحقاقين، فليس سراً ايضاً أن قوى المعارضة تهتم بالدرجة الأولى بقضية الانتخابات البرلمانية، فهي فقدت الامل في أي قدرة على منافسة الرئيس حسني مبارك في الانتخابات الرئاسية، وعلى ذلك فإن الحراك السياسي في الشارع المصري مرشح للتصاعد. فالحزب الوطني لن يدفع في اتجاه منع أحزاب المعارضة من ترشيح أحد رموزها لمنافسة مبارك بل انه سيسعى الى ذلك ليرسم الصورة ويحافظ على اكمالها ويوحي بأن التعديل الدستوري كانت له فوائده، خصوصاً أن أحزاب المعارضة نفسها تعلم أن قدرتها على المنافسة الرئاسية تكاد تكون معدومة في الانتخابات المقبلة. ان كل ما جرى قبل الاستفتاء على التعديل الدستوري وأثناءه عكس سيناريو المستقبل القريب والاهداف التي ستسعى الى تحقيقها القوى السياسية في المرحلة المقبلة. فالأحزاب الرئيسية التي قاطعت كالوفد، والتجمع والناصري والغد، كان زعماؤها قد شاركوا في حوار مع الحزب الوطني الديموقراطي استمر لفترة وارتضوا باستبعاد جماعة"الإخوان المسلمين"على رغم حضورها القوي في الشارع والمؤثر في أي انتخابات، وسعت تلك الاحزاب من خلال الحوار الى إقناع أقطاب الحزب الوطني بتقديم بعض التنازلات في قضية الاصلاح السياسي وابداء بعض المرونة بخصوص مطالب المعارضة المتعلقة بالحريات العامة والممارسة السياسية، وفي الوقت نفسه أرادت الأحزاب أيضاً أن تقرأ عقل الحزب الوطني وما يخطط له بالنسبة الى الانتخابات البرلمانية، وأملت في أن تضمن مقاعد لها بحصص مقبولة في هذه الانتخابات، وباتت لهجة الاحزاب عالية وطرحت المطالب المعروفة بتغيير الدستور خصوصاً المواد ذات العلاقة باختيار رئيس الجمهورية ومدة ولايته والسلطات التي في حوزته وحرية تأسيس الأحزاب واصدار الصحف وإقرار حق الأحزاب في العمل والتظاهر السلمي والاجتماعات العامة والدعاية الانتخابية وتنقية جداول الناخبين واستبعاد المتوفين منها وتحقيق اشراف حقيقي للقضاء على الانتخابات وتغيير القوانين التي يطلق عليها اسم"القوانين سيئة السمعة"التي تقيد العمل السياسي، وقبل كل ذلك وقف العمل بقانون الطوارئ المعمول به في البلاد منذ العام 1981. لقد قاد الأمين العام للحزب الحاكم رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف فريق الحزب الوطني في الحوار ونجح في الحصول على تنازلات من قادة المعارضة، الى درجة أعلنوا صراحة موافقتهم على تأجيل المطالبة بتعديل الدستور الى ما بعد الانتخابات البرلمانية. ولم يقدم الحزب الوطني لقوى المعارضة شيئاً، وسار في خطته الاصلاحية، بغض النظر عن مطالب المعارضة وآمالها، وأعد مشاريع قوانين خاصة بالانتخابات ومجلسي الشعب والشورى والأحزاب تضمنت بنوداً لم تقبل بها المعارضة بل انها انتقدتها، لكن الحوار استمر ولم يتوقف، حتى جاءت مبادرة مبارك في 26 شباط فبراير الماضي بالطلب من البرلمان تعديل المادة 76 من الدستور، فانفجر الموقف ووافقت الاحزاب على مبدأ التعديل لكنها اعترضت على صياغته وبقي داخل قلوب قادتها شعور بالأسى كون مبارك أعلن مبادرته بعد اقل من اسبوع على اعلان قادة الاحزاب تراجعهم عن المطالبة بتعديل الدستور ما تسبب لهم بحرج شديد، إذ ظهر مبارك والحزب الوطني اكثر حرصاً على السير في الاصلاح السياسي الى درجة تعديل الدستور من احزاب المعارضة التي بدت في الصورة وكأنها دخلت الحوار مع الحزب الحاكم بحثاً عن صفقة تحصل بها على مقاعد في البرلمان المقبل. وربما فسر ذلك رد الفعل الحالي الذي اتسم به موقف الاحزاب الاربعة تجاه الاستفتاء على التعديل الدستوري على رغم فقدانها أي أمل لمناقشة مبارك في الانتخابات الرئاسية المقبلة. أما"الإخوان المسلمون"فكانوا قد أسُتبعدوا عن الحوار الوطني لأن الحزب الحاكم لا يعترف بهم اصلاً، كما ان الدولة تتعاطي معهم باعتبارهم اعضاء في تنظيم غير مشروع، وقد شعر"الاخوان"بأن الاحزاب خذلتهم مرتين: الاولى حين استبعدتهم من لجنة للتوافق بين الحزاب المعارضة تشكلت لإدارة معركة الاصلاح السياسي ضد الحزب الحاكم، ومرة اخرى عندما وافقت الاحزاب على المشاركة في الحوار الوطني من دون"الاخوان"، وكان رد فعل المرشد محمد مهدي عاكف حاداً فهاجم الاحزاب وانتقدها مؤكداً أن"الاخوان"هم القوة الاكثر حضوراً في الشارع وان تجاهلهم في أي مشاريع اصلاحية لا يجدي، وقرر التحول نحو النزول الى الشارع ليفرض"الاخوان"أنفسهم على الجميع. واللافت ان توافق احزاب المعارضة"فشل في تنظيم أيّة تظاهرة بعدما رفضت السلطات منحها تصريحاً بالتظاهر، اما"الاخوان"فقرروا التظاهر من دون تصريح ولم يسعوا الى الحصول على موافقات من أيّة جهة رسمية كي يعبِّروا عن رأيهم ويعلنوا احتجاجهم على استبعادهم وكذلك اعتراضهم على خطط الحزب الوطني الاصلاحية. وكانت الحكومة اعتمدت اسلوباً يقوم على توجيه ضربات اجهاضية الى الجماعة كل فترة بالقبض على رموز فيها وناشطين من عناصرها ممن ترصد اجهزة الامن نشاطاً تنظيمياً لهم، وظل الوضع على ما هو عليه منذ العام 1995 الذي شهد ثلاث قضايا اتهم فيها اكثر من 80 من"الاخوان"، على رأسهم الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والدكتور عصام العريان، أحيلوا على ثلاث محاكم عسكرية، ومنذ ذلك الوقت ظلت الضربات تلاحق"الاخوان"باستمرار، لكن اعتمادهم استراتيجية التظاهرات المتلاحقة اعتبرته السلطة خطاً احمر تم تجاوزه فكان التعاطي معهم أمنياً بالصورة التي جرت، وعلى رغم اصرار عاكف و"الاخوان"على المُضي في الطريق الذي اختاروه لأنفسهم بتصعيد مظاهر الاحتجاج على اساس ان اعتقال عشرات أو مئات أو حتى آلاف من"الاخوان"في فترة قصيرة لا يؤثر كثيراً على نشاط جماعة تتمتع بحضور قوي في الشارع وتملك رصيداً كبيراً من الاعضاء، إلا أن الحقيقة أن"الاخوان"تأثروا بالفعل بالحملة الاخيرة ضدهم، فأجهزة الأمن لم تعتقل رموزهم بصورة عشوائية وانما انتقائية، فغالبية المحتجزين حالياً على ذمة القضية الرقم 604 المتعلقة بالتظاهرات كانت الجماعة تنوي ترشيحهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وعلى ذلك فإن إصرار"الاخوان"على نهجهم واستمرار السلطة في مواجهتهم أمنياً واعتقال رموزهم وحبسهم سيجعل موقف الجماعة في الانتخابات بالغ الصعوبة عندما تبحث عن مرشحين لها فلا تجد، واضافة الى حضورهم القوي في الشارع فإن لدى الاخوان خبرات تنظيمية كبيرة وصوت عالٍ، وأسلوب التظاهرات يحرج النظام ويربكه ويلفت انظار العالم الى الجماعة ويرسخ الاعتقاد بأنها القوة الاكثر انتشاراً وتأثيراً بالمقارنة مع الاحزاب التي تتمتع بالشرعية. وربما يقر الحزب الوطني بالحضور"الاخواني"وتأثير الجماعة في الشارع لكنه في الوقت نفسه لم يغير من اسلوب تعاطيه مع الجماعة إلا في اتجاه التشدد والصرامة في مواجهة انشطتها، فالحزب الحاكم له برنامجه الذي سيسير فيه الى النهاية بغض النظر عن مظاهر الاحتجاج، كالتظاهرات أو المقاطعة. وتندرج"الحركة المصرية من أجل التغيير"التي عرفت باسم"كفاية"في اطار القوى المعارضة فهي تضم مفكرين وسياسيين ونخباً ثقافية وممثلين عن أحزاب وقوى سياسية تعمل بصورة اكثر حرية ضمن إطار الحركة أكثر من عملها داخل القوى التي تنتمي اليها. فصوت الحركة عال وقدرتها على الاتصال بوسائل الإعلام كبيرة، وما تنادي به محل تأييد من الأحزاب الشرعية وجماعة"الإخوان المسلمين"، لكن انفلات بعض هتافاتها يخيف"الاخوان"احياناً، والمؤكد أن نشاط الحركة تحول صداعاً لدى السلطة، وأدى إصرار عناصرها على تصعيد مظاهر الاحتجاج ومواجهة الصرامة الامنية بتكتيك التظاهرات المتحركة من موقع إلى آخر واهتمام وسائل الإعلام الغربية بها، الى لفت النظر اليها وزاد من احتمالات المواجهة بينها وبين الحكم. وفي كل الأحوال فإن الصراع مرشح للتصعيد من الآن وحتى موعد الانتخابات البرلمانية. والجميع ينظرون وعين الكل على نيات"الصديق"أو"العدو"، كل من وجهة نظره، فرفض التدخل الاميركي وفرض اصلاح بعينه من الخارج أمر تتفق فيه المعارضة مع الحكومة لكن التوجهات الاميركية مثلت غطاءً ساعد المعارضة على التحرك بحرية اكبر من أي وقت مضى ووضع قيوداً على الاجراءات التي يمكن للسلطة أن تتبعها للسيطرة على جموح المعارضة في السعي لتحقيق مطالبها، وسيكون الاستحقاق الرئاسي المقبل ومن بعده الانتخابات البرلمانية محل اختبار للجميع: الحكم والمعارضة وأميركا، وإلا لماذا كان كل هذا الاهتمام بتصريح الرئيس جورج بوش واعتراضه على ضرب المتظاهرين؟ المقاطعة تقصير والمصريون لا يناسبهم سوى الإصلاح المتدرج على رغم أن أحمد عبدالغني 28 عاماً، طبيب لم يصوّت في أي من عمليات الاقتراع السابقة، سواء انتخابات مجلسي الشعب والشورى البرلمان أو الاستفتاء على ولايات الرئيس مبارك المتتابعة، الا انه ذهب إلى الاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور لأنه شعر بأن"هناك تحولاً حقيقياً هذه المرّة". "التعديل خطوة إلى الأمام، وعدم المشاركة تقصير في حق من حقوقنا"، يقول عبدالغني الذي أيّد التعديل الدستوري في الاستفتاء، وهو يرى في عدم إتاحة فرصة الترشح لرئاسة الجمهورية"ضرورة دستورية لضمان نزاهة مَنْ يتقدم لهذا المنصب الحساس، فمصر دولة لها مكانتها في المنطقة. ولا يصح أن يتصدى أي شخص لرئاستها". ويعتقد عبدالغني بأن الإصلاح في مصر"لا بد أن يكون متدرجاً، فالشعب المصري ليس معتاداً على الممارسات الديموقراطية. ولا يصح أن تأتي له بالحرية المطلقة دفعة واحدة، فهو في هذه الحال غير قادر على صنع اختيارات سليمة". ويضيف:"لا نريد أن ندخل في حال من الفوضى. نريد أن نحافظ على استقرار بلادنا. وهذه الإصلاحات ستسهم في تربية المصريين ديموقراطياً، تمهيداً لتغييرات كبيرة في المستقبل. وعلى رغم أن الانتخابات المقبلة محسومة للرئيس مبارك، فإنني صوّت من أجل مستقبل أبنائي. أعتقد بأن تعديلاً كهذا سيتيح لهم مستقبلاً ينعمون فيه بمساحة أوسع من حرية الاختيار". ويتهم عبدالغني المعارضة بالعجز، فيقول:"لا نعرف شيئاً عنهم. يعيشون في وادٍ ونحن في وادٍ آخر. ثم يأتون ليطالبونا بمقاطعة هذا التحول الديموقراطي، لأنه لا يتناسب ومصالحهم. ليقل لي زعماء المعارضة ماذا نعرف عنهم وماذا قدَّموا لنا حتى نستجيب لهم ونرفض التعديل ونقاطع الاستفتاء". ويعتقد بأن الحزب الذي لا يتمكن من الحصول على 5 في المئة من مقاعد البرلمان النسبة التي حددها التعديل شرطاً لتقدم الأحزاب بمرشح للرئاسة،"لا يستحق أن يقدم مرشحًا لرئاسة مصر صاحبة المكانة الدولية والإقليمية المرموقة". ويتعجب عبدالغني من موقف أحزاب المعارضة الرافض للتعديل، على رغم ان التعديل استثناها من الشروط في الانتخابات المقبلة. ويرى أن"قادتها تركوا الاستعداد للانتخابات وتفرغوا للدفاع عن حق المستقلين في الترشح للرئاسة، أو بمعنى آخر حق الإخوان المسلمين في السيطرة على مصر وإقامة الدولة الدينية". وإذ لا ينفي سيطرة"الحزب الوطني الديموقراطي"الحاكم على مجلسي البرلمان، فإنه يرى أن قوانين البرلمان والأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية التي ستعدل قريباً،"ستتيح الفرصة أمام الأحزاب والقوى السياسية للتحرك في الشارع المصري. وسيصبح الحصول على هذه النسبة الرمزية من المقاعد أمراً سهلاً، واختباراً حقيقياً لمكانة الحزب ومدى قدرته على الاقتراب من همومنا اليومية". ويضيف:"أمام المعارضة فرصة تاريخية لإثبات وجودها من خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة. إذا لم تفلح المعارضة في ذلك، تكون كتبت شهادة وفاتها في الشارع المصري". اقترعت بلا لتعديل الدستور بين إعلان الرئيس مبارك مبادرته تعديل المادة 76 من الدستور، وإعلان مجلس الشعب عن الصيغة المقترحة للتعديل، كان نادر ثروت 32 عاماً، محام يروّج في أوساط معارفه للمشاركة الإيجابية في الاستفتاء على التعديل الدستوري. لكن هذه الحال تبدلت بعدما اعتمد البرلمان الصيغة النهائية للتعديل، فراح ثروت يدعو إلى رفض التعديل الدستوري بقوة، وهو يقول:"تخيلت أننا نخطو نحو التحول الديموقراطي حين سمعت كلمات الرئيس في التلفزيون، لكن الصيغة النهائية التي خرج بها التعديل أعادتني إلى أرض الواقع". ويضيف:"رفضت التعديل خوفاً من أن نتحول إلى تونس أخرى. انتخابات الرئاسة هناك شكلية والمرشحون ضعفاء، لا دور لهم سوى إعطاء انطباع كاذب بوجود منافسة. ويبدو أن الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم قرر نقل التجربة التونسية إلى مصر". ويلفت ثروت إلى الشروط التي تضمنها التعديل باعتبارها دليلاً إلى صحة كلامه، فيقول:"هذه الضوابط التفصيلية ليس الدستور مكانها الحقيقي فعادة ما توضع هذه الضوابط في القوانين والمذكرات التنفيذية، لكن النظام أراد أن يصبغ عليها قدسية دستورية كي يصبح تعديلها صعبًا وتتحقق أهدافه". وعلى رغم إيمانه بأن الاستفتاء"كان سيجيز التعديل حتماً"، فإنه شارك"لأشعر بأنني أديت واجبي". ويضيف:"كان لا بد أن أرفض هذا التعديل، فإجازته تعني أننا لن نتمكن من المساس به لسبع سنوات مقبلة، كما أن تعديله لن يصبح سهلاً بعد انقضاء هذه المدة بسبب سيطرة الحزب الوطني على البرلمان المنوط به تعديل الدستور وإقرار القوانين". ويرى ثروت أن الضوابط الموجودة في الدستور المصري لاختيار رئيس الجمهورية، والتي تشترط أن يكون المرشح مصرياً متمتعاً بحقوقه السياسية والدستورية متجاوزاً 40 عاماً، كانت"كافية لإجازة المرشحين لانتخابات الرئاسة، فالمصريون قادرون على التمييز بين مَنْ يصلح رئيساً ومَنْ لا يصلح لقيادتهم". ويستنكر الدعوات التي رفعتها أحزاب المعارضة لمقاطعة الاستفتاء،"لأنها تكشف ببساطة عن ضعف هذه المعارضة وانحسار تأثيرها. فبدلاً من أن تدعو أنصارها للتصويت بقوة على رفض التعديل، اتخذت موقفاً سلبياً أدى إلى إجازة التعديل المعيب، ولم يؤثر في خطط الحكومة". ويتساءل:"أين كانت هذه المعارضة قبل التعديل الدستوري وحديث الإصلاح؟". ويؤكد ثروت أن"التعديل يُعَدّ تراجعاً ونكوصاً، وليس خطوة تقربنا من الإصلاح. إذا كنا بعيدين شبراً من الديموقراطية، فإننا نبعد عنها الآن أميالاً". وكان ينوي ثروت أن يعطي صوته للرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية عرفاناً له بالجميل، لكنه بعد إقرار التعديل عدل عن قراره بالتصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة،"فكما تم إقرار التعديل الدستوري، ستنفذ إرادة النظام في الانتخابات المقبلة". ويضيف:"كنت في حيرة من أمري إزاء موقفي من الاستفتاء، فأنا أوافق على مبدأ انتخاب الرئيس وأرفض الضوابط التي تضمنها التعديل. لكنني حسمت موقفي سريعاً، فالإصلاح كل لا يتجزأ".