ان وطناً صغيراً، جغرافياً وديموغرافياً مثل لبنان، وفي هذه المساحة العربية الشاسعة، يواجه مع شعبه هذه الأيام ازمتين عصيتين حتى على الدول الكبرى. توجد فيه كنيسة مارونية دأب رعاياها على استغلالها"زعمائياً"منذ العام 1920، وتوجد فيه ايضاً مقاومة وطنية إسلامية تحمل عبء انتصار باهر وتاريخي في بيئة عربية واسعة غرست فيها النكسات والنكبات والانكسارات روح الهزيمة واليأس. اما المقاومة الوطنية الإسلامية اللبنانية فإنها لا تواجه فقط محاولات تهميش لإنجازها التاريخي، بل استغلالاً طائفياً ضيقاً لا ترضى به وستقوى عليه بسبب توحدها وصدقيتها وترفعها عن الأنانيات الضيقة. اما الكنيسة المارونية اللبنانية، فإنها لا تشكو من توحد وصدقية وترفع، بل ان رعاياها"الزعمائية"قد حاولوا استغلالها وتهميشها منذ 1920 ان جميع الأحزاب والتجمعات والتيارات التي تدعي انها زعامات مارونية وتستغل البطريركية المارونية بين الفينة والأخرى، ليست سوى غبار في عواصف الأنانية الذاتية والوصولية والتفرقة بين ابناء الطائفة والبيت الواحد ولا علاقة لها بالرسالة الإيمانية المنفتحة التي رسّخ تعاليمها القديس مار مارون التي تجسدت على مر التاريخ في قيادة كنيسة مارونية مشرقية عربية تتجذر عميقاً في صلب الوجود العربي الإسلامي. وقد واجهت هذه الكنيسة الصالحة على مدى تاريخها النضالي ومن قبل البابوية في روما، تدخلات متعددة وسافرة لفرض بطاركة غير عرب وغير لبنانيين وحتى غير موارنة، لتوريطها في تغريب غير واقعة فيه، وتفريق عروبي ترفض الغرق فيه. وإن ما نشاهده اليوم من هذه التجمعات والأحزاب والتيارات المارونية اللبنانية ليست سوى اساليب وطرق ومحاولات غربية تقسيمية مستحدثة للنيل من وحدة وصلابة وصدقية الكنيسة المارونية اللبنانية المشرقية العربية، ومن اجل زرع الفتنة بين افراد البيت الواحد، وبالتالي الوطن الواحد والرقص الجنوني على نشاز التعصب الطائفي المقيت. وما يزيد الطين بلة، هو ان الأحزاب والتجمعات والتيارات اللبنانية الأخرى وغير المارونية، عنيت الإسلامية والعلمانية، لا تتعدى كونها ادوات اخرى في احضان هذا الاستعمار الجديد، وتتخفى وراء الإسلام الحنيف الذي هو براء منها. وباختصار، ان الكنيسة المارونية اللبنانية وبرئاسة بطريركها الحالي مار نصر الله بطرس صفير، الماروني العربي المحنّك، لا ولن تراهن على استراتيجيات السياسات السريعة للاستعمار الجديد والمؤدية الى الهلاك المسيحي والإسلامي، كما يجب ان نسلّم ان هذه الكنيسة المباركة هي خميرة هذا الوعي الشعبي والصحوة لدى جميع اللبنانيين في الاعتدال والاعتراف بالآخر القريب والبعيد. لبنان - سعد نسيب عطاالله استاذ جامعي.