صدر عن دار النهار كتاب باللغة الانكليزية للشاعرة هبة دابليز. يتألف الكتاب من مجموعة قصائد وقطع نثرية حمّلتها هبة وجدانياتها وتأملاتها. يتمحور فكر الشاعرة حول مسألتي الصمت والزمن في الدرجة الأولى. عميقة هي في أفكارها وسهلة في تعبيرها. لعل ما يلفت في هذا الكتاب هو أن الشاعرة تحاور نفسها وتتحدث معها. في بعض القصائد نراها تلوم نفسها وتحضها على الإقدام للقيام بالمغامرة ومرة نراها تدعو نفسها الى التسامح. إنها تقلب الأمور، ترسم الصور وتسمعنا صوت الصمت في ما تكتب. إنها تسبر أغوار نفسها فتنتج تصويراً لحالات شعرية. تشكو الصمت، تتذمر من الزمن وترتاح الى الحلم. تجسد هبة معاناتها كشاعرة عندما تكتب:"إني في داخل ذلك النفق أسير على قدمي وأنا أسمي هذا المكان: نفق الصمت. اني داخل ذلك النفق الذي لا جدران له لولا الصمت والاضطراب والرعب. انظر في لوحة دقائق الزمن، انظر في ساعة يدي فأوقن أن عقارب الساعة، ويا لسوء الحظ، قد تتوقف عن الدوران، أما الزمن فلن يأتي بحركة يرفع فيها الاضطراب الناتج من الصمت الرذيل. قف. افرغ بمدى صوتي عن بعد الف حلم. أوقفوا صوت الزمن، أوقفوا صوت الصمت". الصمت، الخوف، الاضطراب، الزمن، الحلم هي محاور حياة هذه القصائد والقطع. ولعل الشاعرة تجد أن علاقتها الوجودية تنحصر في نفسها الفياضة والزمن الصامت. والزمن هو، كما تصوره، الوجود المبهم الذي يغلف هذا العالم. ان العلاقة القائمة بين ذات الشاعرة والزمن علاقة غير متكافئة. نتجت من هذه العلاقة قوة هائلة جبارة هي قوة الحلم. الحلم، هنا، هو وليد نقيضين هما الكينونة والعمر. الكينونة هي نفس الشاعرة المتوقدة والمتيقظة لمعرفة ما يجري. قامت الشاعرة بوصف حالات كثيرة، غير ان الكائن الدائم الوجود يقول ان"الغد الذي لم يولد بعد ولا يحمل الحلم في جعبته ولا تصورات هو أمر لا يدخل في حيِّز ما نقرر". صادقة هي الشاعرة في ما كتبت. معاصر هو اسلوبها بعيد من التقيُّد بالقواعد القديمة. تنساب الكلمات لتقول شيئاً فتكتب: "جالسة أنا وفي يدي فنجان قهوة/ أوراقي مبعثرة في أرجاء المكان/ انها الرابعة صباحاً/ أصابعي تشكو من الخدر/ وأراني غارقة في بحر من الصمت./ غارقة أنا في سكون الطمأنينة/ التي لا شكل لها ولا لون/ غارقة أنا في صمت يرقص/ لكلمات من دون وزن أو إيقاع/ .../ كلمات لا تُدوَّن/ هي البياض الذي يصوِّر العدم". يُسمّى هذا النوع من الكتابة بالأدب السوريالي. السوريالية تعني أن الكاتب ينقل ما يجول في ملكات العقل من دون مواربة أو تقيد بصنعة. غلاف الكتاب يعبّر عن الصورة المحركة لعمل الشاعرة وما تود أن تقول. نشاهد على الغلاف صورة امرأة لا وجود لها إلا كظل على حائط. عندما يتلاشى الظل يبقى الحائط، صورة مشبعة بالمعاني وهي تثير الفكر وشيئاً من الشعور الذي نعمل على تجاهله أو تحاشي الكلام عنه ربما لأن العمل أفضل. وها هي الشاعرة الآن تعمل على اراحة أو مساعدة ضحايا الملمات الكبرى وكأن لا ظل ولا حائط، بل شاعرة تعمل كما تحلم.