نظمت جمعية"أمم للتوثيق والأبحاث"، بدعم من معهد غوته ومنظمات المانية أخرى، معرض صور عنوانه"قصص بغدادية"للصحافي الألماني فيليب أبريش. يأخذ المعرض شكل تجهيز فوتوغرافي، القصص فيه هي صور والصور هي التي يفترض بها أن تروي القصص، ففي كل صورة لا بد من أن توجد شهادة بصرية عن حال الموجودين في الكادر. ذهب فيليب أبريش الصحافي الألماني الشاب مواليد 1975 الى بغداد بعد ثلاثة أشهر من سقوطها واحتلال الأميركيين للعراق... وهناك بدأ بتوزيع مئات آلات التصوير التي تستعمل لمرة واحدة على عدد من الأولاد العراقيين وكذلك على بعض الجنود الأميركيين، طالباً منهم أن يصوروا ما يبدو مهماً أو جديراً بأن يراه الآخرون من وجهة نظرهم. والنتيجة كانت ثلاثة آلاف وخمسمئة صورة عرض منها 140 صورة فقط في معرض بيروت تدون وتوثق في الشق العراقي جوانب من حياة هؤلاء الفتية العراقيين في أحيائهم وبيوتهم. أما في الشق الأميركي فنرى يوميات الجنود في لباسهم العسكري الكامل وفي فترات راحتهم حين تظهرهم بعض الصور وهم يأكلون أو يكتبون الرسائل الى ذويهم. المشاهد الموجودة في الصورة تحاول أن تقول ان قيام فتيان وجنود لا علاقة لهم بمهنة التصوير بالتقاطها ستكون له نتائج وآثار مختلفة عند المتلقي. فأول ما يمكن أن توصف به صور المعرض أن معظمها ينطوي على الصدق والبساطة. فهي لا تنقل الحرب وما يحدث فيها مباشرة بل تتجول في المناطق واللحظات المجاورة لها، تلاحق الحياة الصعبة التي تجري بموازاتها وفي حضورها، وكل هذا يحدث من وجهة نظر هواة، أو أقل من ذلك، طُلب منهم، بالصدفة، أن يصبحوا مصورين لمرة واحدة شأنهم في ذلك شأن الكاميرات الأحادية الاستعمال التي أُعطيت لهم. فكرة المعرض، في هذا المعنى، تقوم على توقع أي مفاجأة. ومن الواضح أن فيليب أبريش راهن على انعدام خبرة من سلمهم الكاميرات، وكان في استطاعته ان يصور بنفسه، لكنه يعرف أنه لو فعل ذلك سيحصل على نتيجة مغايرة. الأطفال لديهم شيء آخر غير الحرب في يومياتهم، انهم يعيشونها ويسمعون بها، لكن طراوة عقولهم ومشاعرهم لا تسمح لهم باستغراق كامل فيها. فيليب أبريش توقع أن يحصل منهم على صور واقعية وفريدة بعفوية وتلقائية وشقاوة لا تتوافر الا عند الأطفال. في الفيلم التسجيلي الذي عرض في موازاة الصور الفوتوغرافية نشاهد القصة الكاملة للمعرض. الفيلم ومدته 20 دقيقة يصور فيليب ابريش وهو يسلم الكاميرات لأطفال وفتيان تبدو الدهشة على وجوههم المتربة وثيابهم البسيطة. الدهشة عائدة الى صعوبة تصديقهم لما يحدث، صحافي الماني يوزع عليهم الكاميرات ويطلب منهم أن يصوروا ما يرغبون فيه، وهم وافقوا بحماسة واندفاع، أما الجنود الذين توقع فيليب أن يعتذروا عن المشاركة في تجسيد الجانب المقابل من مشروعه بحجة ان لديهم ما هو أكثر أهمية، فوافقوا أيضاً. فيليب أبريش قال انه يحاول أن يُظهر للمشاهد ماذا يفعل الجنود في بغداد خارج لحظات الحرب، والنتيجة أن معظم هؤلاء تصرفوا كسياح. بعضهم التقط صورة الى جانب نصب لصدام حسين، وآخرون التقطت صورهم وهم مستلقون بثياب الراحة على أسرّتهم أو يقرأون كتباً أو يكتبون رسائل لذويهم... الفكرة أن كل الذين قاموا بالتصوير وجدوا، بسبب الحرب والاحتلال، في مكان واحد، وأن الصور يمكنها أن تقدم وجهة نظر كل طرف الى الآخر وعرض ذلك أمام مشاهدين محايدين أو غير موجودين في الصور على الأقل. لا يريد فيليب أبريش أن يجمِّل الحرب حين يبتعد عنها باتجاه يوميات مدنية وانسانية وعادية وعفوية. ولا يريد، في الوقت نفسه، أن يكون منحازاً في شكل مباشر ومسبق الى أحد الجانبين. لو كان يريد ذلك لوقف هو نفسه وراء الكاميرا، وحينها كنا سنرى مشروعاً آخر بالتأكيد. انه، على الأرجح، يريد أن يقدم مشروعاً فنياً أو تقريراً مصوراً، وقد سبق له أن نفذ مشروعاً مشابهاً في حرب كوسوفو 1999. وقبلها قام بمشروع فوتوغرافي ضخم بعنوان photos will open my eyes Imagine.your ونشر في مجلد كبير. وهنا وزع كاميرات على 500 فتى من 45 بلداً حول العالم وطلب منهم أن يلتقطوا صوراً في اليوم نفسه من العام 2002. وعرضت تلك الصور في ثلاثين بلداً حتى الآن. أما معرض"قصص بغدادية"فعرض في فرانكفورت وبرلين ومن المتوقع أن يتابع رحلته في مدن أخرى عربية وأوروبية.