تحاصرك عيونهم الملحة بنظرات ملؤها الألم والغضب حيناً، ويختفي في أغوارها بريق من الفخر أحياناً يرتبط بإثبات قدرة وجوههم وملامحهم على الاستحواذ بتركيز عدسة الكاميرا.... "أنظر إلي" عنوان معرض فوتوغرافي أقيم في "قصر اليونيسكو" في بيروت لأعمال المصورة الأميركية الشابة لورا أحمد. كل صورة تنطوي على همسات مكتومة تتبادلها خطوط البؤس المرتسم على وجوه أطفال ونساء ورجال من العراق، وتتحول صرخة مدويّة بين جدران المعرض، فلا تعود تنفع محاولات الهروب أو إشاحة النظر. وجوه لورا أحمد تتجاوز الحصار داخل الإطار الأسود، لتعكس واقع أبناء العراق وطبيعتهم وحياتهم اليومية. أرادت إشراك الناس في تجربتها وملامستها للمأساة العراقية من خلال كاميراها، فعرضت في اليونيسكو في بيروت بعض ما التقطته من صور فوتوغرافية، بورتريهات في شكل خاص وصور اخرى لمصابين أو متظاهرين من صغار الصبية، رفعوا لافتة تدعو الى السلام لم يوفقوا في كتابتها باللغة الانكليزية We need peace. في رغبة لتحقيق الارضاء الذاتي والحلم الخاص، تخلت لورا بعض الوقت عن عملها كمصورة فوتوغرافية لمصلحة إحدى المؤسسات الإعلامية، لتبدأ رحلة تصويرية في منطقة الشرق الأوسط. وشملت الجولة فلسطين والأردن واليمن وسورية ولبنان. ولم تكن لتكتمل بزيارة العراق لولا مساعدة جمعية تضامن المرأة العربية لها. فقد نظمت الجمعية رحلة الى العراق في مناسبة يوم المرأة العالمي في 8 آذار مارس بالتنسيق مع الاتحاد العام لنساء العراق، لم تتجاوز الأسبوع، بسبب الحظر الجوي المفروض على العراق. اعتبرت اختيارها ضمن الوفد الذي سُمح له بالدخول الى العراق بمثابة الفرصة الذهب، على رغم ضيق الوقت. فلم تكن خلفية الصورة أو نسبة الإفادة الضرورية أو عدم توافر غيرها من التقنيات الخاصة بالتصوير الفوتوغرافي لتعيق قدرتها على الانغماس بعفوية تلك العلاقة الدينامية مع الأولاد والنساء. لامست روحهم في الشوارع وألمهم في المستشفيات واستبدلت الكاميرا المعدة لالتقاط الصور بالأبيض والأسود بأخرى مجهزة بفيلم ملون، تبعاً لاختلاف رؤيتها ل"الحالات". تقترن أهمية الصورة بحسب لورا بأهمية الحقيقة، وهذا ما يدفع بالمراسلين والمصورين الصحافيين الى تعريض حياتهم للخطر لنقل الوقائع. غير أنها اكتفت بمشروعها الخاص في التصوير حرصاً على مشاعر أهلها في كاليفورنيا، لا سيما والدها الذي أهداها أول كاميرا في السادسة من عمرها. أرادت من خلال صورها التعبير عن معارضتها الحرب في أي مكان، واشمئزازها من تلك الصورة السلبية عن العرب التي تروج لها وسائل الإعلام الغربية. لم تعد تحتمل الإساءة الى الشعوب العربية. فهي تعرفها أكثر وتفهمها ليس بحكم أصولها اليمنية فقط، بل من خلال إيمانها بالمساواة بين الناس طالما تجمعهم الإنسانية.