دفع إصرار شبان بعض الأحزاب المشاركة في اعتصام مخيم ساحة الحرية على عدم الانصياع إلى اتفاق التيارات المشاركة على فض الاعتصام ونزع الخيم ليل أول من أمس، إلى تأجيل تفكيك الخيم إلى اليوم التالي. وفي اليوم التالي أمس أدى الخلاف في الرأي بين مناصري حزب"القوات اللبنانية"الذين أرادوا مواصلة الاعتصام حتى إطلاق قائدهم المعتقل سمير جعجع وبين مناصري"التيار الوطني الحر"الذين فضلوا البقاء حتى عودة العماد ميشال عون في 7 أيار مايو الجاري، ومناصري"حزب الوطنيين الأحرار"المعترضين على قانون انتخاب العام 2000، وبعض المستقلين لأهداف أخرى، إلى عقد اجتماع موسع لمسؤولي المنظمات الطلابية والشبابية للاتفاق على موعد جديد لإنهاء الاعتصام. وفي الاجتماع اتفق المسؤولون على تأجيل اعلان نتائج اجتماعهم الى حين عقد المؤتمر الصحافي عند السادسة مساء اليوم. وحتى تلك الساعة يبقى المعتصمون في خيمهم، يمارسون طقوساً اعتادوها منذ اكثر من شهرين. حققنا الأهداف "الاعتصام حقق أهدافه كاملة"، ترافق العبارة المتجول في أرجاء مخيم الحرية. المخيم نصب في ساحة الشهداء، قبل شهرين وأكثر من عشرة أيام ماضية. وكان من المتوقع أن يفكك القائمون عليه خيامهم ليل أول من أمس، بعد حفلة توزع فيها الميداليات على المشاركين في"انتفاضة الاستقلال". ولكن، ماذا تعني عبارة:"كان من المفترض"في ظروف مماثلة؟ تحت عناوين:"لجنة تحقيق دولية للكشف عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إقالة قادة الأجهزة الأمنية، وانسحاب القوات العسكرية السورية وأجهزة إستخباراتها من لبنان"، اجتمع شبان من تيارات سياسية متنوعة، وأحزاب كانت حتى وقت قريب من انطلاق"ثورة الشباب"تناصر بعضها بعضاً العداء المنظم. في تلك الساحة المقابلة لضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، صاغ أعداء الأمس عناوين مشتركة في ما بينهم، وأعلنوا اعتصاماً مفتوحاً حتى تحقيق المطالب. بعد أكثر من شهرين على بدء الاعتصام، تحققت مطالب الشبان، و"تعلمنا أن نعيش ونأكل ونشرب ونتظاهر معاً"، يقول أحد الشبان المنتمين إلى تيار"القوات اللبنانية"، معلناً أن من"أهم إيجابيات المخيم، انه علمنا كيف نتحدث مع أشقائنا من الطوائف الأخرى، ونكتشف أوجه الشبه الكثيرة بيننا". على مقربة من خيمة الشاب القواتي وصورة قائده المعتقل سمير جعجع، ترفع صورة الجنرال ميشال عون. شبان"التيار الوطني الحر"ونظراؤهم"القواتيون"، قلما اجتمعوا حول أهداف مشتركة، لكن غاية"في نفس يعقوب"جعلتهم يتشاطرون الساحة نفسها، ليفخر أحدهم قبل أيام"بتأدية واجبي الوطني والمشاركة في رسم مستقبل البلاد نيابة عن ازلام الأجهزة الأمنية". حتى وقت قريب من ليل أمس، أو الأسبوع الماضي على أبعد تقدير، كان المخيم مرتعاً للمنادين بالوحدة الوطنية، وكان كلام مشابه لكلام الشبان المذكور، وحده يتردد على ألسنة الأحزاب المشاركة، ومنها:"الحزب التقدمي الاشتراكي"و"القوات اللبنانية"و"تيار المستقبل"و"حزب الوطنيين الأحرار"و"القاعدة الكتائبية"و"اليسار الديموقراطي"وغيرها. فما الذي تغير وقلب صورة"وحدة المخيم"رأساً على عقب، وأخرج انقسامات أحزاب المشاركين التي ظن كثيرون أنها ذهبت إلى غير رجعة، إلى العلن؟ "يقولون أن الاشتراكي جنبلاط طعنهم المعارضة في الظهر، ووافق على قانون ال2000، مع العلم أن قياداتهم وافقت عليه، بعدما كان عليهم الاختيار بين تأجيل الانتخابات أو الموافقة على قانون ال2000"، يرد أحد أعضاء"التقدمي"على أعضاء من التيارات الأخرى الرافضة لتفكيك الخيم وإنهاء الاعتصام اعتراضاً على إجراء الانتخابات النيابية وفق قانون ال2000. يهرع الشاب لنزع علم حزبه من يد زميل له رفعه رداً على"استفزاز القواتيين"، الذين كانوا أول من رفع العلم الحزبي مع العلم انه مخالف لقوانين خيمة الحرية حيث رفع المشاركون فيها لأكثر من شهرين وعشرة أيام علم لبنان وحده. تحرَّكَ الشبان الحزبيون وغطت الأعلام التي تسابقوا إلى رفعها الساحة في وقت قياسي، ما جعل من حضروا لمتابعة اختتام الاعتصام يسخرون مما"كان يفترض انه اختتام اعتصام وحدة المسلمين والمسيحيين بعدما انتصر شبابهم"، تقول إحدى الأمهات ساخرة من"عودة الكل إلى قواعدهم سالمين، بعدما أزاحونا بأخوتهم ووحدتهم الوطنية". "المطالب التي رفعناها في بداية تحركنا تحققت جميعها، فما الجدوى من بقائنا هنا"، يقول أحد مناصري"اليسار الديموقراطي"، موضحاً أن التحرك الأجدى في هذه المرحلة، هو إنهاء الاعتصام،"مع إعلان أننا انتصرنا، لأننا إذا لم نفعل ذلك اليوم فمشاكل كثيرة سوف تقع في ما بين المعتصمين"، ومن ثم"ينطلق من كان عنده مطلب جديد في اعتصام جديد بعد إنهاء الحالي". شبان ساحة الحرية لم يعودوا واحداً، كما خالهم كثيرون في الوقت السابق، فعند السابعة والنصف من مساء اول من امس، فكك عدد من الأحزاب المشاركة خيمهم، وانهمك العشرات من الشبان في تفكيك الشعارات الحزبية وصور الرئيس الشهيد وقادة الأحزاب المعارضة, وأزالوا الأعلام اللبنانية والحزبية واللافتات التي كانت تغطي الخيم، بعدما انتهت المهلة التي كان أعطاها رئيس جمعية"شباب المستقبل"نادر النقيب أول من أمس بتمديد مدة الاعتصام 24 ساعة. ليل أول من أمس، وقف السياسيون أمام الشبان، تحدث كل منهم عن مطالبه واعتراضاته، فبدت الصورة اقرب إلى معركة انتخابية يخوضها السياسيون وفق حسابات ظن كثيرون قبل وقت قصير انهم أخرجوها من سجلاتهم. ليل أول من أمس، دخل المخيم عملياً معركة أول انتخابات نيابية بعد تحقيق المطالب.