تعد دولة الإمارات أول دولة عربية وإسلامية تصدر قانوناً خاصاً بالمصارف الإسلامية، وقد جاء إصدار القانون الرقم 6 للعام 1985 الصادر عن مصرف الإمارات المركزي لينظم عمل المصارف الإسلامية التي بدأ انشاؤها في الامارات عام 1975 بقيام أول مصرف تجاري اسلامي هو بنك دبي الاسلامي، ثم جاء تأسيس مصرف أبو ظبي الإسلامي عام 1997 ليكون أكبر المصارف الإسلامية من حيث رأس المال الذي يبلغ بليون درهم. وكان التطور الأخير في هذا المجال في دولة الإمارات هو تحول بنك الشارقة الوطني الى مصرف اسلامي، والخطوة المماثلة التي اتخذها بنك الإمارات لتضم الإمارات أربعة مصارف اسلامية، اضافة الى الكثير من المصارف الوطنية والأجنبية التي افتتحت أو تعتزم فتح فروع لها تعمل وفق أحكام الشريعة وإنشاء دور للتمويل الاسلامي. ويأتي التوسع في مجال العمل المصرفي الإسلامي في دولة الإمارات مواكباً لمسيرة العمل المصرفي الإسلامي في الدول العربية والإسلامية ومتوافقاً مع توجهات ونزعات أهل هذه الدول للابتعاد عن التعامل مع المصارف التقليدية في ما يتعلق بالحصول على فوائد مصرفية محددة سلفاً وما يدور حولها من جدل لا يزال مستمراً بين الخبراء والمصرفيين ورجال الدين، ما أدى الى تزايد أنشطة وأعمال المصارف والمؤسسات الاسلامية عالمياً. فقد ارتفع عدد المصارف الاسلامية الى أكثر من 200 مصرف إسلامي تنتشر في 40 دولة وبلغ اجمالي ودائعها حوالي 112 بليون دولار أميركي. واستطاعت هذه المصارف أن تطور الكثير من صيغ التمويل المرتكزة على الشريعة الاسلامية, واستحداث آليات عمل جديدة لتوفير التمويل اللازم للمشروعات. ويؤكد الخبراء في حقل العمل المصرفي الاسلامي ان المصارف الاسلامية حققت طفرة واسعة مع الازدهار الكبير في أسعار النفط في السبعينات من القرن الماضي، الذي أدى الى تدفق ضخم للثروات في منطقة الشرق الأوسط، وأسفر عن تزايد حاجة المستثمرين المسلمين الى الوسائل وقنوات جديدة لتوظيف الأموال من دون اللجوء الى الطرق التي تتنافى مع أحكام الشريعة الاسلامية. ويبدو أن مرحلة السبعينات تكرر نفسها اليوم مع الارتفاع الكبير في أسعار النفط، ووصوله الى مستويات رقمية غير مسبوقة مع ارتفاع سعر البرميل الى اكثر من 55 دولاراً في مراحل مختلفة من عامي 2004 - 2005، ووجود اتفاق شبه جماعي بين المراقبين لأسواق النفط على أن الأسعار لن تعود خلال الفترة المقبلة الى ما دون ال40 ل، الأمر الذي يؤكد أن الحاجة الى المصارف الاسلامية في الشرق الأوسط والعالم بدأت تتزايد مع استمرار المتطلبات الأساسية في المنطقة، والنمو الاقتصادي السريع في الدول الاسلامية. وقد شهدت دول الخليج في هذا الاطار توجهات نحو خفض دور الحكومة في تمويل الاقتصاد الوطني، والاهتمام بنقل الثروات من أيدي المواطنين لتوظيفها في مشروعات تعتمد أسلوب التمويل الاسلامي. من هذا المنطلق جاءت مشاركة بنك دبي الإسلامي ومصرف أبو ظبي الإسلامي في تمويل الكثير من المشاريع التنموية في دولة الإمارات وخارجها بطريقة الإجارة الإسلامية أو غيرها من طرق التمويل الإسلامي. وكان من أبرز هذه المشاركات اسهامات مصرف أبو ظبي الإسلامي في تمويل مشاريع الطاقة في إمارة أبو ظبي. غير ان المصارف التقليدية، الوطنية منها والأجنبية العاملة في الإمارات تنبهت الى ظاهرة نمو التمويل الإسلامي على حساب العمليات التمويلية التقليدية، دفعها الى تأسيس أقسام خاصة بها وتابعة لها تقدم أنشطتها للنظام المصرفي الإسلامي. وشهدت الساحة الاقتصادية الإماراتية والعالمية أيضاً الكثير من المؤتمرات والندوات التي تبحث في تطوير وتفعيل العمل بهذا النظام وبما يعكس قوة التوجهات نحو تنامي وزيادة الطلب على خدماته وأنشطته وأدواته. وتؤكد المصادر المالية الإماراتية أنه على رغم التقدم الذي حققته المصارف الإسلامية فإنها لا تزال تواجه تحديات مهمة في ضوء التطورات التي يشهدها الاقتصاد العالمي والمنافسة القوية بين المصارف، الأمر الذي يفرض على هذه المؤسسات بناء استراتيجيات عمل جديدة حتى تتمكن من الحفاظ على المكتسبات التي حققتها والبناء عليها مستقبلاً، مستفيدة من الخبرة التي اكتسبتها خلال المرحلة السابقة. ويقول سلطان بن ناصر السويدي محافظ مصرف الإمارات المركزي إن المصارف الاسلامية تواجه تحديين أساسيين يتعلقان بالشريعة، ويؤكد أن علماء الشريعة وحدهم قادرون على طرح أو إيجاد الحلول المقبولة إضافة الى أن المصارف الاسلامية التقليدية بحاجة لتقديم الخدمات من خلال منتجات مقبولة من قبل عملائها وتتناسب مع أذواقهم واحتياجاتهم المتغيرة. ويرى السويدي ان هناك فوائد كبيرة تنتظر القطاع المصرفي ومن ضمنه القطاع المصرفي الاسلامي نتيجة لتحرير تجارة الخدمات المالية، وان العمل المصرفي الإسلامي سيكون مدخل المنطقة الى سوق الخدمات المالية، وسيساعد المصارف الاسلامية والمؤسسات المالية التي تقدم خدمات اسلامية على اقتطاع حصة أكبر في أسواق الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، في وقت ستسهم عملية تحرير تجارة الخدمات المالية في زيادة حدة المنافسة على المستويين المحلي والدولي. ويؤكد مصرف أبو ظبي الإسلامي انه وضع استراتيجية جديدة لتسويق منتجاته التي روعيت فيها جميع متطلبات المستهلك المحلي، والتوسع في الدول الأخرى الأمر الذي يساهم في تعزيز دعائم المصرف ونجاح مجموعة منتجاته المتعددة. وأعلن مصرف أبو ظبي الاسلامي في إطار توسع عملياته خارج الإمارات عن توقيعه في شباط فبراير الماضي عقد اجارة مع وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية القطرية بالتعاون مع البنك القطري الإسلامي بقيمة 25 مليون دولار لإعادة تمويل مبنى مؤلف من 19 طابقاً مملوكاً للوزارة. ويؤكد المصرف ان هذا العقد يعد خطوة نحو توسيع عملياته وبداية للانطلاقة الاقليمية لتحقيق التطلعات المستقبلية. كما تم في شباط الماضي أول اصدار للصكوك الاسلامية الحكومية من جانب بنك دبي الاسلامي في باكستان بقيمة 600 مليون دولار، لاقت اقبالاً كبيراً من المستثمرين فاق كل التوقعات عندما أغلق الاكتتاب عند 1.2 بليون دولار. وأعلن بنك دبي الإسلامي في 7 نيسان الماضي عن اطلاق عملياته في تركيا بعد افتتاحه مكتباً تمثيلياً هناك. ويؤكد البنك ان افتتاح هذا المكتب في تركيا خطوة جديدة لتوسيع قاعدة عملياته لتمتد الى الاسواق الاقليمية والعالمية، للاستفادة من فرص النمو الواعدة التي تتيحها هذه الأسواق. ويكون المكتب التمثيلي لبنك دبي الإسلامي في تركيا الثاني من نوعه بعد حصول المصرف خلال الأشهر الأخيرة على ترخيص لإنشاء بنك متكامل في باكستان ضمن خطة متكاملة لإنشاء شبكة من الفرع تغطي مختلف المناطق الباكستانية تصل الى أكثر من 30 فرعاً خلال السنوات الثلاث المقبلة. وكشف مصرف الإمارات الإسلامي عن خطة للتوسع في أعماله بعد مرور ستة أشهر من تحوله الى النظام الإسلامي، تشمل افتتاح ثلاثة فروع جديدة له حتى نهاية العام الجاري ليصل عدد فروعه الى 13. وأكد انه يخطط لطرح خدمات مبتكرة وتعزيز خطة وتطوير أداء الموظفين، واستقطاب خبرات جديدة. ويقول انه حقق نتائج جيدة فاقت كل التوقعات. وبدورها أكدت دار التمويل في الامارات انها حققت ارباحاً صافية في نهاية آذار مارس الماضي بلغت 79.9 مليون درهم. وتقدمت الشركة التي أسست في تموز يوليو 2004 بطلب الإدراج في سوق أبو ظبي للأوراق المالية. وفي هذا الشأن تستعد ثلاثة مصارف اسلامية دبي وأبو ظبي والشارقة لإطلاق ثلاث شركات للتأمين الاسلامي، وتؤكد المصادر ان هذه الشركات ستكون أمراً واقعاً قبل نهاية العام الجاري.