بداية لا بد من الإشارة إلى أن أغلبية المختصين في عالم المال يؤكدون أن المؤسسات المالية العالمية تعاني بشكل كبير من تبعات وتداعيات الأزمة المالية العالمية، وبالتأكيد فقد وصلت تبعات الأزمة إلى المنطقة العربية والإسلامية، وتأثرنا بها بصيغة أو بأخرى، وليس أدل على ذلك من إحجام مصارف في المنطقة عن تمويل معظم، بل كل المشروعات العقارية في المنطقة، كما فرضت قيودا مشددة على تمويل الكثير من المشروعات الأخرى، لكن يبدو أن البنوك الإسلامية كانت الأقل تأثراً. ما يعني أن المصارف الإسلامية قد تكون خارج دائرة الخطر. بينما يمكن الإشارة إلى أن العديد من بنوك المنطقة تعرضت لحالات عجز، كما تعرض بعضها للإفلاس أو فقدان كم كبير من السيولة التي كان يملكها. إلا أن البنوك الإسلامية ظلت خارج دائرة الخطر، بسبب السياسات الائتمانية التي تتبعها والتي تتسم بالمحافظة وتجنب الدخول في أدوات الدين أو أدوات الاستثمار التقليدية الأمر الذي مكنها من المحافظة على قوة موقفها. كما أن بعض البنوك الإسلامية بادر للاستفادة من مناخ الأزمة، بشراء بعض الأصول المغرية في أكثر من سوق. إلا انه لايزال هناك مزيد من التحديات تواجه قطاع التمويل والصيرفة الإسلامية، ممثلة بالقوانين الحالية واختلاف المعايير، وتدني أسعار الأصول والعديد من القضايا الأخرى. ففي ظل الممارسة العملية، ووسط مؤسسات اقتصادية وبنوك تتعامل بطرق عديدة بعيدة عن الشريعة الإسلامية، تظهر باستمرار تحديات جديدة وكبيرة أمام أولئك الذين يحاولون إحياء نهج إسلامي خاص بالتعاملات المصرفية من خلال إنشاء نظام مصرفي على نحو يؤدى فيه وظائفه العادية، ولكن على أساس المبادئ الإسلامية ودون اللجوء إلى ما يسمى الفائدة التقليدية. ونتيجة لمجموعة من الجهود التي قامت بها المصارف الإسلامية اكتسبت المنتجات الإسلامية مزيدا من الصدقية باعتبارها ملاذا للاستقرار خاصة مع استمرار البحث عن نظام مالي جديد لمرحلة ما بعد الأزمة المالية العالمية الحالية، حيث شهد قطاع الخدمات المصرفية الإسلامية نمواً بمعدل سنوي مقداره 15 % ووصل حجمه حول العالم إلى تريليون دولار، أي ما يعادل 5 أضعاف ما كان عليه في عام 2003. ومع وصول الأزمة المالية إلى ذروتها، فإن المزيد من السياسيين والاقتصاديين متفقين على أن النظام المالي العالمي المستقبلي، سيشهد اختلافات كبيرة عما كان عليه في الماضي. يعتقد بعض القائمين على البنوك الإسلامية والباحثين في مجال الصيرفة الإسلامية، أنه على الرغم من أن العام الجاري قد يكون صعبا على البنوك الإسلامية، فإنه سيكون مفيدا من جهات عدة، تشكل عامل حماية تشمل محافظها الاستثمارية التي تنصب على السوق المحلية. ومن جانب آخر تتمتع البنوك الإسلامية بقاعدة تجزئة قوية وبولاء كبير من جانب العملاء واستقرارا في الودائع. كما تتمتع تلك البنوك بثقة كبيرة من العملاء مقارنة بالبنوك الأخرى. وبينما لا تزال المصارف الإسلامية تواصل صمودها في وجه الأزمة المالية العالمية، أظهرت نتائج كثير من البنوك الإسلامية نموا في الأرباح زاد عن الأعوام السابقة، مع توقعات باستمرار النمو في أصول الصيرفة الإسلامية بنسبة 15 % لتصل إلى 850 مليار دولار خلال النصف الثاني من 2009 نتيجةَ الإقبال على هذا النوع من الخدمات، سواء على مستوى التمويل أو الاستثمار، بالرغم من وجود تباطؤ في نمو القروض الإسلامية التي كان تضاعف حجمها سنويا لتصل إلى 90 مليار دولار حيث انخفض في الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي إصدار الصكوك إلى 14 مليار دولار مقارنة مع 23 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام 2007 وفقا لمؤسسة ستاندارد آند بورز العالمية للتصنيف الائتماني. هل تتأثر يشير البعض إلى أن المجالات التي يمكن أن تتأثر لدى المصارف، تتجلى في تدني أسعار الأصول، وليس ضياع الأصول، حيث أن مشكلة كثير من المصارف التقليدية العالمية هي ضياع الأصول بكاملها. أما في المصارف الإسلامية، فإن تدني أسعار الأصول هو فقط المشكلة، ولكن ليس الأصل بحد ذاته، ولا حتى ربحيته. وتعتبر خطوة التوجه إلى القطاعات الصغيرة توزيعا للمخاطر، ومن خلال المشاركة مع هذه المؤسسات يتم إنعاش هذا القطاع، لأن أزمة الرهن العقاري التي في العالم، هي ما جعل العملاء يتوجهون إلى مصارف آمنة. ومن ناحية أخرى تنطوي البنوك الإسلامية بحكم طبيعتها، على مخاطر أقل من نظيراتها التقليدية، لأنها لا تستثمر في القروض (بسبب تحريم الفائدة) ولا تجارة الخيارات الآجلة أو صناديق التحوط. ولكن بالمقابل إذا كانت البنوك الإسلامية لا تقبل بالمنتجات التقليدية، فإنها تخاطر بنفسها وتدخل فئة المخاطر التقليدية، وسيبقى تجنب المخاطر على سلّم الأوليات خلال العام الجاري. وعلى الرغم من قيام البنوك الغربية بتخفيض عدد الموظفين في أسواقها الداخلية، تقوم البنوك الإسلامية في الشرق وآسيا بزيادة عدد موظفيها. وستقوم المزيد من البنوك الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي بتأجيل استراتيجية التوسع لديها، كما فعل بنك نور الإسلامي، من أجل التركيز على المهمة الأساسية في تقديم أسلوب استثماري غير تقليدي ويخلو من الفائدة. وأكد أحد المستشارين في المصرفية الإسلامية لوسائل الإعلام، أن كل المؤشرات المصرفية الإسلامية كانت إيجابية، من حيث قدرتها على الخروج من الأزمة المالية، باستثناء بعض من التأثيرات الجانبية غير المباشرة، حيث لا تزال البنوك الإسلامية محتفظة بسيولة كبيرة نتيجة إقبال المستثمرين في المنطقة على الإيداع فيها. مشيرا إلى زيادة ثقة المستثمرين فيها وخاصة بعد الأزمة لأن البنوك الإسلامية لا تسمح بوجود أصول مخفية قد يفاجأ المستثمر بها فيما بعد حتى في الدول الأوروبية بدليل زيادة حجم الإيداعات في البنك الإسلامي البريطاني بنسبة 23%. وأضاف: هناك العديد من التحديات التي تواجه قطاع المصرفية الإسلامية، منها ضعف التنوع في الاستثمارات ومحاولة إيجاد أدوات خاصة بها لتقليل المخاطر بالرغم من استخدامها لبعض الأدوات مثل نظام المرابحة، حيث لا يوجد تغيير للأسعار مع مرور الوقت في نسبة تغطية هذه المخاطر. وباعتبارها مخاطر عالمية لابد من إيجاد أدوات تتماشى مع عالميتها، كما يعتبر عدم توفر المؤهلات المصرفية. فمن أجل التوسع في مستقبل القطاع المصرفي الإسلامي لابد أن يتم إيجاد نوعية موظفين مؤهلين ولديهم القدرة على كسب قلوب وعقول العملاء في المنطقة، لأن هذا القطاع بدأ في اكتساب اهتمام المستهلكين المتزايد. ولفت إلى أن المصارف الإسلامية تواجه تحديات قانونية عديدة ويعود السبب في ذلك إلى أن القوانين الحالية لا تأخذ في الحسبان خصوصية القطاع المصرفي الإسلامي، على سبيل المثال قانون الدمغة العقارية التي أصدرته الحكومة البريطانية مؤخرا ووجود هذا القانون في دبي أيضا باعتبار هذا القرار يعد مشكلة للمصرفية الإسلامية، حتى إن قانون بازل 2 أيضا عامل المصارف الإسلامية مثل المصارف التقليدية، كما أن نسبة المعيارية مفقودة في البنوك الإسلامية، على اعتبار أن كل مجموعة مصرفية لديها معايير شرعية خاصة بها تختلف عن مجموعات أخرى من نفس المجال، وهذا يعني عدم وجود قدرة على القياس، وبالتالي يؤدي إلى الحد من قدرة تلك البنوك على الانتشار العالمي. وهناك العديد من الأصول الإسلامية ليست سائلة، حيث تتأثر المصارف بتلك الأصول بطريقة مباشرة نتيجة انخفاض قيمة أصولها عن قيمتها الحقيقة، إضافة إلى مشكلة انخفاض أسعار الأسهم والعقارات بالتالي يصعب إيجاد سيولة جديدة. ويؤدي ذلك إلى صعوبة التقييم نتيجة الكساد حيث يوجد صعوبة في عملية شراء تلك الأصول وبالتالي صعوبة في عملية بيعها. ويشير أحد القائمين على البنوك الإسلامية إلى أن البنوك الإسلامية ظلت بمنأى عن الأزمة المالية العالمية، لسببين أولهما الأمان من مشكلة السيولة بسبب التسليف بين البنوك في أسواق المال ودمج وإعادة بيع الشركات المدينة، وثانيهما تصنيف مخاطر الاستثمار بكاملها بدلاً من الاقتصار على تصنيف مخاطر الائتمان. وتقوم البنوك الإسلامية في الأساس بدور الراعي والمدافع أو المدير لأموال المودعين، لذا فإنها لا تستطيع نقل ودائع عامة إلى بنوك أخرى دون إذن من المودعين، ولا يسمح بنقل السيولة بين البنوك على أساس الدين المالي بحسب ما تقضي الشريعة، مما أدى إلى الانتباه إلى المشكلات المتعلقة بالسيولة في السوق. تقرير أوروبي أشار تقرير أوروبي حديث، صادر عن مؤسسة خدمات المصارف الإسلامية، إلى أن تأثير الأزمة المالية على المصارف الإسلامية كان أقل من انعكاساته على المصارف التقليدية، وأن الخسائر الرئيسة في المصارف الإسلامية كانت في إصدارات الصكوك التي تراجعت بنسبة النصف تقريباً. وتابع التقرير مشيراً إلى نمو سوق الصكوك في العقد المقبل إذا تحسنت أسعار النفط وطبقت دول الخليج برنامجها لإنفاق تريليون دولار في قطاعاتها الاقتصادية والنفطية والاجتماعية. خصوصاً أن سوق الخدمات الإسلامية في العالم ارتفعت بنسبة 37% من 531 مليار دولار في نهاية العام 2006 إلى 729 مليار دولار في نهاية 2007 لكنها واجهت مأزق عدم النمو في العام 2008 بسبب الأزمة المالية الدولية، وان قيمة إصدارات الصكوك تراجعت 50% في حين تأثرت الأوراق المالية التي تصدرها المصارف الإسلامية بما يجري في الأسواق المالية العالمية. ويُفصل التقرير توزع الموجودات المالية الإسلامية على أساس أن المصارف الإسلامية التقليدية تملك 74% من الموجودات وان نسبة 12% مستثمرة في الصكوك ونسبة 11% في خدمات «التكافل». وأشار التقرير إلى أن المصارف الإسلامية تحسست أخطار الأزمة المالية في العام 2008 أكثر من المصارف التقليدية وهي ستخرج بأقل الخسائر من أزمة الائتمان، ولم تنغمس في الاستثمار في ما يعرف باسم «الأصول السامة» او تلجأ إلى تمويل عملياتها عبر الاستدانة من الأسواق التقليدية، خصوصاً أن تركيبتها تمنعها من الاستدانة بفوائد. ولا تقتصر منافسة المصارف الإسلامية على بعضها البعض بل أصبحت نداً لمصارف رئيسة في العالم تعتمد العمل المصرفي الإسلامي في بعض نشاطاتها في العالم الإسلامي او في تقديم خدماتها إلى العملاء المسلمين. ولاحظ التقرير أن إصدارات الصكوك ارتفعت من مليار دولار تقريباً في العام 2002 إلى نحو 42 مليار دولار نهاية العام 2007، لكن قيمتها تراجعت بنسبة النصف تقريباً إلى نحو 20 مليار دولار نهاية 2008. واحتلت ماليزيا المركز الأول في إصدار الصكوك العام 2007 بنحو 26 مليار دولار، تلتها الإمارات بنحو 10 بلايين دولار والسعودية بنحو 6 بلايين دولار، وحلت بعدها باكستان والبحرين والكويت بنحو مليار لكل منها. ويجري تداول غالبية الصكوك في بورصات لندن و«ناسداك دبي» وغيرها من البورصات الصغيرة الحجم. وحتى نهاية العام 2008 تم عرض ما قيمته 18 مليار دولار من الصكوك في «ناسداك دبي» و10 مليارات دولار في بورصة لندن. هل ما زالت بعيدة يصر كثير من القائمين على المصرفية الإسلامية أنهم ما زالوا في منأى عن الخطر الناجم عن الأزمة المالية العالمية، لكن ذلك لا ينفي أنها ستبقى بعيد عن دائرة الخطر، لأن كثيراً منها يرتبط بتعاملات مالية مع مصارف عالمية تعاني من أزمة الائتمان، وأن الكساد الذي يصيب الاقتصاد العالمي يلقي بثقله على المصارف الإسلامية والتقليدية على حد سواء. ولا بد من أن يكون للأزمة أثرها على مكونات الساحة الاقتصادية كلها، بخاصةٍ في ظل وجود نظام اقتصادي أحّادي يسيطر على السوق، ويوجهها من دون أن يكون له منافس يشاركه في هذه المعركة الاقتصادية. حتى وقت قصير، كان سوق الدَيْن الإسلامي على توسع بوتيرة الضعفين كل سنة اعتباراً من 2004 ليصل إلى 90 بليون دولار. حتى أن الحكومة البريطانية فكّرت جدياً باعتماد أوراقها المالية كمركز للتمويل الإسلامي.لكن، خلال الشهور الثمانية الأولى من 2008، انخفض الإصدار إلى 14 بليون دولار يقابلها 23 بليوناً في المدة ذاتها من 2007، بحسب إحصاءات وكالة ستاندرد أند بورز. واختلف المصرفيون حول أسباب تراجع أدوات الاعتماد الإسلامية، فعزا بعضهم السبب إلى الانهيار المالي. ومع ذلك لا يزال الدَيْن الإسلامي يواجه عقباتٍ، منها ندرة الصكوك الذهبية، إضافة إلى أن الحكومات الإقليمية ذات الثروات النفطية ليست في حاجة إلى الاقتراض، لكن عرضاً كبيراً من حكومات ذات تقويم عالٍ جداً، مثل دول الخليج، سيكون مرغوباً ويعتبر علامة بارزة لبقية الأسواق. لذا من الضرورة بمكان الإشارة إلى أن المصارف الإسلامية، ليست معزولة عن العالم، ولكن يوجد تفاوت في مستويات التأثير، فما يميزها، هو عدم إمكانيتها في شراء الديون وليست لديها محافظ في السندات أو الأسهم. ومن هنا يهتم المال العالمي ومؤسساته الكونية بقراءة تجربة المصرفية الإسلامية والاطلاع عليها وعقد الندوات والمؤتمرات التي تبحث فيها وكيف حققت كل تلك النجاحات، كما أن عالم الصيرفة الإسلامية يقوم بنفس الدور والمهمة المتعلقة بالمناقشات المتنوعة في مختلف الندوات والمؤتمرات والفعاليات التي تركز على عالم الصيرفة الإسلامية وتناقش مقومات صموده وصعوده ومنافسته المصارف التقليدية، وسبل وإمكانات تطويره واستمرار نجاحه وتميزه.