لا يزال أركان ادارة بوش، بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني، يصرّون على دعم ترشيح جون بولتون سفيراً للولايات المتحدة لدى الأممالمتحدة، على رغم ما تكشف عن سوء أخلاقه وتطرّفه السياسي حتى يصح فيه لقب"اللاديبلوماسي". لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ستصوّت على ترشيحه في 12 أيار مايو هذا، بعد نحو شهر من بحث كان يفترض ألا يطول أكثر من يومين، لولا شهادات مسؤولين حاليين وسابقين في الادارة، وناس آخرين شاء حظهم العاثر ان يبتلوا بمعرفة"ابن الشارع"هذا. موظفو اللجنة من جمهوريين وديموقراطيين سيستمعون الى أقوال أكثر من 20 شخصاً عن أخلاق بولتون وعمله، وسينهون عملهم في السادس من الشهر لإعطاء أعضاء اللجنة وقتاً كافياً لمراجعة التقارير قبل التصويت في الأسبوع التالي. عندما مثل بولتون أمام لجنة العلاقات الخارجية كان أعضاؤها الديموقراطيون الثمانية يأملون باستمالة السناتور الجمهوري المعتدل لنكولن تشافي فتنقسم اللجنة مناصفة بين الحزبين ويسقط ترشيح بولتون. الا ان الاعضاء سمعوا عن بولتون ما يكفي ليتردد ثلاثة جمهوريين آخرين في دعمه وهم: تشك هاغل وليزا ميركوفسكي وجورج فوينوفيتش. ورئيس اللجنة نفسه، السناتور ريتشارد لوغار غير متحمّس للمرشح، الا انه يقدم الالتزام الحزبي. هذا كله لا يعني ان بولتون سيسقط عندما يجرى التصويت، فالادارة بقضها وقضيضها تدافع عنه، وتعتبر خسارته خسارة لها، مع ان من الواضح انه وحده الخاسر، بل انه خاسر مرتين لأنه ما كان يجب ان يقبل الترشيح، وهو يعرف ان ماضيه في التطرف مع سوء أخلاقه سيطرحان أمام العالم كله، لا أمام لجنة في مجلس الشيوخ، أو أمام الأميركيين وحدهم. شخصياً لم أفاجأ بشيء سمعته عن بولتون في الأسابيع الاخيرة، ولا أزال أعتقد انه اسوأ كثيراً مما رشح عن سمعته وسياسته، الا انني توقفت في الأيام الأخيرة أمام أدلة جديدة من عمل اللجنة تظهر كيف استغل بولتون منصبه ومعلومات الاستخبارات ليلفق الأكاذيب عن سورية. وأظهرت رسالة رفعت السرية عنها انه حاول في نيسان أبريل 2002 ان"يمغط"معلومات في تقرير استخبارات ليقول في خطاب له ان لدى سورية برنامجاً نووياً. غير انه اضطر الى سحب الاشارة الى سورية في الخطاب بعد احتجاج عملاء الاستخبارات. وعاد بولتون في حزيران يونيو 2003 الى المبالغة في الحديث عن البرنامج النووي المزعوم في سورية وهو يتحدث أمام لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب، مع ان تقريراً للاستخبارات نفسها بعد شهرين كان أكثر تحفظاً بكثير من بولتون. ولم يتراجع هذا الاعتذاري الاسرائيلي الكريه، ففي الشهر التالي، أي تموز يوليو 2003، اعترض مسؤولون من أجهزة استخبارات عدة على محاولته تقديم شهادة أمام الكونغرس تبالغ كثيراً في الحديث عن أسلحة سورية، وبشكل غير وارد في تقارير الاستخبارات نفسها. وكان يفترض ان يكون جزء من شهادة بولتون سرياً، فاستغل السرية محاولاً الزعم ان سورية تطور أسلحة كيماوية وبيولوجية. لماذا يبالغ بولتون ويتحامل؟ يفعل لأنه اسرائيلي قبل ان يكون أميركياً. فهو يجمع بين سوء الأخلاق والتطرّف الليكودي، ووجوده في الأممالمتحدة سيضرّ بمصالح الولاياتالمتحدة، مع الدول الأخرى والمنظمة العالمية. وكنتُ أتمنى لو ان الادارة سحبت ترشيحه، بدل العناد في خطأ واضح فاضح. المعلّق الأميركي المشهور توماس فريدمان أبدى تحفظاً عن ترشيح جون بولتون، ثم طلع بفكرة ذكية هي انه اذا كانت الادارة تريد مندوباً محافظاً يمكن الوثوق به، على ان يكون قريباً من الرئيس ويستطيع بناء تحالفات كما يعرف أروقة الاممالمتحدة وبيروقراطيتها فإن أفضل مرشح للمنصب هو جورج بوش الأب. أؤيد فكرد فريدمان وأتمنى ان أرى بوش الأب سفيراً لبلاده لدى الأممالمتحدة، غير انني أريد أن أختتم بالمعلقة مورين داود، أو"الكوبرا"صاحبة اللسان اللاذع، فقد انتقدت بولتون مرة بعد مرة، ولا أريد القارئ العربي ان يعتقد بأنني أتحامل عليه من منطلق قناعاتي العربية. لذلك أريد ان أختتم ببعض الكلام الساخر على لسان معلقة مشهورة في أهم جرائد أميركا. مورين داود قالت: لماذا يتحاملون على جون بولتون المسكين؟ كلنا يعرفه انه المرشح المثالي للمنصب لدى الأممالمتحدة. تصرفه كثور هائج يناسب تماماً منظمة غارقة في محتالين عالميين ولصوص النفط مقابل الغذاء. المستر بولتون المنفوش الشعر، الفالت من كل عقال، أوبرالي التصرف. هو نعومي كامبل ادارة بوش، وعلى استعداد دائماً لضرب من دونه مرتبة. من لا يريد ان يرى"النباح القديم"يطارد السفير السوري في الأروقة، ويرمي كباسة الأوراق على رأسه ويعضه من رسغه؟ هذه اشارة الى شهادة ميلودي تاونسل التي طاردها بولتون في أروقة فندق في موسكو. من لا يريد ان يراه والزبد يرغى في فمه وهو يصرخ في مندوب كوبا عن أسلحة الدمار الشامل الوهمية فيها. من لا يريد ان يراه يطارد آيات الله الايرانيين مثل الماو ماو؟ من لا يريد ان يراه يسيء استخدام تنصت وكالة الأمن القومي للتجسس على كوفي أنان وابنه؟ المقال كله من هذا النوع الساخر اللاذع، ولا أقول سوى ان مورين داود هي التي قالت ولست أنا.