وسط اجواء عاصفة نذيرة بشؤم كبير وخطر اكيد في نيسان ابريل 1986 حذرني جيمس كالاهان رئيس وزراء بريطانيا السابق وكنت يومها سفيراً لسورية في لندن من ضربة اسرائيلية عسكرية قاصمة Surgery Strike ضد بلدي تتحمس لها حكومة مارغريت ثاتشر وتعد لدعمها. ويذكر المعنيون والمتابعون ان التحريض ضد سورية في وسائل الإعلام البريطانية والذي بني على خلفية سخيفة ومضحكة اساسها خلاف على شقة بين مستأجرها الديبلوماسي السوري ومؤجرها الإنكليزي. هذا التحريض اليومي، وعلى مدار الساعة لشهور متتالية، بلغ ذروته في 17 نيسان 1986 عندما كشفت الاستخبارات البريطانية وبالتنسيق والتواطؤ الواضحين مع الموساد الإسرائيلي، عن احباط خطة لتفجير طائرة تابعة لشركة"العال"الإسرائيلية في الجو، فيما عرف آنذاك بفضيحة الهنداوي او قضية مطار هيثرو. وخلاصة الأمر ان نزار الهنداوي، الفلسطيني - الأردني الجنسية، اقنع صديقته الإرلندية آن مورفي بأن تصحب معها في رحلتها من لندن الى القدس، حيث اتفقا على إتمام الزفاف، حقيبة خاصة بحاجياته الشخصية"اكتشف"رجال امن اسرائيليون في مكتب شركة"العال"في مطار هيثرو لندن انها تحتوي على قنبلة موقوتة. وتم هذا"الاكتشاف الخارق"بعدما غاب العملاء، مع الحقيبة المزعومة، مدة 22 دقيقة عرضوا بعدها حقيبة باللون البني تحوي آثار متفجرات في حين ان لون حقيبة الآنسة مورفي الأصلية كان سماوياً وليس بنياً! وعلى رغم تأكيد المتهمة، التي برئت في ما بعد، وقبضت 100 ألف جنيه استرليني"ثمناً"لمذكراتها عن علاقتها مع الهنداوي، علناً، وإنما لمرة واحدة فقط، ان الحقيبة المعروضة ذات اللون البني ليست حقيبتها، فإن القضاء البريطاني المشهور بنزاهته لم يتوقف عند هذه الواقعة الفاضحة! مع تصاعد الأمور والحملات الإعلامية المكشوفة والممهدة لخطر واضح على سورية بدا لنا اكيداً، انا وصديق العمر الكاتب الراحل سعد الله ونوس الذي كان ضيفاً علي في منزلي آنذاك، ان شيئاً ما كبيراً يجري إعداده ضد بلدنا. بدأت سلسلة لقاءاتي، بصفتي سفيراً لسورية، مع عدد من رجال السياسة والإعلام البريطانيين الذين تربطني بهم علاقات متباينة، كان ابرزها، في الأيام الأولى، لقاء مع السيد ديفيد اوين وزير الخارجية السابق، وزعيم الحزب الديموقراطي الحر الذي قال لي في نهاية اللقاء انه يشتم من سلوك حكومة ثاتشر محاولة للتغطية Coverup وأنه سيقلب غداً الطاولة على رأس المجلس Privy Council. شجعني هذا اللقاء على ان اطلب موعداً عاجلاً مع جيمس كالاهان، السياسي العتيق الذي شغل مرات عدة مناصب وزير الخارجية والدفاع ورئاسة الوزارة، والذي كانت تربطني به علاقة شخصية طيبة ومميزة. في اليوم التالي، من ذلك الربيع المكفهر والعاصف، قال لي كالاهان:"اسمعني جيداً. تشير كل الدلائل الى انه يجري الإعداد لضربة عسكرية قاصمة تقوم بها اسرائيل بدعم من حكومة هذه... الثاتشر ضد سورية". حاولت الحصول على معلومات او ايضاحات اكثر، فاكتفى بالقول وهو يودعني على الباب:"قد تصل الحماقة حداً يستفاد فيه من قاعدتنا الجوية في قبرص. ابلغ الرئيس الأسد ذلك". عندما تأكدت من صحة هذه المعلومات، من مصادر عدة عربية ودولية صديقة، ونجحت سورية في احباط هذه الضربة بفضل كالاهان، تساءلت امام الرئيس الراحل حافظ الأسد:"ألا يستحق هذا الرجل وردة حمراء على ضريحه"؟ وردة حمراء على ضريحه لسببين: لأنني اعلم انه كان يحب الورود الحمر. ولأنني وعدت بأن لا يرد اسمه او ذكره ابداً، في هذا السياق، إلا بعد وفاته، وهذا ما اتفقنا عليه الرئيس الراحل حافظ الأسد وأنا. لقد وفى الرئيس الأسد، وها انا أفي بهذا الوعد. * ديبلوماسي سابق.