تحتفي بريطانيا هذه الايام بالمخرج الايراني عباس كياروستامي وبأعماله، مسلطةً الضوء على أثره في الثقافة المعاصرة في ايران وخارجها. وسيكون جمهوره على موعد معه للتعرف الى أوجهه المتعددة، ليس فقط كمخرج فرض نفسه على الساحة العالمية، بل ايضاً بصفته شاعراً ومصوراً فوتوغرافياً ومخرجاً مسرحياً. وينطلق مهرجان"عباس كياروستامي: رؤى فنان"غدا بعروض لمعظم افلامه الرئيسة مثل"طعم الكرز"و"10"و"واجب منزلي"و"بيت صديقي"و"بين اشجار الزيتون". وللمرة الاولى ستشهد لندن معرضاً لصور فوتوغرافية التقطها كياروستامي، اضافة الى عرض اول لمجسم غابة ثلاثية الابعاد من ابتكاره. ويعد كياروستامي احد اكثر المخرجين الايرانيين شهرة وانتشاراً وتقديراً على المستوى العالمي. ولد في طهران عام 1940 ودرس الفنون الجميلة في جامعتها ليعمل لاحقاً في مجال الدعاية والاعلان. افلامه حازت على جوائز عالمية وتميزت بأسلوبها"السهل الممتنع"الذي ميز معظم افلام ما بعد الثورة. الفكرة الاساسية في افلامه بسيطة ومباشرة ومستمدة من الواقع العادي المعاش، اما الاخراج فينزع نحو التجريب والتنوع. يفضل استخدام تقنية الكاميرا الثابتة، وكثيراً ما يعتمد على اشخاص عاديين في التمثيل بدلاً من الممثلين المحترفين. واللافت في الكثير من افلامه هو قدرته على المزاوجة ما بين الوثائقي والروائي. لكن ابداع كياروستامي يتجلى في قدرته على ايجاد صياغات متعددة ومبتكرة للتعبير عن افكاره سواء في الفيلم أم المسرح أم التصوير. فمثلاً يلجأ في فيلم"بين اشجار الزيتون"الى تصوير فيلم داخل فيلم حيث يتكرر المشهد نفسه مرات، وفي كل مرة تتحلحل العقدة قليلاً قليلاً حتى تُحل. اما في مسرحية"تعزية"وهي مسرحية تقليدية عن عاشوراء ستعرض ايضاً في مهرجان لندن، فيلجأ كياروستامي الى اخراج مبتكر للمسرحية، إذ يحتفظ الممثلون بأدوارهم على المسرح في حين تعرض شاشة كبيرة وراءهم ملامح واعتلاجات جمهور كان المخرج صوره خلال عرض للمسرحية في مناطق نائية في ايران حيث التمسك بهذا التقليد والتفاعل معه على أشده. والفكرة وراء الاخراج الجديد هي ان الجمهور يحضر المسرحية في الوقت الذي يرى صورته فيها. المعرض الفوتوغرافي الذي سينظم في لندن تحت عنوان"اشجار في الثلج"، يحمل بصمة الابداع نفسها، فعلى رغم ان الصور المعروضة ذات ثيمة واحدة هي منظر طبيعي لأشجار تنتشر في ارض مغطاة بالثلوج، الا ان التعبير عن هذه الثيمة يختلف من صورة الى اخرى بحسب اختلاف الزوايا وانعكاس الضوء. وربما يكون هذا المعرض افضل تعبير عن كياروستامي نفسه، ان كان لجهة شغفه بالمناظر الطبيعية والسكينة والعزلة والغموض التي توفرها الاراضي الممتدة على مرمى النظر والمغطاة بالثلوج، او كان لجهة اهتماماته الفلسفية ازاء الانسان والطبيعة والجمال، إذ يصبح تكرار التقاط صور بالثيمة نفسها وبفارق سنوات، جزءاً من رؤية فوتوغرافية تشكل بدورها جزءاً من فلسفة المخرج. وضمن فعاليات مهرجان لندن، سيعمل كياروستامي على تحويل احدى قاعات"غاليري فيكتوريا والبرت"الى غابة ثلاثية الابعاد تتكون من أنابيب ضخمة مفرغة ومغطاة بصور عملاقة لقشور الشجر. وهي محاولة تأتي في سياق اهتمامه الطويل بالعلاقة القائمة بين الانسان والطبيعة من حوله، وسط قناعته بأن الانسان لم يعد يهتم بالنظر الى التفاصيل في الطبيعة الا اذا وضعت في اطار او متحف. يذكر ان المهرجان ينظم برعاية مجموعة من المؤسسات الثقافية في بريطانيا، من بينها منشورات معهد الفيلم البريطاني، القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني، المعهد الفرنسي، كلية لندن للافلام، ناشيونال فيلم ثياتير، مكتبة الساقي، غاليري زيلدا شياتل، متحف فيكتوريا والبرت، ومؤسسة ايران للتراث.