اطلاق سراح الاسرى الاردنيين هو خطوة اولى في التسوية حول مجموع الاسرى الاردنيين. الا ان الخطوتين الاخريين المقبلتين تثيران قلق الاسرى. فاسرائيل تريد ان ينتقلوا من سجن الى سجن، وليس الحصول على الحرية المطلقة. وقسم منهم تريد نقله الى أراضي السلطة الفلسطينية ومنعه من العودة الى الاردن. تلقي قضية الاسرى الاردنيين في السجون الاسرائيلية بظلها على العلاقات بين الاردن واسرائيل منذ صفقة تبادل الاسرى بين اسرائيل و"حزب الله" اللبناني قبل اكثر من سنتين، وقد ازدادت حدة إثر قمة شرم الشيخ حينما اتُفق على اطلاق سراح دفعة جديدة من الاسرى الفلسطينيين. وبدت القضية في حال برود ظاهر من الطرف الاردني. بل شابها توتر يسعى الطرفان الى اخفائه في وقت نجح الاسرى والشارع الاردني في جعل هذا الملف من أولويات السفير الاردني في تل أبيب، معروف البخيت، الذي يبذل جهوداً كبيرة في متابعة القضية. وفي خطوة لم يسبقه فيها اي ديبلوماسي اردني في اسرائيل قام بزيارة الاسرى، وعلى وجه الخصوص سلطان العجلوني الذي يشكل اليوم العقبة الاساسية في هذا الملف. كما كان أول أردني يعلن استعداده للقاء عائلة الاسرائيلي الذي قتل في العملية التي نفذها العجلوني والاعتذار لها بتوضيح ان منفذ العملية كان في السادسة عشرة من عمره وأن الاجواء تغيرت بعد اتفاق السلام. التجاوب الاسرائيلي لم يأت بمستوى الاصرار الاردني لحل القضية. فالاسرائيليون، حتى الآن، يعلنون رفضهم الافراج عمن يسمونهم "الملطخة أيديهم بالدماء". وفي لقاء رئيس الوزراء الاسرائيلي، آرييل شارون، برئيس الدولة العبرية، موشيه كاتساف، حول الملف اتفق على عدم التراجع عن هذا الموقف. وأعلن كاتساف في شكل واضح: "لن أمنح العفو لمن لطخت أيديه بالدماء". وعندما عرض البخيت زيارة العائلة الاسرائيلية والاعتذار لها لم تخرج اي مبادرة من مسؤول اسرائيلي لمرافقته في هذه الزيارة او التدخل لدى العائلة لتغيير موقفها. فقد اعلنت العائلة الرفض القاطع لهذه الزيارة والافراج عن العجلوني ونقلت موقفها الى كاتساف. فيما أبرزت وسائل الاعلام موقف العائلة بالحديث عن معاناتها ومأساتها بعد تنفيذ العملية وفقدانها ابنها الجندي. وبين الاصرار الاردني والموقف الاسرائيلي يعيش الاسرى قلقاً من خطر عدم التوصل الى اتفاق مرض على ملفهم. ومع اتخاذ الحكومة الاسرائيلية قرار الافراج عن تسعة اسرى فقط ازداد قلق الاسرى والذين اعتبروا ان هذه الخطوة تعكس النيات الاسرائيلية في الاصرار على موقف معين من معايير الافراج عنهم وعدم طي ملفهم في الشكل الذي يريده الاردن ويتمناه الاسرى. زيارة البخيت الى الاسرى لم تأت صدفة، فقد جاءت كمحاولة لتهدئة الشارع الاردني الذي عبَّر عن تضامنه مع الاسرى من خلال نشاطاته الشعبية تضامناً مع خطوتهم بالاضراب عن الطعام احتجاجاً على قرار الاردن بعودة السفير الى تل ابيب من دون حل مشكلتهم، كما اتفق معهم سابقاً. فجاء قرار البخيت سريعاً بزيارة الاسرى ونجح بانهاء الاضراب مع تحديده لهم شهر نيسان ابريل الجاري موعداً لحل قضيتهم. لكن قرار الافراج عن تسعة فقط اعتبره الاسرى الاردنيون محاولة جديدة للحد من الضغوطات الممارسة لانهاء هذا الملف وحذروا من خطر وقوع الاردن مرة اخرى في شباك السياسة الاسرائيلية في صفقات الاسرى. وذكّر الأسير رياض صالح عبدالله بالصفقة التي نفذت بين البلدين عندما حاولت اسرائيل اغتيال أحد قادة "حماس" خالد مشعل، والتي اتفق بموجبها على الافراج عن رجال الاستخبارات الاسرائيلية الذين حاولوا تنفيذ جريمة الاغتيال في مقابل اطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين وعدد من الاسرى الاردنيين. وتبين في ما بعد ان جميع الاردنيين الذين اطلق سراحهم كانوا من الجنائيين وممن ضبطوا في اسرائيل من دون تصاريح اقامة. ويؤكد الاسير عبدالله ان انهاء القضية يكون بالافراج عن جميع الاسرى، وأولهم العجلوني والثلاثة الذين اعتقلوا قبل اتفاق السلام الاردني - الاسرائيلي وهم جنود الحرس الوطني الاردني، أمين الصانع وخالد أبو غليون وسالم أبو غليون. هذا الموقف يتبناه السفير الاردني، معروف البخيت، أيضاً، والذي اكد ضرورة تغيير السياسة الاسرائيلية في التعامل مع الاسرى خصوصاً الاربعة المذكورين، مذكراً الاسرائيليين بوجود اتفاق السلام بين الدولتين. وبرأيه "على اسرائيل العمل على تحسين صورتها امام الاردن والاردنيين بالتعامل الايجابي مع هذا الملف آخذة في الاعتبار اتفاق السلام بيننا". وقال: "اذا كانت المشكلة حول الاربعة الأسرى فإن الحديث هو عن عمليات نفذت قبل اتفاق السلام وعن فتى نفذ العملية هو في جيل 16 عاماً سلطان العجلوني. فقد عقدت اتفاقية سلام والمفروض النظر الى جميع الاسرى كملف واحد من دون استثناء أحد". وتعتمد تصريحات البخيت على وعد تلقاه الملك عبدالله من اسرائيل قبل عامين، أثناء تنفيذ صفقة التبادل مع "حزب الله" لاطلاق سراح الحنان تننباوم، وجثث ثلاثة جنود اسرائيليين. ففي حينه اقترح الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصر الله ضم الاسرى الاردنيين الى الصفقة، وطلب من الأردن إعطاءه قائمة بأسماء السجناء وتعهد بإعطائها للوسيط الالماني كشرط لتنفيذ الصفقة. وبحسب مصدر اسرائيلي فإن مبعوثاً اسرائيلياً توجه بصورة سرية الى عمان ليوضح للاردنيين مدى الضرر الذي سيلحق بصورة الحكومة الاردنية اذا تم ذلك، حيث سيتحول نصر الله الى بطل قومي في الشارع الاردني وسيحمل الناس صوره في المسيرات وفي مخيمات اللاجئين. وقد تلقى الملك عبدالله وعداً بأن تقوم اسرائيل باطلاق سراح السجناء الاردنيين من دون علاقة مع صفقة "حزب الله". لكن هذا الوعد بقي حبراً على الورق. حتى قرار الحكومة الاسرائيلية بالافراج عن الاسرى التسعة الذي اعتبره البخيت خطوة ستتبعها خطوات اخرى. وعلى رغم احتجاج الاسرى الاردنيين على هذا القرار الا ان الاسرائيليين يرون فيه خطوة كبيرة كبادرة حسن نية تجاه العاهل الاردني، ويرفضون في هذه المرحلة الحديث عن خطوات اخرى بحجة ان من الافضل إبقاء الموضوع على نار هادئة، مع العلم انهم على قناعة بضرورة الحفاظ على علاقات هادئة مع الاردن ويريدون ان تتم زيارة الملك عبدالله الى اسرائيل ولقاء وزير الخارجية الاسرائيلي مع نظيره الاردني، والذي تم تأجيله بسبب ملف الاسرى. ويدركون اليوم ان المسألة مربوطة كلياً بملف الاسرى ما دفع الى بلورة صيغة تحافظ فيها اسرائيل على معاييرها الخاصة بالاسرى وبعدم التنازل كلياً عنها. وهذه الصيغة ما زالت قيد السرية وتهدف أساساً الى حل قضية الاسرى الاربعة الذين يصفهم الاسرائيليون ب"الاكثر ثقلاً" من بين الجميع. وبحسب الخطة يتم نقل الاسرى الاربعة الى سجن أردني في حين ينتقل ستة الى اراضي السلطة الفلسطينية ويمنع دخولهم الى الاردن. ومن المتوقع ان يتم تنفيذ الخطة على ثلاث مراحل: الاولى وهي التي تمت بالافراج عن التسعة، ثم سيفرج عن اثنين بنظر الاسرائيليين من أصحاب الملفات الصعبة، اما المرحلة الثالثة فتشمل اسرى ما قبل اتفاقية السلام او من تطلق عليهم اسرائيل صفة "الملطلخة أيديهم بالدماء". والمتوقع ان تنجز هذه المرحلة أواسط الشهر المقبل، في موعد مؤتمر القمة الاقتصادية الدولية الذي سيعقد في الجانب الاردني من البحر الميت. وستسعى اسرائيل الى انهاء الملف في هذا التوقيت لضمان مشاركة وفد اسرائيلي كبير في المؤتمر حيث تعتبر مثل هذه المشاركة مهمة وضرورية في هذه الفترة بالذات، كما انها تعود بالمصلحة الاقتصادية على اسرائيل وامكان تطوير علاقاتها مع دول اخرى وخصوصاً عربية ستشارك في المؤتمر. وفي اسرائيل يرى المختصون في العلاقة الاردنية الاسرائيلية ان الاردن اضاع فرصتين لتحقيق انجاز له في الافراج عن جميع الاسرى الاولى: "أثناء توقيع اتفاق السلام. فبسبب نشوة مهرجان اطلاق حمام السلام والبالونات والمصافحة بين القادة والمقاتلين من الجانبين، نسوا السجناء. فلو كان الاردن قد أصر على عدم توقيع على اتفاق السلام الى ان يتم اطلاق سراح السجناء، فلا شك في ان اسرائيل كانت ستضطر الى اغلاق هذا الملف والاستجابة له. اما الفرصة الثانية فجاءت بعد ثلاث سنوات عندما حاولت اسرائيل اغتيال خالد مشعل، فلو ضغط الاردن على اسرائيل، لكان حصل على جميع الأسرى من دون استثناء". أما اليوم فيحذر الاسرى من وقوع الاردن في خدعة اسرائيلية وضياع الفرصة المتوافرة لمواصلة الضغط على اسرائيل لاغلاق هذا الملف، في وقت يتحدث وزير خارجيتها، سلفان شالوم، عن ضرورة دفع العلاقات مع عشر دول عربية. ويقول الاسير رياض صالح عبدالله، ان القرار الاسرائيلي بنقل الاسرى الاربعة الى الاردن غير واضح لهم، اما نقل ستة الى الاراضي الفلسطينية فأمر مرفوض لمن يصر من بينهم على العودة الى الاردن حيث تعيش عائلته. ويكشف ان اسمه ألغي من قائمة الاسرى الاردنيين ويقول: "عندما ذهبت زوجتي لمعرفة اذا كان اسمي بين التسعة الذين سيفرج عنهم فوجئت بشطب اسمي من القائمة. فقد ابلغها المسؤول الاردني ان اسمي غير موجود، وهذا يعني ان اسرائيل قررت نقلي الى الاراضي الفلسطينية بعيداً من زوجتي وأطفالي وقد تكون هناك اسماء اخرى شطبت من القائمة ما يعني ان اسرائيل ستحقق اهدافها بالحصول على ما تريده من دون ان تتراجع عن مواقفها، أي ابقاء الاسرى داخل السجن، لكن في الاردن وتحويل البقية الى سجن لا يختلف الا بمساحته عن السجن الذي نعيش فيه الآن، وبهذا تكون اسرائيل من جهتها قد طوت ملف الاسرى الاردنيين وهي تعيش نشوة الانتصار، بينما يبقى الملف من جهتنا مفتوحاً وربما يزداد تعقيداً".