لقيت تطورات أسواق الغاز الطبيعي العالمية في الأعوام الأخيرة القليل من الاهتمام في الدول العربية مقارنة بتسليط الأضواء في مختلف وسائل الإعلام على ما يجري في أسواق النفط، سواء في الوقت الراهن، أو أثناء فترة تعديل أسعاره في السبعينات. المعروف أن سعر الغاز الطبيعي في أكبر أسواقه، اي الولاياتالمتحدةالأمريكية، قد واصل ارتفاعه من 10.8 دولارات لبرميل النفط المكافئ قبل عشر سنوات - أي أكثر قليلاً من نصف سعر برميل النفط - إلى 25.4 دولاراً في بداية القرن الحادي والعشرين - أي أنه اقترب من السعر السائد لبرميل النفط. دوافع ارتفاع سعر الغاز الطبيعي تتلخص العوامل التي أدت لارتفاع سعر الغاز الطبيعي في الولاياتالمتحدةالأمريكية بالقواعد الاقتصادية التقليدية، وهي ركود الإمدادات، أو انخفاضها، من ناحية، في وقت يتزايد فيه الاستهلاك من ناحية أخرى. تعتبر بداية العقد السابع من القرن العشرين فترة الذروة في موارد الغاز الطبيعي والنفط في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ففي العقود التي سبقت ذلك التاريخ كانت كميات احتياطي الغاز تتزايد باستمرار حتى بلغت الخمسين بليون برميل مكافئ نفط. غير أن الاحتياطي بدأ بالتراجع في الأعوام التالية، لتستقر كمياته عند حوالي 30 بليون برميل مكافئ فقط منذ منتصف التسعينات. وبعكس الإمدادات، اتسم الطلب على الغاز الطبيعي بالتصاعد المتواصل، مدفوعاً بعاملين رئيسيين: المزايا التقليدية للغاز بسبب تدني مستوى التلوث الناجم عن استخدامه، سواء الأنواع المعروفة من المخلفات، أو عناصر التسخين الحراري ثاني أكسيد الكربون. التقدم التكنولوجي في محطات الدورة المركبة Combined Cycle Technology لتوليد الطاقة الكهربائية، التي تزيد المنافع الاقتصادية بحوالي 50 في المئة مقارنة بالأساليب التقليدية. تبرز هذه المنافع في التدني الملحوظ للتكلفة الرأسمالية لتوليد الكهرباء عن طريق الدورة المركبة قياساً بالبدائل، سواء أكانت من النوع التقليدي كالفحم، أو الجديدة كطاقة الرياح، أو الطاقة النووية. بالتالي، ليس مستغرباً أن يشتد الطلب على الغاز الطبيعي، ويتزايد الإقبال عليه في أحد القطاعات الرئيسية، وهو توليد الطاقة الكهربائية، الذي يتسم بدوره بسرعة النمو في كافة الدول دون استثناء. إذ تشير الدراسات المختصة أن الزيادة في محطات الكهرباء الأمريكية قد تبلغ حوالي 67 في المئة من إجمالي التوسع في استهلاك الغاز الطبيعي حتى عام 2020. بينما تبقى حصة بقية القطاعات في الزيادة ضئيلة ولا تتعدى 14 في المئة للقطاع المنزلي، و 8 في المئة للصناعة. الأسعار تعتبر مستويات الأسعار انعكاساً لتوازن العرض والطلب على الغاز الأمريكي. وهي كانت مستقرة بحدود دولارين للوحدة طيلة الخمسة عشر عاماً التي سبقت مطلع القرن الحادي والعشرين ? معبراً عنها بدولار عام 2001 لاستبعاد التضخم. يعود ثبات السعر إلى فائض الطاقة الإنتاجية، حيث تراوحت نسبة الطاقة الإنتاجية المستغلة فعلياً بين 70 إلى 90 في المئة. تعتبر هذه النسبة 90 في المئة حداً فاصلاً بين استقرار الأسعار، من ناحية، أو تصاعدها، من ناحية ثانية. فإن كان مستوى الطلب يقل عنها فإن المنتجين يستطيعون تلبيته دون زيادة في الأسعار، لكن الأمور تنعكس بعد ذلك. فقد شهدت أسعار الغاز الأمريكي ارتفاعاً ملحوظاً بلغ أحياناً أكثر من 6 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية، أو ثلاثة أضعاف مستواه السابق حين فاقت الطاقة الإنتاجية المستغلة 90 إلى 95 في المئة. الجدير بالذكر أن تصاعد الأسعار بعد حاجز التسعين في المئة من الطاقة الإنتاجية ينطبق على الغاز الطبيعي وأنواع الوقود والخدمات المرتبطة بصناعة الطاقة، كالمصافي، والناقلات، التي شهدت زيادات متواصلة في الأسعار خلال الأعوام الأخيرة. كما أن هذه الظاهرة تنطبق أيضاً على النفط، رغم الاختلاف الظاهر في تركيبة الأسواق العالمية لهذه الصناعة، وما يزعم من قدرة منظمة أوبك في التحكم بمجرياتها، من ناحية، وصناعة الغاز الأمريكية، وما يسودها من تنافس، من ناحية ثانية. إذ تقدم صناعة الغاز الطبيعي في الولاياتالمتحدةالأمريكية مثالاً واضحاً للسوق التنافسي، خاصة بعد إزاحة القيود عن أسعار بيعه. التي استغرقت عشر سنوات ابتداء بعام 1979، وانتهت مرحلتها الأخيرة عام 1989. بالتالي لا تتدخل السلطات الحكومية باستثناء الهيئات المعنية بالسلامة في النشاطات المحلية وعبر الولايات. تتعدد الحالات التي تسود فيها المنافسة في سوق الغاز الأميركي. من أبرزها العدد الكبير من شركات الإمدادات، يقابلها العدد الكبير من المستهلكين، كما يبرز في الأمثلة التالية: أعداد المنتجين: الشركات العاملة في استخراج الغاز الطبيعي وإنتاجه: حوالي 6800 المؤسسات التي تملك أنابيب لنقل الغاز وتسويقه: حوالي 400 مؤسسات توزيع الغاز وتسويقه على المستوى المحلي: حوالي 330 شركات تسويق تملكها حكومات محلية: 860 أعداد المستهلكين: شركات الكهرباء: حوالي 500 شركات صناعية: حوالي 200 ألف مؤسسات تجارية: نحو 5 ملايين القطاع المنزلي: حوالي 61 مليون ورغم هذه المؤشرات على الطبيعة التنافسية لصناعة الغاز الأمريكية، إلا أن اتجاه الأسعار فيها لا يختلف كثيراً عن الأسعار في أسواق النفط العالمية. ففي كلا الحالتين تتصاعد الأسعار عند تجاوز الطلب المستوى الحرج للطاقة الإنتاجية وهو 90 في المئة. آفاق المستقبل تشير الدراسات المختصة أن العجز في الإمدادات الأمريكية من الغاز الطبيعي سيستمر في المستقبل. وأن مستوى الأسعار عند 5 دولارات للوحدة من شأنه أن يفاقم هذا العجز. إذ ليس من المتوقع أن تزيد الإمدادات بشكل ملموس قبل سنوات عدة، في وقت يتصاعد الطلب عاماً بعد آخر مدفوعاً بالعوامل التي سبق الإشارة إليها، خاصة في محطات الدورة المركبة لتوليد الطاقة الكهربائية. وهذا يفسر اتجاه الدراسات الخاصة بالغاز الطبيعي نحو زيادة مستوى الأسعار التي تتوقعها، ويشير أحدث تقرير من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في كانون الثاني يناير 2005 إلى استقرار سعره عند مستوى 6 دولارات للوحدة خلال عامي 2005 - 2006، وهو المعدل نفسه الذي بلغه عام 2004. كما يسير الجانب الآخر من الأطلسي في اتجاه مماثل للولايات المتحدة الأميركية. ففي إحدى الدول الرئيسية في أوروبا، وهي بريطانيا، يتوقع أن يتواصل الارتفاع في استهلاك الغاز الطبيعي في ظل الاندفاع لبناء المزيد من محطات الكهرباء العاملة بالدورة المركبة. يقابل ذلك انخفاض ملموس في الإمدادات، بسبب العوامل المشار إليها سابقاً، وهي تقادم الحقول، وانخفاض الإنتاجية. تشير التوقعات إلى أن الاكتفاء الذاتي الذي تتمتع به بريطانيا سيتحول خلال الأعوام القادمة إلى فجوة تبدأ عام 2005 باستيراد حوالي 2.6 مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال، ثم تتزايد بسرعة في السنوات التالية، لتبلغ الكميات المستوردة نحو 20 مليون طن عام 2010. في ذات الوقت، يتواصل الارتفاع في بقية الدول الأوروبية مثل أسبانيا، وفرنسا، والدول الحديثة نسبياً في هذا المجال. بالتالي، يتوقع أن يتضاعف إجمالي الطلب الأوروبي على غاز البترول المسال من 24 مليون طن عام 2004 إلى 38 مليون طن هذا العام 2005 ثم إلى 73 مليون طن في نهاية العقد الحالي. راجع جدول رقم 1 التوسع في تجارة الغاز الطبيعي المسال إن تناقص إمدادات الغاز الطبيعي وتسارع الزيادة في استخدامه في الدول الرئيسية على جانبي المحيط الأطلسي، إضافة إلى الدول الآسيوية، سيرافقه تصاعد ملموس في تجارة الغاز الطبيعي المسال كعنصر مساعد للمعروض من الغاز الطبيعي. وتفيد الدراسات المختصة أن واردات منطقة الأطلسي ستزيد إلى نحو 140 مليون طن بحلول عام 2010، متجاوزة بذلك الكميات التي تستوردها الدول الآسيوية، وهي المنطقة التقليدية لواردات الغاز الطبيعي المسال. ولدى مقارنة هذه التوقعات مع تجارة الغاز الطبيعي المسال في الوقت الحاضر، يتضح أن الزيادة في واردات منطقة الأطلسي ستتجاوز الثلاثة أضعاف - من حوالي 50 مليون طن في الأعوام الأخيرة إلى 140 مليون طن تقريبا عام 2010 - كما يوضح الجدول. بناء عليه، يتوقع أن يتراوح عدد مصانع الغاز الطبيعي المسال بين 4 و6 سنوياً خلال النصف الثاني من هذا العقد، مقارنة مع المعدل السنوي البالغ 2 إلى 3 مصانع في الأعوام العشرة الأخيرة. الانعكاسات على الدول العربية إن الآثار المتوقعة لارتفاع أسعار الغاز الطبيعي على الدول العربية تتركز على عدة محاور أهمها: أولاً ? التبادل التجاري للغاز الطبيعي بين الدول العربية، وعلى السوق المحلي في كل دولة. ثانياً ? تأثير التصاعد في سعر الغاز الطبيعي على أسعار النفط الخام في الأسواق الدولية. ففي المقام الأول يوفر المستوى الجديد لأسعار الغاز الأساس الذي يستقر عنده النفط الخام، أي حوالي 35 دولاراً للبرميل. يشير هذا السعر إلى نقطة تعادل الغاز الطبيعي في محطات الدورة المركبة وهو حوالي 6 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية، علماً أن برميل النفط يحتوي 5.8 ملايين وحدة. ويمكن لسعر الغاز الطبيعي أن يرتفع إلى مستويات أعلى في ظل الميزات التي يتمتع بها كوقود مفضل من النواحي البيئية، خاصة التخفيض الملموس في الغازات المنبعثة من محطات توليد الطاقة الكهربائية مقارنة بالأنواع الأخرى من الوقود. كما أن ارتفاع سعر مبيعات الغاز الطبيعي من شأنه أن يؤدي إلى تخفيض التكاليف الإضافية التي يتحملها منتجوه للإبقاء على سوائل الغاز الطبيعي ضمن كميات الغاز بدلاً من فصلها. وهذا يؤدي إلى تقليص إجمالي الكميات المعروضة من النفط، التي تشتمل عادة على سوائل الغاز الطبيعي كأحد مكوناتها. علاوة على ذلك، فإن بعض مستخدمي الغاز الطبيعي يسعون للتحول عنه إلى أنواع أخرى من الوقود عند ارتفاع أسعاره. وعلى وجه الخصوص يرافق تصاعد أسعار الغاز طلب متزايد على المشتقات البترولية للتعويض عن الغاز الطبيعي. تشجيع صادرات الدول العربية من الغاز الطبيعي المسال تميزت السنوات القليلة الماضية بتزايد المساعي لتصدير الغاز الطبيعي المسال من مصادره التقليدية في الجزائروقطر، إضافة إلى المناطق الحديثة نسبياً مثل مصر وعمان، وكذلك الدول المرشحة للتصدير بعد عدة سنوات خاصة اليمن. وينتظر أن تزيد الكميات التي تصدرها الدول العربية من الغاز الطبيعي المسال بحوالي 50 في المئة خلال الأعوام القليلة القادمة لتصبح 95 مليون طن عام 2010 مقارنة بحوالي 61 مليوناً في 2009. وتعتبر دولة قطر أسرع البلدان نمواً في هذا المجال. إذ يتوقع أن ترتفع صادراتها إلى أكثر من 52 مليون طن في نهاية العقد الحالي، أي أكثر من ضعف ما تصدره حاليا، وهي 22 مليون طن. ثم ترتفع بعد ذلك إلى 77 مليوناً. لا شك أن الكميات الضخمة من احتياطي الغاز الطبيعي تؤهل دولة قطر لتلعب دور الريادة في صناعة الغاز الطبيعي المسال لتصبح أكبر مصدريه في العالم اعتباراً من بداية العقد القادم، خاصة أن موقعها الجغرافي يمكنها من تزويد الأسواق الحديثة منها في أمريكا الشمالية وكذلك الأسواق التقليدية في الشرق الأقصى وأوروبا. كما أن القرب الجغرافي لمصر من الأسواق المستهلكة في أوروبا، وكذلك الاكتشافات الكثيرة للغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة، قد شجع على مضاعفة المشاريع المخصصة لتصديره أكثر من ثلاث مرات لتصبح 21.6 مليون طن عام 2010 مقارنة بحوالي 6 ملايين حالياً. إن إنجاز مشروعات الغاز الطبيعي المسال بالدول العربية سيزيد من طاقتها التصديرية بحوالي 34 مليون طن في الأعوام الخمسة القادمة، الأمر الذي يتيح لها أن تلعب دوراً ملموساً في التجارة الدولية للغاز الطبيعي المسال، المتوقع أن يزداد بحوالي 107 مليون طن، كما يوضح الجدول رقم 2. تجدر الإشارة الى أن عدداً كبيراً من الدراسات قد أجريت مؤخراً لتقييم تكلفة تسليم الغاز الطبيعي إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية من مناطق العالم المختلفة، بما فيها الدول العربية، إذ تشير أن تكلفة الغاز الطبيعي من روسيا تعتبر الأعلى، حيث تتجاوز 5.5 دولارات للمليون وحدة حرارية، نظراً لارتفاع متطلباتها من الشحن. من جهة أخرى، فإن انخفاض تكلفة النقل من الجزائر يضعها في موقع تنافسي، أي اقل بحوالي الدولارين للمليون وحدة. أما أقل المشاريع تكلفة فتوجد في منطقة الكاريبي، سواء في ترينداد أو فنزويلا. وتحتل كل من عمان ومصر موقعاً وسطاً بين التكلفتين المشار إليهما. صادرات الغاز الطبيعي المسال المتوقعة من الدول العربية - مليون طن الدول 2005 2010 2015 قطر 22.2 52.5 77.0 الجزائر 20.0 24.4 28.4 مصر 6.0 21.6 21.6 الإمارات 505 505 505 سلطنة عمان 6.7 10.0 10.0 ليبيا 0.5 0.5 0.5 اليمن - 2.0 5.0 مجموع الدول 60.9 94.5 148.0 العربية إجمالي العالم 158.7 265.9 300.0